بقلم : نضال فيصل البطاينة
تعتبر الهوية الوطنية أهم سمة يتوحّد حولها أبناء أي وطن، مما يجعل تعزيزها من الأمور الأساسية التي تستحق الإهتمام المستمر، كما ان الهوية الوطنية تشكل عنصراً حيوياً في الحفاظ على الإرث التاريخي وتعزيز الشعور بالانتماء للوطن وثوابته. وعليه، فإن الهوية الوطنية الأردنية هي أبرز ما يصبغ ويميز المجتمع الأردني، إذ تعكس تجارب وتاريخ هذا البلد الكبير، وتشكّل جسراً مهماً يربط بين الماضي والمستقبل، وتساهم في تشكيل قيم ومعتقدات المجتمع.
وبالرغم من استقرار مصطلح الهوية الوطنية الأردنية، إلا أنه ونتيجة لعوامل عدّة يتم الإختلاف على مفهومها، وذلك عدم فهم من قبل البعض، وعمدا من البعض الآخر، حتّى أصبح هذا المصطلح جدلي وتختلف حوله الآراء نتيجة تجاذات وإرهاصات البعض، حيث أن الأساس في الهوية الوطنية أن تكون غير خلافية ويجتمع الناس حولها، وهذا يتطلب من كافة مؤسسات الدولة البحث في التحديات ووضع خطط حقيقية لرأب الصدع الذي امتهنت عليه فئات عديدة لسلخ الأردني عن وطنه ومحاولة النيل من هويته الأصيلة.
فعلى الرغم من وضوح مفهوم “الهوية الوطنية الأردنية” إلّا أن البعض يحاول شيطنة الحديث بها والإفتئات على أبرز سمات الإستقرار في الأردن، وكذلك يقوم بعض شذاذ الأفق في ترويج فكرة تعدد الهويات الفرعية والتجاذبات حول تفسير مفهوم الهوية، فالأصل أن الهوية الوطنية الأردنية كغيرها من الهويات الوطنية للدول تجمع الجميع ولا تقصي أحداً، بعيداً عن ما يروج له مأزومين بأن من يتحدث عن الهوية الأردنية هو “عنصري وجهوي”، فجميع مواطني الدول يفتخرون ويعتزّون بهويتهم ولا يتم إتهامهم ، ولكن في الأردن يحدث غير ذلك للأسف ، وبالتالي نستشعر بأن هناك فئات تستهدف “قصداً” الوطن والمواطنة الفاعلة وتشتيت وحدة الصف الأردني.
من المؤكد أن مفهوم الهوية يرتبط بمفهوم المواطنة بشكل أساسي، وبالتالي لا بد من تعريف من هو المواطن الذي يمارس مواطنته، وبرأيي أنه ليس ذلك المستوفي للشروط القانونية في حصوله على الجنسية الأردنية فحسب، بل يجب أن يقترن ذلك بالإنتماء لهذا البلد والفخر بحمل جنسيته وأن هوية هذا البلد ومصلحته تتقدم على جميع الهويات والمصالح ، فجميع الدول في العالم قامت على هوية واحدة بعيداً عن التجاذبات.
هذا ومن المهم جدا التنويه إلى أنه لا يجوز لفئة “أياً كانت” أن تدّعي أنها أكثر مواطنة من فئة أخرى، فالمعيار هو “ماذا تقدم لهذا البلد، أو كيف تخدمه في مجالك ومحيطك، أو كيف تكون عونا له وليس عليه “، فعامل الوطن في موقعه والموظف العام من خلال دوره وكذلك القاضي والمعلم والمزارع والتاجر والسياسي .. الخ .
وبالتالي فإن أقرب تفسير للمواطنة الحقّة من وجهة نظري هو أن يحمل المواطن الهمّ العام ويخصص للمصلحة العامة جزءاً إلى جانب المصلحة الشخصية المشروعة، ولعلّني أستحضر مثالاً قد لا يعجب البعض بأن معلم المدرسة أو الموظف العام أو الطالب القائم بدوره يمارس المواطنة الحقة وليس وزير سابق أو حالي يفضل مصلحته الشخصية ويتعامل مع الدولة مثل “الشريك المضارب” فقط على المربح أو ذلك الذي يجول السفارات ينهش بدولته عله يحصل على مكتسب مادي أو سياسي ، وبالتالي علينا جميعاً أن نكون مع الدولة وجزءاً منها على المربح والمخسر معاً، فالمواطنة والهوية الوطنية صنوان وخطّان متقاطعان لا يجوز الفصل بينهما.
ومن هنا فقد أخذت الهوية الوطنية الأردنية عدة أبعاد غنيّة، ويجب البناء عليها وتعزيزها، فمنها التاريخ المشترك الذي جمع الأردنيين جميعاً، فكلنا في الأردن شركاء في البناء والتنمية، والتاريخ النضالي المشترك في الدفاع عن العروبة وفلسطين، إلّا أن ذلك يجب أن لا يتعارض مع أن عمان أهم من كافة العواصم الإقليمية والعالمية، وأن الإنتماء للأردن ومشروعنا الوطني الأردني أهم من الولاءات المتعددة للمشاريع الإقليمية، فعلى الرغم من كل التحديات وقوى الشد العكسي، إلّا أن الهوية تبقى هي أبرز السمات التي تشكل وحدة الصف الأردني وتفرّده على المستوى الإقليمي، مما يتوجّب على الأردنيين أن يبقوا ملتزمين بالحفاظ على هويتهم الوطنية، مما يتيح لهم التغلب على الصعوبات وبناء مستقبل مشرق يكرّم تاريخهم وثقافتهم. وهذا يتطلب جهود جماعية من كافة فئات المجتمع، سواء من الأفراد أو المؤسسات الحكومية والمدنية في سياق تعزيز هذه الهوية والإنعكاس الإيجابي على المواطنة الحقّة، فالأرض الأردنية لا تحتمل إلا هوية وطنية واحدة، هي الإنتماء للأردن ثم الأردن ثم الأردن ثم ما دون ذلك وهذا لا يتعارض إطلاقا مع إعتزازنا بأصولنا وقضايا الأردن المركزية ، إلا أن هذا يجب أن يأتي بالتأكيد بعد المصلحة الأردنية العليا.
نعم أنها الهوية الوطنية الأردنية أو الهوية الوطنية أو الهوية الأردنية فهذه كلها مترادفات أي تعطي نفس المعنى، وهويتنا هي أصلا جامعة من دون أن نسميها “الهوية الجامعة” حتى لو كان هناك حسن نية في ذلك ، هذا تجنبا للشبهات وسوء الظن والتفسير والتأويل ، وذلك ينسجم بالتأكيد مع رؤى سيد البلاد حيث تطرق بشكل واضح ومتكرر لأهمية الهوية الوطنية، وتجلى ذلك في خطابيه الأخيرين ؛ خطاب اليوبيل الفضي وبعده خطبة العرش في إفتتاح الدورة الحالية لمجلس الأمة ، فلم يصفها الملك بالجامعة أو بأي صفة أخرى واضحة ومفهومها جامع مانع بالأصل.
حمى الله الأردن شعبا وأرضا وقيادة، وسياجنا قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية.