قانون الموازنة العامة ٢٠٢٣-٢٠٢٥

منذ 35 دقيقة
قانون الموازنة العامة ٢٠٢٣-٢٠٢٥

د. عادل يعقوب الشمايله
عندَ النظرِ في قانون الموازنة العامة السنوي بِهَدفِ فهمهِ وتحليلهِ، ومن ثَمَّ تقييمهِ، وبيانِ اوجهِ قوته واوجه ضعفه، والرابحون منه والخاسرون، والحكمِ على مدى صلاحيتهِ وموائمتهِ ليكون برنامجَ الحكومةِ للسنةِ الماليةِ التي تبدأُ بعد اقراره، وكذلكَ الحكمَ على مدى جديةِ الحكومةِ وأهليتها وملائمتها لإدارة شؤون الدولة وهو واجبها بموجب المادة (٤٥-١) من الدستور، لا بد من البحث والعثور على مفاتيح الموازنة أو ما تعارف المختصون على تسميتها المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.
كما أنهُ من الضروري مراجعة ومقارنة بيانات معايير الاداء الحكومي الواردة في قانون الموازنة خاصة في السنوات منذ تبنت الحكومةُ نهجَ او نموذجَ الموازنة بالنتائج، والادارة بالنتائج. Results based budgeting,& results-based management (RBM).
التي تركز على نوعية وجودة السلع والخدمات التي تُقدمها الحكومة ومدى استجابتها لما يفضله ويتوقعه دافعوا الضرائب، تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة المستخدمة من قبل الحكومة سواءاً: الموارد البشرية والتكنلوجيا والموارد الطبيعية والاخرى، وخضوع المسؤولين والموظفين الحكوميين للمسائلة. وهذا ينضوي أيضاً تحت مظلة مبادئ الحكم الرشيد.
لقد اصبحَ من المستقر في علم المالية العامة وفي علم السياسة وكشرط من شروط الحكم الرشيد: توفرُ مبدأ الشفافيةِ في العمل الحكومي عموما، وفي مُقَدَمتهِ اعداد وتنفيذ قانون الموازنة العامة. ومعنى الشفافية أن يَشِف الوعاءُ عما بداخله. والشفافيهُ عكسُ الغشاوةِ أو التعتيمِ والتضليل. وكلما تدنى مستوى الشفافية بسبب سماكة الغشاوة تاه الباحثُ بسبب التناقضات والاوهام والمغالطات التي تَنِزُّ من خطاب الموازنة وجداول قانون الموازنة، وصعبُ عليهِ العثورُ على الحقيقة، وتحولَ تركيزُ جهده الى البحث والتنقيب والاستكشاف والاستعانةِ بالكهان ولغة الكهانة ووسائلها وأدواتها.
المفاتيحُ الرئيسية لفهم قانون الموازنة العامة هي: المرتكزات، الفرضيات، الربطُ الذي يفرضهُ المنطقُ ما بين الفرضيات والمرتكزات كمقدمات، وما بين النتائج متمثلةً في ما ستؤولُ اليهِ اوضاعُ الدولةِ على ارضِ الواقعِ بعدَ عامٍ والتي تترجم ما ورد في ابواب الايرادات والنفقات، عجز الموازنة الذي سيؤثر في حجم الدين العام، عبء سداد المديونية اقساطا وفوائد، حجم النفقات الرأسمالية وماهيتها حتى لا تكون التسمية: “نفقات رأسمالية” هي مجرد عباءة تختبئ تحتها نفقاتٌ جاريةٌ عبثية، نسبةُ النفقات الرأسمالية الحقيقية لاجمالي الانفاق العام، نسبةُ المشاريع التي لم تُنفذ او لم يكتمل تنفيذها في الاعوام السابقة ( أي أنها مخصصات مكررة) وبالتالي نسبة المشاريع الجديدة الى الحجم الاجمالي للنفقات الرأسمالية للعام المالي المقبل، ومصادر الزيادة في الايرادات العامة وهل هي عوائدُ ضرائبَ ورسوم ورخص واتاوات جديدة، أمْ ناجمةٌ عن تحسنٍ في النمو الاقتصادي وزيادة النشاط الاقتصادي استهلاكا واستثماراً، وتحسن وسائل وادوات التحصيل وضبط التهرب والتجنب الضريبي، وتحسن كفاءة الاداء الحكومي ووقف الهدر ومطاردة الفساد، نسبة الضرائب غير المباشرة (الضرائب الظالمة) لمجمل الضرائب، وتأثير ذلك على اعادة توزيع الدخل ليكونَ باتجاهِ تقليلِ عُمقِ التفاوتِ بين دخول المواطنين، او عكس ذلك، أي زيادة التفاوت بشكل سيزيدُ الفرزَ بين الطبقاتِ الاجتماعيةِ ويُقَسّمُ المجتمعَ الى مجتمعين يُدفعان نحو القطبين الشمالي والجنوبي: قطب من يملكون وقطب من لا يملكون.
ولأنَّ الحكومةَ ممثلةً ب ( دائرة الاحصاءات العامة والبنك المركزي ووزارة المالية) هي المصدرُ الرئيس للبيانات بسبب الاحتكار المقرر في القانون، فإنهُ ليسَ هناكَ امكانيةٌ للتحقق من صحة البيانات التي تُفصح عنها هذه الدوائر عن معدل النمو الاقتصادي، وحجم الناتج المحلي الاجمالي ودقة وصدقية مبلغ الايرادات العامة المذكور في مشروع قانون الموازنة العامة ومدى شموله لكافة مصادر دخل الحكومة، وارقام النفقات الجارية للحكومة هل هي واقعية ام مضخمة عمدا، وعجز الموازنة ومعدل التضخم وحجم الدين العام وديون شركة الكهرباء الحكومية ومبررات وجود الدين عليها وليس تحقق فائض، ومبررات ديون وزارة المياه رغم الارتفاعات المتتالية في اسعار المياه والكهرباء منذ زمن حكومة عبدالله النسور. ولماذا هما طاقيتان مخرومتان.
الحكومةُ على لسان وزير المالية في خطاب قانونُ الموازنةِ العامة الذي تشردق معاليه اثناء القاءه، واخطأ في لفظ معظم مفرداته مع أنه خطاب سنويٌ مكرر وكأنه يراه للمرة الاولى، او ، ربما لأنه غيرَ مقتنعٍ البتةَ بما جاء فيه وفيما بين دفتي مشروع القانون من ارقام، لأنه لا بد يتحسبُ انَّ هناكَ من لا زالَ يفهم ويعرف ومستعدٌ لأن يضيعُ وقتهُ في الاستماع لخطاب الوزير وخطب النواب الخرساء. استدركُ فأقول انَّ الحكومةَ صرحت على لسان وزير المالية بأنها لن تزيد الضرائب والرسوم. ورغم ذلك بادرت وَبَدَّرتْ منذ الايام الاولى للسنة المالية ٢٠٢٥ بزيادة الضرائب والرسوم على عددٍ من السلع والخدمات في مخالفة صريحة لتعهدها، ومرتكبةً لمخالفةٍ دستوريةٍ صريحة لنص المادة (١١١) من الدستور التي تنص على أنه لا يجوز فرض ضريبة الا بقانون، وأنه لا يجوز ان يتجاوز ما تفرضه الدولة من ضرائب قدرة المواطنين على التحمل، مخالفة ايضا نص المادة (١١٢-٥) من الدستور التي لا تجيز فرضُ ضرائب جديدة لتمويل النفقات بعد تقديم مشروع قانون الموازنة لمجلس النواب. وحيث ان هذه الزيادات لم تُعرَض على مجلس النواب وإنما جاءت مستترة في ارقام التقدير، فإن هذا السلوك الحكومي يُفَسرُ بأنه التفاف على سلطة مجلس النواب واستبدادٌ من الحكومة مع علمها ان موضوع من يتحكم بالموازنة، هل هو السلطة التنفيذية ام مجلس ممثلي الشعب قد حُسم تاريخياً لصالح مجالس النواب بعد سيول من الدماء. وبهذا فإن قرار الحكومة بزيادة الضرائب والرسوم لزيادة ايراداتها بعد ان تقدمت بتقديرٍ لايراداتها في ضوء الضرائب والرسوم السائدة وقت اعداد مشروع قانون الموازنة وعرضه على مجلس النواب لاقراره اذا وافق عليه امر غيُر جائزٍ دستوريا، ويعاقبُ عليه القانون في كافة الدول المتحضرة . اذ لا يجوز للحكومة مد ايديها داخل جيوب المواطنين دون علمهم ودون موافقتهم من خلال ممثليهم.
كما أنَّ المدققَ في تقدير معظم بنود الايرادات العامة سيلاحظُ إمّا أنَّ التقديرات قد تمت جزافا ومجازفةً ومشايله متجنبة النهج العلمي لتقدير الايرادات، أو انَّ من قدرها غشيم، او انه تلاعبٌ مقصود، او أنَّ لدى الحكومة قائمةً طويلةً من رفع الضرائب والرسوم والرخص.. الخ التسميات التحصيلية التي برعت الحكومات المتتالية في ابتكارها.
ومنَ الامثلةِ على الجزافية في التقدير، أنّ المبلغَ المقدر لايرادات الضريبة على الافراد قد زيدَ من ٦٣،٧ مليون دينار عام ٢٠٢٣ الى ٩٠ مليون دينار لعام ٢٠٢٤ أي بزيادة ٤٣٪؜. ثم اعيد تقدير المبلغ في نهاية ٢٠٢٤ الى ٧٠ مليون دينار اي أن نسبة الزيادة لم تتجاوز ٩٪؜ . وهذا انخفاض فظيعٌ وفاضح. ثم قدر مبلغ الايرادات لعام ٢٠٢٥ ب ٧٠ مليون دينار . أي بنسبة زيادة ١٤٪؜ عن اعادة التقدير لعام ٢٠٢٤ وبنسبة زيادة ٢٥٪؜ عن المتحصل فعلا عام ٢٠٢٣. نسب الزيادة المستهدفة والمتحققة لا يبررها الواقع الاقتصادي الاردني. فهل يُعقلُ ان النشاط الاقتصادي في الاردن قد ارتفع خلال عام ونصف بنسبة الربع اي ٢٥٪؜. هذا الارتفاع لا مثيل له لا في الصين ولا سنغافوره ولا امريكا ولا حتى في جزر الواق الواق.
الايرادُ المقدرُ من المساهمات الحكومية لعام ٢٠٢٤ زاد عن المحصل فعليا عام ٢٠٢٣ من ١٢٥ مليون الى ١٥٥ مليون دينار أي بنسبة ٢٤٪؜. فهل كانت الحكومة مقتنعة ان الارباح الصافية للشركات ستصل الى هذا المستوى الفوق متفائل والذي يخدش حياء الاداء الاقتصاد الاردني المتعثر منذ ثلاثين عاما.
الايرادُ المقدر من ضريبة بيع العقار ورسوم تسجيل الاراضي لعام ٢٠٢٤ زاد بنسبة ٣٢٪؜ عن المحصل فعليا عام ٢٠٢٣ (من ٢٤١ مليون الى ٣٢٠ مليون) رغم كساد قطاع العقارات بل شلله منذ ٢٠٠٨. الا أن هذا التقدير الاحمق قد تدحرج بناءاً على اعادة التقدير ليقل الى ٢٥٠ مليون بانخفاض نسبته ٢٢٪؜. ما يجري فضيحة. أمَّا المبلغ المقدر لعام ٢٠٢٥ فقد زاد الى ٢٩٧ مليون أي بنسبة ٢٣٪؜ عن عام ٢٠٢٣ و ١٨٪؜ عن عام ٢٠٢٤.
تقدير الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية اصابهُ الزهايمر والباركنسون ايضا. حيث قدر الايراد من هذا البند لعام ٢٠٢٤ بمبلغ ٤٠٢ مليون دينار. اي بزيادة نسبتها 25.6% عن المحصل عام ٢٠٢٣. ثم اعيد تقدير هذا الرقم في نهاية ٢٠٢٤ لينخفض الى ٣٠٣ مليون دينار اي مائة مليون دينار اقل من المقدر، اي بانتكاسة نسبتها ٢٥٪؜. بسيطه الغلطه ١٠٠ مليون دينار فقط او ما يعادل خمسة مليارات جنيه مصري او ٢٢٠ مليون دولار استرالي. هذا الخطأ غير مقبول في دول بترولية ميزانيتها بمئات المليارات. الخطأ في التقديرات لا يجب ان يتجاوز ٥٪؜ فقط زيادة او نقصاً. وقبل ان تصحو وزارة المالية من نوبة الصرع قدر المبلغ جزافا لعام ٢٠٢٥ بمبلغ ٣٧٤ مليون دبنار اي زياده عن ٢٠٢٤ بنسبة ٢٣٪؜.
يمكن الاستمرار في بيان مهازل الادارة المالية العشوائية التي آلت اليها وزارة المالية ولكن حجم المقال سيطول ويطول.
وبالانتقال الى باب النفقات فإن الغباش وليس الشفافية هو سيد الموقف. هذا الغباش او المجازفة او الاستهتار سببه اسلوب اختيار المسؤولين، وتقاليد تصويت الشعب لاختيار النواب، ونهجُ وصول النواب الى قبة البرلمان. الامر الذي ادى الى تعطل الدور الرقابي لمجلس النواب وغياب المساءلة. الرقابة والمساءلة هما الاكسجين الذي يُبقي الدول حيّةً.
بمراجعة المخصصات للانفاق الرأسمالي للمشاريع الجديدة لوزارات الاشغال العامة والزراعة والطاقة والثروة المعدنية ووزارة المياة ووزارة البيئة ووزارة السياحة والاثار ووزارة الادارة المحلية فإنه يُستنتجُ ان هذه الوزارات ستكون عقيمة. وكلمة عقيمة تطلق على الانثى التي لا تنجب. هذه الوزارات تضطلع بادوار قد تسهم في تحقيق نمو اقتصادي حقيقي بالمعدل المأمول شعبيا والذي يتجاوز ٥٪؜ اذا رصدت لها المخصصات الكافية. الا انها ستكونُ عاجزةً حتى عن تحقيق نسبة النمو القزمية التي توقف عندها خيال الحكومة وحيلتها وثقتها بنفسها والتي هي بحدود ٢٪؜ فقط. وهو رقمٌ على ضآلته لم تحققهُ أيُّ حكومةٍ اردنيةٍ منذ ثلاثين عاما.
كما أن المخصصات المقدرة لوزارتي التربية والتعليم ووزارة الصحة اعجز من أن تحدث ربع التحسن الذي يطالب به المواطنون دافعي الضرائب والرسوم.
لعبةُ العناوين: “نفقات رأسمالية مستمرة”، “نفقات رأسمالية قيد التنفيذ” اصبحت ممجوجهً ومكشوفة. اصبح ايضا من المعتاد أنَّ المخصصات الرأسمالية السنوية لا تنفق في سنتها المالية كما يجب. اولا، بسبب البطء المقصود في اجراءات دائرة الموازنة العامة ووزارة المالية. وثانيا بسبب عجز الوزارات والدوائر عن تحويل طلباتها للمخصصات لاقامة مشاريع الى خطط تنفيذية. الوزارات اعتادت ان تطلب مخصصات لمشاريع غير مدروسة وبدون خطة تنفيذ، بل حتى بدون تجهيز مواصفات الاجهزة التي تنوي شرائها. حيث تبدأُ الوزارات عادةً بتحضير المواصفات لإحالة العطاءات في الشهر السادس، وتُحال اذا أحيلت على مقاولين او موردين في شهر ٨ ويبدأُ التنفيذُ او يتمُ الشراء في العام التالي، وبذلك تظل المخصصات مجرد حبر على ورق وَتَظلُّ راكدةً في البنك المركزي ويتقاضى الدائنون الفوائد . وفي الوقت ذاته تكونُ الحكومةُ قد سحبت من جيوب المواطنين وصناديق الشركات وحساباتها البنكية مليارات الدنانير ولم يتم ضخها في الدورة الاقتصادية لتسهم في تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل.
وكما يعلمُ الاقتصاديون فإن من بين مكونات معادلة الناتج المحلي الاجمالي بنودَ الاستهلاك الخاص، والانفاق الحكومي والاستثمار بمكونيه الاستثمار الخاص والاستثمار الحكومي. تعطلُ تنفيذ الموازنة الرأسمالية يُعَطلُ الاستثمار الخاص والعام ويعطلُ قدومَ الاستثمار الاجنبي.
اصرارُ الحكومة على تجميد الرواتب والاجور للعاملين والمتقاعدين مُنذُ عقدين أدى الى التراجع المستمر في حجم الاستهلاك الخاص وتنوعه. وهذا ما لا يشجع المستثمر المحلي والاجنبي خاصة وأنَّ السوقَ الاردني غير جاذب اصلاً بسبب صغره وانخفاض القوة الشرائية لمواطنيه.
فإذا اضفنا الى تدني الدخول من الرواتب والايجارات، وتدني ارباح التجار والشركات وارتفاع تكاليف الانتاج الناجمة عن سياسة الحكومة التسعيرية للكهرباء والمياه والمشتقات النفطية والضرائب والرسوم والغرامات والمخالفات التي تنافس على مخصصات الخبز والسكر وايجار المنزل وايجار المواصلات فماذا يتبقى للاستهلاك والادخار المُحَفزينِ للنمو.
وأخيراً، فإن مخصصات اللامركزية تشي بأنَّ من قرر توزيعها بين المحافظات أميٌّ في الجغرافيا ومساحة المحافظات، وجاهلٌ في المقارنة بين مستوى البنية التحتية والخدمات
الحالي. التوزيعُ المقترح غيرُ عادلٍ ويُعمقُ التفاوتَ في التنمية بين المحافظات ويزيد من التأزم الناجم عن الخمول الاقتصادي وانعدام فرص العمل في محافظات اكثر من غيرها.
ختاماً، اقترحُ على الحكومةِ ان تتوقف عن اعداد الموازنات، واراحة النواب من جريهم وراء من يكتب لهم المقالات الانشائية التي تشبهُ ما كنا نكتبه في الصفوف الابتدائية عن رحلة في الربيع (الذي نادرا ما يأتي) ، وحبٌّ تحت المطر الذي نادرا ما يبلل شعر العاشقين. وان تتبع النهج المحاسبي والموزاناتي للبقالات ومحلات بيع الخضرة أي على السبحانية