وطنا اليوم_في زمنٍ تُهان فيه الهويات باسم الحداثة والانفتاح، وفي وقتٍ تُباع فيه الأصالة تحت شعارات زائفة، نجد أن بعض وسائل الإعلام الأردنية، التي كانت يومًا صوتًا للوطن وأداةً لترسيخ الهوية الأردنية، قد انحرفت عن مسارها. أصبحت تلك الوسائل أداةً لطمس القيم الأردنية الأصيلة، لترويج محتوى غريب لا يعكس روح هذا الشعب، ولا يحمل عبق تاريخه أو عراقة تراثه.
هذه المنابر التي كان يُفترض بها أن تكون درعًا يحمي الوطن من كل محاولة للمساس به، تحولت إلى ساحة تضيع فيها الحدود بين الأصالة والتقليد، بين الانتماء والتبعية. لم يعد الحديث عن الأردن، هويةً وشعبًا، جزءًا من أولوياتها، وكأنها تخجل من أن تكون مرآة لهذا الوطن العظيم. هل أصبحت الهوية الأردنية عبئًا في عيونهم؟ أم أن الركض وراء الشعبية والمكاسب الاقتصادية جعلهم يتجاهلون قيم شعبهم وعراقة حضارته؟
وما يزيد الطين بلة، هو غياب المشاهير الأردنيين عن معركة الدفاع عن الهوية. أين هم من هذا الوطن الذي صنع أسماءهم ورفعهم في أعين الناس؟ كيف يجرؤون على الصمت، وهم يرون الأردن يُهُمَّش في ساحات الإعلام ومنصات التواصل؟ إنهم منشغلون بملاحقة الصفقات الدعائية والظهور السطحي، غير مكترثين بأن الوطن بحاجة إلى أصواتهم أكثر من أي وقت مضى.
الشهرة ليست عبثًا، والمنصات ليست لعبة ترفيهية. الشهرة مسؤولية، ومن يملك صوتًا مسموعًا عليه أن يدرك أن صمته في هذه اللحظات خيانة صريحة للوطن. أن تكون مشهورًا يعني أن تكون قادرًا على التأثير، وأن تصمت عندما يحتاجك الوطن يعني أنك اخترت أن تكون جزءًا من المشكلة، لا الحل.
الهوية الأردنية ليست فكرة عابرة، ولا شعارًا يُرفع في المناسبات. إنها الدم الذي يسري في عروق هذا الشعب، إنها الكبرياء الذي يجعل الأردني يقف صامدًا أمام العواصف، إنها القيم التي بُنيت عليها هذه الأرض منذ أن خطّ أجدادنا اسم الأردن في صفحات التاريخ. من يحاول المساس بهذه الهوية، سواء بالتجاهل أو التهميش أو التواطؤ، فإنه يواجه شعبًا لا ينسى، وذاكرة وطنية لا تمحى.
إلى الإعلاميين والمشاهير، إلى كل من يمتلك منبرًا أو منصة، إذا كنتم غير قادرين على الدفاع عن هذا الوطن وهويته، فعلى الأقل تنحوا جانبًا ولا تزيدوا الجرح نزفًا. لا مكان بيننا لمن يتاجر بالهوية، ولا عذر لمن يصمت عن تهميشها.
هذا الأردن الذي تعتقدون أنه سيُمحى، هو أقوى من كل محاولاتكم. هو إرث الشرفاء وحضن الأحرار. سيبقى شامخًا بصمود أبنائه، وسيظل خالداً في قلوب من يرفضون أن تُباع هويتهم بثمن بخس. من أراد أن يعبث بالهوية الأردنية، فليعلم أن الأردنيين هم حراسها، وأن يدهم التي تبني لا تخشى أن تكون يدًا تُحاسب.