د. عادل يعقوب الشمايله
الفرقُ بينَ برنامجِ الحكومةِ (أيُّ حكومة) الذي تتقدمُ به لمجلس النواب لنيلِ الثقةِ، الذي يُفترضُ أنهُ مُطابقٌ أو مُستمدٌ من برنامجها الذي احتواهُ ردها على كتابِ التكليفِ لها من الملك، والذي يجب ان يكون مستمدا أصلاً من كتابِ التكليف لها من الملك، وبينَ قوانينِ الموازنةِ العامةِ السنويةِ التي تمثلُ ترجمةً لبرنامها الكلامي هو كالفرقِ ما بين أداءِ النملِ وأداءِ الجنادب. راقبوا ماذا يحملُ النملُ الى مخازنهِ وماذا تحملُ الجنادب.
قوانينُ الموازناتِ العامةِ السنويةِ هي بيادرُ الحكومة. وحتى يكونَ للفلاحِ بيدر، يجب ان يحرثَ الفلاحُ ارضهُ بتراكتور، ويبذرها بالبذارِ المحسنِ، ويُسَمِدَها ، ويُعشبها ويرويها اذا شحَّ المطر. لا أن يحرثها بسكةٍ متهالكة يجرها حمارٌ هبيان أو حمارٌ غشيم، ويبذرها بقمحٍ مسوس ثلثهُ حجارةٌ وزيوان، وأن لا يتركهُ مستباحاً للاعشاب الضارة والاشواك والعصافير، وإلا، لن يجدَ الفلاحُ امامهُ بعد أن يُذَريَ بيدرهُ الَّا كومةً من التبن. عندها يكونُ بيدرُ الفلاحِ امالاً خائبةً، ووعوداً غيرَ متحققةً وأجنحةً مكسرةً، وتراكمَ الدَّينِ وهموماً بالليل وخجلاً وذلاً وتهرباً من الدائنين في النهار، ثُمَّ استيلاء المرابي على الارض، وأخيراً، يقعدُ الفلاحُ ملوماً محسوراً.
الشواهدُ على الفرقِ بينَ بيادرِ النملِ وبيادرِ الجنادبِ نُلاحظها على الساحة الدولية. فَبيادرُ الدولِ الديموقراطيةِ المتقدمةِ: امريكا واوروبا واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا وكندا تُشابهُ بيادرَ النمل. أمَّا بيادرَ الجنادبِ فشواهدها في اليمن والسودان وافغانستان وليبيا والجزائر والصومال والعراق ولبنان وسوريا وايران. دولٌ جميعها مُفلسةٌ محطمةٌ فاشلة. الصادراتُ الوحيدةُ لها هي المهاجرين والارهاب وتهديدِ استقرارِ الدول المجاورةِ والاقليم والعالم. الحالةُ الأردنيةُ وصلت الى الحافةِ منذُ سنين. وهي اقربُ للسقوطِ في مستنقعِ الفشل، من أن تتمكنَ من الإمساكِ بالقشةِ لتنفذَ بريشها. فالغدُ الأفضلُ الذي وعدت به الحكوماتُ المتتاليةُ وخاصةً الحكومةَ ما قبلَ الحاليةِ، كان مجردَ تخويثٍ واستهبالٍ واستغفالٍ وتعميةٍ للمواطنين حتى لا يُلاحظوا تدلي رجليها من الحافةِ تمهيداً للسقوطِ الحر في مستنقع الفشلِ والكوارث.
المزيدُ من البطالة، والمزيدُ من الفقر، والمزيدُ من المديونيةِ، والمزيدُ من معدلات الجريمة، والمزيدُ من انحطاطِ مستوى التعليمِ والصحةِ والخدماتِ الحكومية. المزيدُ من الضرائبِ الجائرةِ الظالمةِ الفاحشةِ. المزيُد من معدلاتِ انتشارِ تجارة وتعاطي المخدراتِ في المدن والقرى وما يرافقها ويترتبُ على انتشارها من مآسي عائلية ومجتمعية. تواترُ تراجعِ الإنفاقِ الرأسمالي الحقيقي الجاد. يدُ الشحدةِ تطولُ اكثرَ فأكثر وتحتها محرمةٌ السيادةِ المتآكلةِ المتناقصةِ بفعلِ ما يُدفعُ منها ثمناً للهباتِ والمساعداتِ والقروضِ، لأنَّ حُلمَ الوجبةِ المجانيةِ free lunch لن يتحقق. المزيدُ من الانكماشِ الاقتصادي والمزيدُ من التضخم غير المعترف به، والمزيدُ من ارتفاعِ سعر الفائدة التي تتقاضاها (البنوكُ العائليةُ) خاوةً او أتاوةً في وضحِ النهارِ من جيوبِ المقترضين لغايات الاستهلاكِ وغاياتِ الاستثمار، واستنزافٌ للموازنةِ الجاريةِ تحتَ بند سداد الفوائدِ على القروض الداخليةِ على الحكومة والتي اصبحت تُشَكلُ ثلثي الدينِ العام. المزيدَ من تدهورِ اوضاعِ الجامعاتِ والمدارسِ الحكومية فندقةً ونوعيةَ تعليم. وتدهورَ حالة المستشفيات الجامعية والمستشفيات والعيادات الحكومية من حيث الاجهزة والادوية والكوادر الطبية وخدمات الفندقة. تدهورُ قطاعِ النقلِ واستفحالِ وتعمقِ أزماتِ السيرِ في كافةِ المدن. إفلاساتُ تجارٍ ومؤسساتٍ، ترتبَ عليهِ اخلاءُ مئاتِ المحلات التجارية، الأمر الذي يُهَددَ دخول مالكيها الذين يعيشون على الايجارات.
عند اعداد مشروع قانون الموازنةِ العامة من قِبَلِ الحكومةً وبحثه واقراره من قِبَلِ السلطة التشريعية فإنَّ على السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تعيا أنَّ الماليةَ العامةَ واداتها الرئيسية الموازنة العامة، ليست مجردَ إدارة ساذجةٍ او فهلويةٍ للأموال والموارد العامة جمعًا وتبذيراً ، بل هي أداةٌ حيويةٌ للتوجيه نحو الكفاءة والفاعلية، وتوفير بيئة اقتصادية تتسم بالشفافية والمساءلة والمحاسبة. بيئةٌ جاذبةٌ للاستثمار وتوطينه، والتدخلِ في حالةِ فشلِ السوق، للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي واستدامة التنمية ، والعمل على تحقيق الاثر المبتغى للسياسات المالية على إدارة توزيع الدخل وتحقيق وتعزيز العدالة الاجتماعية وتلبية احتياجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
هذا يتطلبُ فهمَ الحكومة لدورها في كيفية وأَبعادَ جمعِ الإيرادات العامة وتأثيراتها الاقتصادية الايجابية والسلبية على الاقتصاد والمجتمع ، وكيفية تخصيص النفقات العامة لادارة شؤون الدولة العادية وكأداة اقتصادية لمعالجة التحديات المختلفة ومن ببنها تحقق نمو اقتصادي موجب بالمعدلات الكافية لازدهار الدولة وتقدمها ومنعتها وبما يعزز استقلالها وسيادتها، وادارة التضخم وعجز الموازنة والدين العام وتأثير السياسات المالية على الاقتصاد الكلي. الدورة السنوية لاقرار قانون الموازنة العامة ليست مهرجانا خطابيا في سوق عكاظ.
ما ذكرتهُ غيضٌ من فيض. وعندما تُكَذَبُ زرقاءُ اليمامةِ وتُفقأُ عيناها، فعلى من اختارَ السيرَ في العتمةِ انْ يتحملَ التعثرَ والوقوعَ في الحفرِ والاصطدام بالجدران والعوائق وأن يسيلَ دمهُ على وجههِ وأنْ تُفقَأ عيناهُ أيضاً. حينها نقول له مُتَشفين “على نفسها جنت براقش