المهندس خالد بدوان السماعنة يكتب: قراءة| البراغماتية السياسية ليست حكرا على أحد

منذ 6 ثواني
المهندس خالد بدوان السماعنة يكتب: قراءة| البراغماتية السياسية ليست حكرا على أحد

كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة
بداية يجب أن نعي أن المنطق البراغماتي يذيب الفوارق بين الفعلين؛ فمحور الفكرة البراغماتية تقوم على الفاعلية والتركيز على الجانب العملي، وأن المنفعة هي من تصحح الفعل وتضفي عليه القيمة.
حديثي هنا ليس من باب التأييد لهذا المصطلح ولا إضفاء الشرعية عليه بقدر ماهو طرح ممارسة نراها بأم أعيننا على الساحة السياسية الدولية والإقليمية.
لست أرى من المنطق إضفاء المشروعية على العمل السياسي لمجرد أنه صدر من حراك إسلامي هنا أو هناك -بغض النظر عن اسمه وأجندته-! وبالمقابل شيطنة نفس هذا العمل السياسي إذا ما صدر من النظام السياسي في أي دولة عربية!.
وليس من المقبول ولا المعقول أن تكون اللغة الدينية المفرغة من مضامينها إضافة معتبرة إذا ما كانت الممارسة معتمدة من النظام السياسي ومن الحراك الإسلامي!.
إن الأنظمة السياسية في الدول العربية – في نظري على الأقل – تتعامل مع الحركات الإسلامية على الساحة العربية من قبل دول الإقليم من خلال استراتيجية دقيقة وليست هي مجرد ردة فعل.

إن أس هذه الاستراتيجية وركيزتها ببساطة: التفريق بين حركات تمثل تهديداً للأنظمة الإقليمية، وحركات أخرى يمكن احتوائها أو حتى توظيفها- إن صح التعبير -.
ولا وجه للملامة هنا إذا ما قلنا أن الجميع – ولا نستثني من ذلك حتى الحركات الإسلامية التي وصلت سدة الحكم – الجميع يمارس -في الواقع- سياسة مصلحية، كلٌّ من موقعه ووفق حساباته وتقديره للمصالح والمفاسد.
الأنظمة السياسية العربية عموما – من وجهة نظري على الاقل – ليس بينها وبين الحركات الإسلامية عداء، كما يحاول البعض تصويره، ولكن وجب التفريق بين الحراكات الإسلامية الموجودة على الساحة! فليس من يحمل مشروعا سياسياً يتجاوز الحدود، ويسعى لتشكيل خريطة جديدة للمنطقة .. كغيره.
إن أصحاب المشاريع السياسية العابرة للحدود سيخلقون صداما، وبالتالي لن يجدوا الدعم أو العون. كيف وهم يمثلون مشروعا يتصادم مع استراتيجيات هذه الدول ويهدد وجودها!.
ثمة فرق بين من يمثل صعوده عنوانا لصعود تيار ذي طموح إقليمي تدعمه قوى إقليمية، ويعيد رسم خطاب يهدد كينونة دول المنطقة، وبين من صعوده لا يمثل ظهور ثقل سياسي، ولا يتعارض مشروعه مع موازين القوى في المنطقة والتى استقرت وبات واجب الجميع حمايتها. فهذا صاحب مشروع لم يسع إلى تصدير ثورته ورؤى تياره الذي ينتمي إليه إلى دول الجوار ليخلق فيها ثورة على الأنظمة القائمة والمستقرة.

كيف لدول المحيط العربي أن تدعم ماتراه خطراً مباشراً على نفوذها واستقرارها؟

إن الناظر إلى مواقف الدول العربية عبر تاريخ الحركات الإسلامية التي حاولت الوصول إلى سدة الحكم في دولها يفهم بوضوح أن التباين في التعامل مع تلك الحراكات والحركات نابع من استراتيجية تقوم على فهم التهديدات والفرص، ومواطن القوة والضعف.فحين دعمتها فما ذلك إلا لأنها لم تر أمام عينيها مشروعا عابرا للحدود يهدد أمنها واستقرارها. وحين عادتها فلأنها شكلت رمزية ستمتد لتشكل قلاقل وقلقا في المعادلة الإقليمية. فصار دعمها والترحاب بها يحمل بعدا استراتيجيا خطيرا.

إذا فتعامل الأنظمة السياسية العربية في المنطقة مع الحراكات الإسلامية ليس واحدا ولا ثابتا .. بل هو تعامل مبني على قاعدة المصالح والمخاطر .. والسياسة لا تتعامل مع لونين أبيض وأسود .. بل هي أشبه بتدريج طويل بين الأبيض والأسود .. وتداخلات معقدة من التفاعل الذي يدخل في مد و جزر حسبما تقتضيه المصلحة والمفسدة. فلا يوجد عداء مطلق، ولا تحالفات مطلقة ! .. بل هناك حسابات غاية في الدقة.
الشيزوفرينيا هي من تجعل البراغماتية السياسية مبررة في خيارات وتحالفات الحركات الإسلامية، في حين أنها غير مبررة وتنبذ وتستقبح نفس هذه الخيارات وهذه التحالفات إذا جاءت من قبل الأنظمة السياسية العربية.
ليتم حينها طرح السؤال القديم الحديث: هل ثمة معايير واضحة تضفي الشرعية على الممارسة السياسية للحركات الإسلامية لا نجدها في غيرها من النظم السياسية العربية؟!. وهل نعدها ممارسات أخلاقية حين يمارسها أصحاب الحراكات الإسلامية ولا نعدها كذلك حين يمارسها غيرهم؟!.

متى سيتم تحرير الدين من استغلال السياسة؟!.

وإلى متى ستبقى النصوص الدينية ملجأ لكل سياسي إسلامي يريد أن يضفي تسويغا شرعيا لأفعاله السياسية بغض النظر عن انتماءاته الحركية؟. متى سنتوقف عن أسلمة الممارسات السياسية لمجرد أن فاعلها حراك إسلامي؟!. ففي لحظة يصبح العمل السياسي صحيحا وفق معايير السياسة ( البراغماتية)، وفي لحظة أخرى يصبح غير صحيح وفق معايير الأخلاق و الفعل الصالح.
إن من لا يدرك ما ذكرنا آنفا يقع في سوء الحكم على آلية تعامل الأنظمة السياسية العربية مع الحراكات الإسلامية الصاعدة هنا وهناك. وسيقبع أسيرا لجهله في ديناميكية السلطة .. وهو دليل نقص خبرة في إدارة شؤون الحكم .. وغياب الوعي في آلية ضبط إيقاع التحولات الإقليمية بما يكفل استقرار النفوذ وعدم المساس به.
إن النظم السياسية في منطقتنا العربية لها الحق – كما الحراكات الإسلامية – في تطوير براغماتية تكتب لها استمرار بقائها والتكيف مع كافة المتغيرات من حولها، وإدارة الملفات الحرجة تأسيسا على مواقف متحركة تحتكم للمصالح والمفاسد بداية ونهاية.
يجب أن ننتبه إلى أن المصالح والمفاسد ليست حكرا على الحراكات الإسلامية فالكل يمارس -في الواقع- سياسة مصلحية، كلٌّ من موقعه ووفق حساباته وتقديره للمصالح والمفاسد.
إن انفتاح الحراكات الإسلامية على المصالح واعتبارها أداةً لتسويغ الممارسة السياسية وإضفاء طابع إسلامي أخلاقي عليها، بالموازاة لعملية الانتقال إلى العمل السياسي الذي فرض استحقاقات عملية يفرض علينا في الوقت ذاته اعتبار نفس الأداة لتسويغ هذا التباين في ردود فعل الأنظمة السياسية العربية تجاه مايجري في المنطقة برمتها.
دمتم بخير.