بقلم ابراهيم سيوف : حب الأردن الذي ورثناه أبًا عن جد ليس شعارًا نردده بل عقيدة تسري في عروقنا تلزمنا بالدفاع عنه بالأفعال التي تصون كرامته. ومن هذا المنطلق فإن الحديث عن الفساد لم يعد يحتمل المداراة أو التبرير. لقد بلغ السيل الزبى وآن الأوان أن يُقال الحق ويُعمل به حبًّا بالأردن وولاءً لقيادته الحكيمة.
في كل أزمة كان الأردنيون أول من يضحي، يربطون الأحزمة على بطونهم ويثبتون في وجه الصعاب، ولكن حين يرون خيرات الوطن تتبدد ويد القانون ترتعش في محاسبة بعض المتنفذين تبدأ الثقة بالاهتزاز. ونحن نعلم كأبناء الأردن المخلصين أن الفساد لا يهدد حاضرنا فقط بل يغتال مستقبل أجيالنا.
الفساد في الأردن ليس مجرد ملف عالق أو حادثة عابرة، إنه شبكة تبدأ من الصفقات الكبرى التي استنزفت موارد الدولة ولا تنتهي عند التعديات اليومية التي تُحبط المواطن البسيط. لا تزال قضايا مثل “الكازينو” و”الفوسفات” و”سكن كريم لعيش كريم” أمثلة حية في ذاكرة الأردنيين الذين يتساءلون بحسرة متى تُفتح الملفات بجرأة ومتى يُحاسب المسؤولون بلا استثناء. الفساد الكبير يهدم الثروات الوطنية، لكن الفساد الصغير يُفسد الحياة اليومية. الواسطة والمحسوبية باتتا جرحًا غائرًا يُعيق الكفاءات الأردنية ويُجهض أحلام الشباب الطموح. هل نريد لوطننا أن يستمر في هذا الطريق؟
نحن أبناء وطن نؤمن بقيادتنا ونثق أن جلالة الملك عبدالله الثاني يحمل على عاتقه هموم الأردنيين جميعًا. وفي خطاباته طالما دعا إلى اجتثاث الفساد والوقوف في وجه من يُضعفون الدولة. لكن هل استوعب الجميع رسالة الملك؟ هل أدرك كل مسؤول أن العدالة هي أساس بقاء الأردن قويًا شامخًا؟ الملك وضع الوطن على طريق الإصلاح، لكن نجاح هذا المسار يعتمد على التزام كل فرد في الدولة، من أصغر موظف إلى أعلى مسؤول. الولاء الحقيقي ليس بالتصفيق، بل بالعمل النزيه والوقوف صفًا واحدًا خلف إرادة الشعب والقيادة.
الأردن اليوم أمام خيار مصيري: إما أن نكون دولة تُضرب بها الأمثال في محاربة الفساد بحزم وشفافية، أو أن نظل عالقين في دوامة تُبدد مواردنا وتقوض ثقة المواطن بمؤسساته. لقد رأينا دولًا سقطت حين تراخت في مواجهة الفساد، لكن الأردن ليس كأي دولة. نحن شعب صنع من التحديات فرصة، ومن الأزمات عزيمة. شعبنا الذي احتمل الكثير يستحق دولة تُكرّم جهده وتُحافظ على أمانته، لا أن تُثقل كاهله بأخطاء من خانوا الأمانة.
العدالة لا تُبنى على الانتقاء أو التسويات، كل من تورط في نهب المال العام أو استغلال منصبه يجب أن يُحاسب بلا هوادة، أيًا كان موقعه أو مكانته. الأردنيون يريدون دولة القانون التي تُطبق فيها العدالة على الجميع، لا خطوط حمراء إلا للوطن وقيادته. نحن لسنا في مواجهة بين الشعب والحكومة، بل في معركة بين الوطنيين الذين يريدون الحفاظ على الأردن، وبين من يسعون وراء مكاسب شخصية على حساب الوطن.
هذا الوطن أكبر منا جميعًا. من أحب الأردن حقًا عليه أن يعمل لصون كرامته لا لإضعافه. المرحلة تتطلب شجاعة استثنائية وإرادة سياسية لا تخشى فتح الملفات الكبرى. أيها الأردنيون الوطن لا يُبنى بالكلمات بل بالعمل والعدل. ولن يبقى الأردن شامخًا إلا إذا واجهنا الفساد بحزم ووضعنا مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.
الأردن وطن العز والكبرياء وولاؤنا له أمانة والعمل من أجله فرض فلا نخذله أبدًا.