الدكتور محمد الهواوشة يكتب:ترامب وتسلّم سلطاته الدستورية: بين الخطاب الشعبوي والطموحات الفردية

منذ 5 ثواني
الدكتور محمد الهواوشة يكتب:ترامب وتسلّم سلطاته الدستورية: بين الخطاب الشعبوي والطموحات الفردية

كتب الدكتور محمد الهواوشة :

تابعتُ حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكان من الصعب تجاهل حجم الجدل الذي أثاره خطابه وأسلوبه، والذي يعكس ملامح أقرب إلى رؤساء دول العالم الثالث وليس رئيساً لدولة غربية عظمى يُفترض أن تكون نموذجاً للديمقراطية وحاملةً لمسؤوليات كبرى تجاه الأمن والتعاون الدوليين.

خطاب يُذكّر بعقليات الهيمنة والأنانية

خلال خطابه، أظهر ترامب توجهات تُثير القلق، حيث تحدث عن “الثورة” و”الخيانة” و”الخونة” بطريقة توحي بترسيخ ثقافة التخوين والتفرد بالقرار. كما لم يتردد في التهديد باستخدام الجيش فوراً، وإعلان الطوارئ، مما يعكس نزعة سلطوية مقلقة تتنافى مع المبادئ الديمقراطية التي تأسست عليها الولايات المتحدة.

الأمر الأكثر استفزازاً كان حديثه العلني عن نيته إعادة احتلال قناة بنما، في محاولة لإحياء النزعة الإمبريالية الأمريكية التي لطالما تخلت عنها الإدارات السابقة احتراماً للسيادة الدولية. ولم يتوقف عند ذلك، بل أعلن عن رغبته في تغيير اسم خليج المكسيك إلى “خليج أمريكا”، في خطوة تعكس نزعة توسعية تنطوي على إهانة لجارته المكسيك ومحاولة طمس هويتها. هذه التصريحات تعيد للأذهان فصولًا تاريخية مؤلمة من الاحتلال والهيمنة.

طموحات إمبريالية لا حدود لها

لم تتوقف مخططات ترامب عند حدود الجوار، بل لوّح أيضاً بنيته ضم كندا إلى الولايات المتحدة لتصبح “الولاية الواحدة والخمسين”، في تحرك يُعبّر عن أحلام إمبريالية غير واقعية وخطيرة، قد تُدخل المنطقة في أزمات سياسية غير مسبوقة. كما أعاد إحياء فكرة شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك، وهو مشروع أثار استهجان العالم سابقاً، ليؤكد من جديد رغبته في توسيع الرقعة الجغرافية للولايات المتحدة بأي وسيلة كانت، سواء عبر القوة الناعمة أو التهديدات المباشرة.

تصريحات تعمّق الانقسامات الداخلية

أحد الجوانب الأكثر خطورة كان حديث ترامب عن “الهندسة العرقية”، حيث صرّح بأنه لن يسمح بالتفوق العددي للسود والملونين، في إشارة واضحة إلى حرصه على تعزيز الهيمنة العددية للرجل الأبيض. هذا التوجه يعزز العنصرية ويهدد السلم الداخلي، خاصة عندما يدعم ذلك بإصراره على الترحيل الجماعي لملايين من المهاجرين غير الشرعيين، مُبرراً ذلك بأنهم من أصول شعوب العالم الثالث.

الشعبوية والقوة المطلقة

خطابه حمل نبرة شعبوية مفرطة، حيث أشار مراراً إلى أن “الشعب يؤيده” دون أي ذكر للدستور أو الكونغرس أو النظام المؤسسي. بدا وكأنه يُحاول وضع نفسه فوق القانون، خاصة عندما قال: “ما جرى معي في المحاكمات السابقة لن يتكرر أبداً”، في إشارة واضحة إلى نيّته تحصين نفسه من أي محاسبة قانونية مستقبلية.

ابتزاز الدول: عقلية رجل الأعمال

ومن أكثر ما يلفت الانتباه هو أسلوب ترامب في التعامل مع الدول الأخرى، إذ ظهر وكأنه يُفكر بعقلية رجل الأعمال، مستغلًا منصبه السياسي لتحقيق مكاسب مالية مباشرة. لقد وصل الأمر إلى حدّ ابتزاز رؤساء الدول علناً على شاشات التلفاز لجمع الأموال، في أسلوب يفتقر إلى اللباقة السياسية ويُعزز النظرة النفعية البحتة للعلاقات الدولية. هذه السياسة تمثل انحداراً خطيراً في دور الولايات المتحدة كقوة عظمى، وتحولها إلى دولة تسعى للربح المادي دون اعتبار لمسؤولياتها الدولية.

تنصيب يعكس الانقسامات

مراسم التنصيب نفسها حملت رسائل سياسية ودينية مثيرة للجدل، حيث غابت عنها شخصيات بارزة، مثل ميشيل أوباما وعدد كبير من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين. ما يُثير تساؤلات حول الرسائل التي أرادت إدارته إيصالها في بداية ولايته.

تصرفات غير متوازنة وخطاب خطير

تصرفاته وحركاته وحتى نبرة خطابه تُشير إلى شخصية غير متزنة، بل وخطيرة على بلاده وعلى العالم. فبين الدعوة إلى احتلال أراضي الدول الأخرى، والتلويح باستخدام القوة، والتخريب الاقتصادي عبر فرض ضرائب وإتاوات على الدول الأخرى، وابتزاز الحلفاء والخصوم على حد سواء، بات واضحاً أن ترامب يسير بمنهجية تهدد الأمن والسلم الدوليين.

خاتمة: مستقبلٌ غامض

بينما ركّز ترامب على تصوير عهده كـ”عهد ذهبي”، فإن خطابه وتوجهاته تُنذر بمزيد من التوترات الداخلية والخارجية. فالولايات المتحدة، التي يُفترض أن تكون نموذجاً للديمقراطية والمؤسسية، تبدو اليوم تحت قيادة رئيس يُثير مخاوف كبرى حول مستقبلها ومكانتها على الساحة الدولية