ترامب بين استخدام استراتيجية حافة الهاوية استراتيجية إدلمان وإستراتجية الرجل المجنون

منذ 11 ثانية
ترامب بين استخدام استراتيجية حافة الهاوية استراتيجية إدلمان وإستراتجية الرجل المجنون
د. عادل يعقوب الشمايله
اولا: نظرية الرجل المجنون mad man theory
التهديدات التي اطلقها الرئيس الامريكي المنتخب ترامب للصين، اوروبا، اوكرانيا، الشرق الاوسط، كندا، المكسيك، جزيرة  قرين لاند ليست ممارسة مستحدثة في العلاقات الدولية. بل تخضع لنظرية الرجل المجنون mad man theory
وقد سبقه لاستخدامها كُلٌّ من  الرئيس الاسبق  نيكسون في ادارة حرب فيتنام بمشورة من وزير خارجيته د. هنري كيسنجر، واستخدمها الرئيس كيندي لادارة ازمة نقل الصواريخ  السوفيتية الى كوبا. كما استخدمها رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي خروتشوف مرارا. واستخدمها كل من الرئيس الامريكي ايزنهاور ورئيس الوزراء السوفيتي نيكولاي بولغانين  لوقف العدوان الثلاثي على مصر والانسحاب الفوري من قناة السويس وهذا ما حدث. كما ينتهجها قادة اسرائيل منذ انشائها، وتبناها الرئيس بوتين الذي هدد باستخدام السلاح النووي التكتيكي  ردا على تزويد امريكا والدول الغربية لاوكرانيا باحدث الاسلحة.كما أنه السلوك المعتاد لرئيس كوريا الشماليه. 
تنصُ نظريةُ الرجل المجنون على أنَّ زعيمَ دولة غالباً ما تكون قوية على المستوى العالمي او الاقليمي،  يتعمدُ اظهار نيته بانتهاج خطوات  غير عقلانية  بل وعدوانية واستخدام التهديد للحصول على مزايا استراتيجية. 
وقد يلجأُ زعيمُ الدولة الذي ينتهجُ هذه الاستراتيجيه الى سياسة الغموض للتلاعب بالخصوم  سواءاً منافسين او اعداءَ وحتى حلفاء، والحيلولة دون تمكنهم من التنبأ   بحركاته ونواياه.
هذا النهج غير المعتاد والفج خاصة عندما يصدرُ عن قوة عظمى يدفعُ زعماء الدول الاخرين المقصودين الى وضعٍ مُزَعزعٍ  واكثر قابلية للتنازل لتجنب التصعيد عندما يستشعرون خطورة النتائج في حال  تحديهم للزعيم المجنون  اذا تيقنوا  أنه “قادرٌ فعلا” على التصرف بشكل غير عقلاني وغير متوقع حتى وإن كان هناك احتمال بعدم تنفيذه لتهديداته. أي أنها تهديدات غير جادة. bluffing
الخصائص الرئيسية لنظرية الرجل المجنون:
1.خلق  حالة عدم اليقين
2.الحرب النفسية
3.استخدام التهديدات أو  اختلاق الاتهامات المبالغ فيها.
ثانيا-استراتيجية حافة الهاوية. 
 استخدم وسيستخدم الرئيس المنتخب ترامب استراتيجية حافة الهاوية  لدفع المواقف إلى اقصى درجات عدم الاستقرار  والاقتراب من الوصول الى كارثة.
الهدف من اتباع هذه الاستراتيجية هو  استبعاد او تحييد الخصوم،  أو الحفاظ على حالة السيطرة من خلال استغلال حالة عدم اليقين المصحوبة بالتخويف. 
تعتمدُ  سياسةُ الحافة على المخاطرة المحسوبة دون الوصول إلى عواقب غير مرغوب بها للدولة التي تستخدمها .
 يقتصرُ استخدامُ استراتيجية الحافة على  الدولِ القويةِ  لإرغامِ الدول الاخرى  المنافسة او الاضعف على التفاوض والاذعان  واجبارها على تقديم تنازلات بانتهاج التصعيد المتعمد للتوترات، التهديد بالحرب، فرص العقوبات، أو الانسحاب من التحالفات المهمة.
السياسة التي اتبعها الرئيس المنقشع بايدن هي احدث تطبيق لنظرية الحافة. حيثُ عمدَ هو وحلفاءه الاوروبيين  الى استعراض القوة العسكرية المبهرة ردا على طوفان الاقصى بالرغم من أن قوة حماس لا تقارنُ مع قوة الجيش الاسرائيلي، كان هدفُ بايدن اخافةَ الدول الاقليمية ومنعها من التدخل لدعم حماس. حيث نقل  ترسانة الاسلحة الامريكية  الى تخوم تلك الدول في حالة جاهزية لتدمير  اي دولة تتحرك ضد الكيان الصهيوني.
من جهة أُخرى تُستخدمُ استراتيجيةُ الحافة من قبل السياسيين كأداة من ادوات السياسة الداخلية أيضاً لتحقيق أيٍّ من الاهداف التالية: تثبيت السلطة، الضغط على  على المعارضة واسكاتها،التلاعب بالرأي العام، فرض نتيجة سياسية معينة من خلال خلق أزمات أو توترات سياسية لحشد الدعم الشعبي او تشتيت الزخم الشعبي المناوئ باتخاذ قرارات غير متوقعة للسيطرة على الجدل السياسي المتناقض حول الإصلاحات الاقتصادية والسياسية مدار البحث أو قضايا الأمن، خلق شعور بالتوتر بين الأطراف الداخلية، التهديد بإجراءات متطرفة مثل حل البرلمان أو إعلان حالة الطوارئ، اقالة الحكومة او شخصيات بارزه، اعتقال معارضين، التضييق على الصحافة، اتخاذ تدابير تقشفية وسط أزمة مالية لإجبار الأطراف السياسية أو الجمهور على الامتثال ودخول بيت الطاعة، الاعلان المفاجئ  عن إصلاح مثير للجدل لإرباك المعارضة ومنع تنسيق جهودها.
ثالثا: نظرية إيدلمان: 
تعتمدُ نظريةُ موراي ايدلمان على مجموعة من المرتكزات الأساسية وهي:
1.   رمزية الفعاليات  السياسة:
يُنظر للقرارات السياسية  على أنها  رمزية وليست جوهرية. الهدفُ الأساسيُ  منها هو إظهار أن الحكومة “تفعل شيئًا” لإرضاء الجماهير، حتى لو لم يكن لهذه القرارات تأثير حقيقي.
مثال: الوعود التي يطلقها ترامب لاسترجاع هيبة امريكا وأن تظل الاعظم عالمياً، ان طرد اللاجئين كفيل بحل مشاكل البطالة وتصاعد الجريمة، وأن الغاء برنامج التأمين الصحي الشامل الذي اقره اوباما سيكون في مصلحة من لا تأمين له،   برامج الاحزاب السياسية في دول العالم لمكافحة  الفقر  وتخفيض التفاوت بين الدخول وخلق فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي وتخفيض انتشار تعاطي المخدرات او تحرير فلسطين … ولكن دون ترجمة الوعود الى اجراءات ملموسة.let them eat promises.
2. التلاعب بالوعي العام من خلال التركيز على الصورة أكثر من الجوهر. 
تسعى  الحكومات لخلق تصورات إيجابية عن أدائها من خلال وسائل الإعلام، للتغطية على اخفاقها في تقديم حلول للمشاكل والازمات او تنفيذ وعودها الانتخابية عند استلامها السلطة. 
٣- تحفيز المشاعر العامة:
تُستخدم العواطف مثل الخوف أو الوطنية أو الغضب  والمطالبة بالثأر لتوجيه سلوك الناس وتأييدهم لسياسات حكومية معينة تكون فاقدة الشعبية. 
العمل على بناء الشرعية من خلال الاستعانة بالرموز الوطنية.تستخدم الحكومات الرموز والشعارات لتعزيز شرعيتها، حتى عندما تكون هناك فجوة بين ما يتم تقديمه كإنجازات وما يتم تحقيقه فعليًا. أمثلة على الرمزية: العلم، النشيد الوطني، الاحتفالات القومية، والخطابات الحماسية.
٤- تحويل الانتباه عن المطالب  والازمات الحقيقية بخلق أزمات أُخرى مفتعلة، تضخيم قضايا معينة للفت الانتباه عن المشكلات الأكبر أو الفشل في السياسات.
٥- تشتيت الرأي العام. السعي لتوجيه اهتمام الجمهور نحو موضوعات ثانوية أو خلافيه بهدف تقليل التركيز على القضايا الحقيقية. التأثير على سلوك الجماهير بإثارة الخوف. تضخيم التهديدات الخارجية أو الداخلية (مثل الإرهاب أو الأزمات الاقتصادية) لدفع الجماهير لدعم سياسات معينة.
٦- توظيف الإعلام لاعادة ترتيب  الاوليات الوطنية لدى الشعب وتقديس الرمزية من خلال التلاعب بالمعلومات. كما يُستخدم الإعلام الموالي للحكومة لاقناع الجمهور بأنَّ الحكومة تعمل بفعالية اكثر مما يشيعه معارضوها. كما يتم التحكم في الطريقة التي يتم بها تقديم القضايا لتناسب أهداف القيادة السياسية.
٧-  التركيز على الاستجابة العاطفية بدلا من التفكير النقدي. الجماهير غالبًا ما تتفاعل عاطفيًا مع الشعارات  أكثر من التفكير في السياسات بشكل عقلاني أو نقدي. تعتمد الحكومات على هذا الميل العاطفي لصرف الانتباه عن السياسات غير الشعبية أو الإخفاقات.
٨- إثارة  فقاعات الأمل والمبالغة في التفائل بالمستقبل الذي سيكون افضل. تقديم وعود كبيرة أو مشاريع ضخمة لجذب التفاؤل، حتى لو لم يتم تنفيذها بالكامل او عدم وجود خطط لتنفيذها اصلا.
تستخدم ادلمان لفهم كيف تستغل الحكومات والقادة الوعي العام لتعزيز سلطتها أو إخفاء إخفاقاتها.
بالنسبة لنظرية الرجل  المجنون فإنها قد تكون فعالة في بعض السياقات، لكن هناك محاذير من بينها:
1. التراجع عن التهديدات:
إذا قام الطرف المستهدف بتحدي التهديد أو اعتبره غير قابل للتصديق، فقد تعود هذه الاستراتيجية بنتائج عكسية، مما يؤدي إلى تصعيد التوترات بشكل غير متوقع واضعاف هيبة ومصداقية ووزن الدولة او الزعيم الذي استخدمها. مما يجعل من الصعب تكوين تحالفات مستقرة معها  أو تحقيق حلول دبلوماسية في المستقبل.
2.تدمير السمعة:
التصرف بشكل غير عقلاني أو متهور بشكل مستمر سيضر بسمعة ومكانة الدولة او الزعيم وقوتها الاخلاقية في المجتمع الدولي