ماذا يحتاج السوريون اليوم؟

9 ديسمبر 2024
ماذا يحتاج السوريون اليوم؟
كتب زهدي جانبيك:عاش العالم مآسي كبيرة وكثيرة …وبعد انتهاء الاحداث المؤلمة كان بعض الناس يفضلون نهج «الصفح والنسيان» دون مواجهة الحقيقة معتقدين ان المواجهة ضررها اكبر من نفعها.

لكن التجارب اثبتت العكس، واثبتت ان الصفح المبني على معرفة الحقيقة والعدالة يساعد اكثر في تضميد الجراح…. وسوريا اليوم تحتاج الى تضميد جراحها قبل كل شيء وأي شيء…
هم يحتاجون الى وضع العدالة بيد المجتمع… يحتاجون الى ان يتسامحو ويعفو ويصفحوا… وان شاؤوا ان يعاقبوا… ولن ولا نطلب منهم ان ينسوا… بل نتمنى أن يتصافوا ويعفوا ويصفحوا بعد ان يعلموا الحقيقة…
يحتاج الشعب السوري الى ان يجلسوا مع بعضهم البعض ليتكلموا ويستمعوا الى شهاداتهم لمعرفة: كيف؟ ولماذا؟ ومن؟ الذي اوصلهم الى ما وصلوا اليه… وتحديد الاغراءات والتهديدات والإعلام والاشخاص والدول والاسباب والعوامل التي دعتهم الى قتل بعضهم البعض …
اتمنى ان ترتقي النفوس الى تحقيق النصر لسوريا وليس لفئة على فئة … مهمة كان اساس تقسيم الفئات… نحتاج الى روح وثيقة المدينة المنورة … نحتاج الى العدالة المبنية على اساس الدية او العفو او القصاص…
لجان الحقيقة والعدالة والمصالحة:
هذه اللجن تشكل اسلوب من اساليب العدالة الانتقالية، كان هدفها الرئيسي “الوصول للمصالحة الوطنية بين الضحايا والجناة”،
وفلسفتها تقوم على أن كشف الحقيقة يضمد الجراح،
ومنطلقاتها الرئيسية تقوم على أن ترك مثل هذه الفجوة في الذاكرة يمكن أن تزيد مآســي الضحايا لشعورهم بنكران تجاربهم المروعة من قبل المجتمع…
وتم منح تلك اللجان صلاحيات واسعة، وشملت التحقيق والاستدعاء والاستجواب للوصول الى الحقيقة والاسباب الحقيقية لاثارة النزاع وبيان الاطراف والاشخاص المتورطين، والتحقيق في أنماط انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الموظفون الرسميون وأعضاء المنظمات الحكومية والمعارضة خلال فترة النزاع.
وتقوم بإصدار توصيات، ومن ضمنها دفع تعويضات إلى ضحايا الانتهاكات، والصلاحية القضائية في منح العفو… وصولا الى الحكم بالاعدام.
وقد ارست هذه اللجان مباديء منها ان المصالحة لا تعني طمس الحقيقة والهروب من تحمل المسؤوليات…
أكبر لجان العدالة والمصالحة كانت في جنوب افريقيا (لجان الحقيقة والمصالحة) ورواندا (محاكم الجشاشا) … وقامت على منطلقات ان “التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضي بالكامل”،
وأن “الظلم يسلب كلاً من الظالم والمظلوم حريته”…و”الشجعان لا يخشون التسامح من أجل السلام”…من اقوال نيلسون مانديلا.
ولا اطلب تطبيق شيئا لم يتم تجربته من قبل… فاكثر من 19 دولة طبقت هذه العدالة الانتقالية… ومنها ولاية كارولاينا في أمريكا ، وكندا، وهيئة الإنصاف والمصالحة المغربية، والسلفادور والكونغو وكينيا ولجنة التحقيق في تشاد، ولجنة الحقيقة في الفلبين، ولجنة الحقيقة والمصالحة في يوغسلافيا، وبوليفيا، واوغندا ، والارجنتين، وغواتيمالا، ونيبال، وأستراليا، والمانيا، وسيراليون، والبوسنة … وغيرها
نحتاج في سوريا شيئا مثل ذلك… نحتاج الى “المشهى” والمنهى” و”القلطة” و “المحامل” و “المناهي” و “مناقع الدم” و “العقبي” و “المنشد” وتجميع العارفين والمخاطيط من كل العشائر… للسير على
السبر والعوايد والسوادي والمثيلات …
نحتاج الى “دار الندوة” في كل حي وبلدة وقرية وناحية ومدينة ، يجتمع في هذه الدار من كان من اهل السَّخاءُ، والنَّجْدَةُ، والصَّبرُ، والحِلْمُ، والتَّواضع، والبيان الذين ينتخبهم الناس ،… نحتاج الى كل “تحماتات” البلد، نحتاج الى ال ХАСЭ الشركسي، نحتاج الى الجشاشا ( Gacaca) الرواندية.. (وهي مبدأ تقليدي عشائري رواندي لديهم يصف المكان الذي يجتمع فيه كبار العشيرة للتداول في مصلحتها العامة… وهي المحاكم الشعبية… وهو نظام محاكم يقع ضمن منظومة العدالة الانتقالية)…
نحتاج الى كل ذلك بهدف تسريع التشافي الاجتماعي من آثار الابادة الجماعية… واعادة بناء المجتمع عن طريق وضع العدالة بيد المجتمع…
المصالحة الوطنية:
هي الحل للحالة السورية … واذا اردنا ان نفعل شيئا لسوريا فلا افضل من المصالحة الوطنية. لخلق مجتمع قادر على تجاوز مرارات الماضي الدموي، والتعافي من آثارها دون ان تتهرب من ماضيها بل تواجهه، مستخلصة منه الدروس والعبر في الممارسة السياسية، وفي الخطاب السياسي الرسمي والخطاب الاعلامي الرسمي والاهلي.
نحتاج الى تضميد جروح سوريا …لتعود أقوى مما كانت.
العميد المتقاعد
زهدي اسماعيل جانبك