وطنا اليوم_بقلم ابراهيم السيوف
في زمن انهارت فيه الحدود وتفككت الدول وتبدلت تحالفات القوى، يبرز الأردن كآخر خطوط الدفاع أمام مشروع الفوضى الشاملة الذي يضرب الشرق الأوسط. ليس الأردن مجرد دولة تسعى للبقاء في محيط ملتهب، بل هو ركيزة أساسية تستند إليها المنطقة في مواجهة عواصف عاتية تهدد بإغراق الجميع. إنه الصخرة التي تتكسر عليها أمواج الخراب والقلب النابض بحكمة تاريخية ورؤية استراتيجية جعلته عنواناً للاستقرار وسط زحام الانهيارات.
مع اندلاع الحرب السورية وجد الأردن نفسه على خط النار المباشر. لم يكن الأمر مجرد مجاورة جغرافية، بل تحمل تبعات انهيار دولة كانت ذات يوم ركيزة في التوازن الإقليمي. الحدود الشمالية تحولت إلى ساحة صراع مستمر؛ عصابات المخدرات المدعومة من قوى إقليمية تحاول تهريب السموم، وميليشيات موالية لإيران تقترب من الحدود، بينما يستمر خطر الإرهاب بالتسلل عبر هذه النقطة الملتهبة.
الأردن لم يقف متفرجاً. القوات المسلحة الأردنية تحولت إلى درع صلب يحمي الحدود من أي تهديد مهما كان حجمه. القيادة الأردنية، بقيادة الملك عبدالله الثاني، وجهت رسالة حاسمة للمجتمع الدولي، مؤكدة أن ترك سوريا ساحة مستباحة للميليشيات والمصالح الأجنبية يعني كارثة سيدفع الجميع ثمنها.
لكن أزمة الحدود ليست سوى جزء من المشهد. داخلياً، يواجه الأردن حرباً أخرى مع أزمات اقتصادية متفاقمة. البطالة، تفاقم الديون، وضغوط استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري شكلت عبئاً ضخماً على الاقتصاد الأردني. ورغم كل ذلك، واصل الأردن تقديم نموذج إنساني رفيع في حماية اللاجئين، بينما خاض معركة إصلاح داخلي لإعادة بناء اقتصاده على أسس أكثر صلابة.
ورغم هذه التحديات، يواصل الأردن أداء دوره الإقليمي والدولي بحنكة سياسية. القضية الفلسطينية تبقى حجر الزاوية في سياسته الخارجية. الأردن يدافع بشراسة عن حقوق الفلسطينيين ويحمي الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس. هذا الدور ليس مجرد التزام تاريخي، بل جزء من هوية الأردن وركيزة أساسية للحفاظ على استقرار المنطقة.
على الساحة الدولية، يقف الأردن كوسيط موثوق في أكثر القضايا تعقيداً. قدرته على التحدث مع الأطراف المتصارعة وطرح حلول عملية جعلت منه شريكاً أساسياً في جهود تحقيق السلام. سواء في الملف السوري أو التوترات الخليجية أو الأزمة الفلسطينية، يظل الأردن صوت العقل والاعتدال، القوة التي توازن بين المصالح المتصارعة دون أن تفقد بوصلتها الأخلاقية.
الأردن اليوم ليس مجرد دولة تواجه تحدياتها، بل هو الدرع الذي يحمي المنطقة من السقوط في هاوية لا عودة منها. إنه نموذج للدولة التي تقاوم الانهيار بعزيمة لا تلين، الدولة التي تحارب على جميع الجبهات، من حماية حدودها إلى الدفاع عن حقوق شعوب المنطقة إلى بناء مستقبل أكثر أماناً لشعبها.
في زمن تحول فيه الشرق الأوسط إلى مسرح لتصفية الحسابات، يثبت الأردن أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح فقط، بل في الحكمة والمرونة والإصرار على البقاء. إنه الحارس الذي لا ينام والجدار الذي تتكسر عليه مؤامرات التقسيم، والمفتاح الذي يفتح أبواب الحلول حين يغلقها الآخرون. الأردن ليس مجرد دولة، إنه فكرة ورسالة وأمل في عالم يفقد بوصلة الإنسانية.