قريباً.. سيعرف الَّذين فرحوا مع مَنْ فرحوا وما الَّذي فرحوا به

8 ديسمبر 2024
قريباً.. سيعرف الَّذين فرحوا مع مَنْ فرحوا وما الَّذي فرحوا به

وطنا اليوم_بقلم سعود قبيلات:

يجب، في البداية، أنْ نعترف بأنَّ حلفَ المقاومة (وعلى الأخصّ منه، حزب الله وكتائب عزِّ الدِّين القسَّام) قد تلقَّى ضربةً خطيرةً (بل وخطرة) جدَّاً.

 

والسُّؤال الضَّروريّ، هنا، هو: هل أدار حلف المقاومة دوره في الصِّراع مع العدوّ بصورة صحيحة وكما تقتضي تطوُّرات الأحداث؟

 

هذا ما يجب أنْ يُدرَس جيِّداً؛ وفي كُلِّ الأحوال، هذا ما ستُجيب الأيَّام عنه.

 

على أيَّة حال، الَّذين فرحوا بسقوط نظام الرَّئيس بشَّار الأسد، لهم مبرِّراتهم (المعلنة، على الأقلّ)، وهي مبرِّرات متعدِّدة، بحسب تعدُّد أصحابها..

 

فبعضهم يبرِّرون موقفهم، هذا، بتوقهم إلى الحُرِّيَّة والدِّيمقراطيَّة؛ فهل هم حقَّاً يتوقَّعون أنْ يكون الحال في سوريا، مِنْ هذه النَّاحية، أفضل ممَّا حدث في ليبيا، أو في أفغانستان، أو في الصُّومال؟

 

وبعضهم يبرِّرون فرحهم، هذا، بقولهم إنَّ نظام الأسد «لم يُطلق طلقة واحدة على الكيان الصّهيونيّ»؛ فهل يتوقَّعون لمن ترعاهم تُركيا الأطلسيَّة والولايات المتَّحدة وحلف الأطلسيّ، ولمن كانت ظهورهم في الجولان إلى «جيش الدِّفاع الإسرائيليّ» وبنادقهم موجَّهة إلى صدور الجنود السُّوريين، وجرحاهم يُعالجون في المستشفيات الصّهيونيَّة ويعودهم نتنياهو علناً، ولمَنْ وقفوا يتفرَّجون على غزَّة (وعلى لبنان، بجانبهم) وهما تُقصفان على نحوٍ بشع طوال الأشهر الماضية، أنْ يغيِّروا موقفهم هذا ويبادروا إلى إطلاق حتَّى لو طلقة واحدة على الكيان الصّهيونيّ؟

 

وبالنِّسبة للَّذين فرحوا لأنَّهم يتوقَّعون أنْ يعود اللاجئون السُّوريُّون إلى ديارهم، نقول: نعم سيعود قسم مِنْ هؤلاء اللاجئين؛ لكنَّ قسماً آخر منهم لن يعود، لأنَّه لن يستطيع التَّعايش مع الشُّروط المذهبيَّة الثُّيوقراطيَّة القروسطيَّة للنِّظام البديل؛ وهذا في حين أنَّ قطاعاً واسعاً جديداً من النَّاس سيجد أنَّه لا مفرَّ له من الهجرة، للسَّبب نفسِه.

 

لقد تكلَّمت، بدايةً، عن الخاسر ممَّا آل إليه الوضع في سوريا؛ ويجب أنْ أتحدَّث الآن عن الكاسب..

 

الكاسب الأكبر هو تُركيا الأطلسيَّة، والولايات المتَّحدة، وحلف الأطلسي؛ و«إسرائيل»، بالنَّتيجة.

 

والآن، بدأ تنفيذ الشَّرق الأوسط الجديد الَّذي بشَّر به نتنياهو مؤخَّراً؛ والَّذي سبق أنْ بشَّرت به كونداليزا رايس في العام 2006، وأفشلته، آنذاك، المقاومة اللبنانيَّة وسوريا..

 

وعلى الفرحين أنْ يفكِّروا جيِّداً في الموقع الَّذي سيكونون فيه، والمآل الَّذي سيؤولون إليه، عندما يكتمل تنفيذ هذا المشروع الأميركيّ الأطلسيّ الصّهيونيّ.

 

البعض يبرِّرون فرحهم بتوقُّعهم أنْ الباب سينفتح الآن أمام تحسُّن الحال المعيشيّ لسوريا والسُّوريين؛ لأنَّ الولايات المتَّحدة، برأيهم، ستفكّ الحصار عن سوريا بعد سقوط نظام الرَّئيس الأسد. وهؤلاء عليهم أيضاً أنْ يروا أحوال النَّاس المعيشيَّة في العراق وليبيا وأفغانستان والصُّومال..

 

آخر همّ الولايات المتَّحدة وحلف الأطلسيّ هو الدِّيمقراطيَّة وتحسين أحوال النَّاس..

 

نظام الرَّئيس الأسد له أخطاؤه، بلا شكّ؛ وحتَّى لا يُقال إنَّني أتكلَّم عن هذه الأخطاء بأثر رجعي وبعد سقوط النِّظام، أقول بأنَّني تكلَّمتُ عن هذه الأخطاء شخصيَّاً مع الرِّئيس الأسد عندما التقيت به لقاءً مطوَّلاً في العام 2013، وقد وافقني على وجود بعض هذه الأخطاء، وبرَّر بعضها، وأوضح لي أسباب بعضها.

 

لكن، هل أُسقِطَ نِظام الرَّئيس بشَّار الأسد بسبب أخطائه، أو لأنَّه نظام غير ديمقراطيّ؟

 

للأنظمة العربيَّة الأخرى أخطاء أكبر بكثير، وكُلُّها غير ديمقراطيَّة، وليس نظام الأسد وحده..

 

أمَّا خطيئة الأسد، الَّتي أُستُهدف بجريرتها وأُسقِطَ، فهي أنَّه الوحيد مِنْ دول الطَّوق الَّذي لم يبرم اتِّفاقَ استسلام مع «إسرائيل»؛ وأنَّه ظلَّ متمسِّكاً بتموضعه ضمن حلف المقاومة، وظلَّ يدعم فصائل المقاومة ويسهِّل دعمها، ورفض إملاءات كولن باول في العام 2003، بُعيد احتلال الولايات المتَّحدة للعراق؛ وهو الوحيد الَّذي قال، علناً، إنَّ ما قام به الأميركيُّون في العراق هو احتلال، وما يقوم به الشَّعب العراقي ضدَّ هذا الاحتلال هو مقاومة.

 

وكما هو معروف، فقد كان في مقدِّمة تلك الإملاءات، الَّتي رفضها الأسد، طلبُ وقف دعم فصائل المقاومة الفلسطينيَّة واللبنانيَّة، وإنهاء أيّ وجود لها في سوريا.

 

أليس واضحاً، الآن، أنَّ إملاءات كولن بأول سيتمّ تنفيذها بحذافيرها؟

 

في العام 2008، جاء كوشنير (وزير الخارجيَّة الفرنسيَّة، آنذاك) إلى دمشق، قادماً من القدس المحتلَّة؛ وأبلغ الرِّئيس الأسد رسالةً مِنْ أولمرت (رئيس الوزراء «الإسرائيليّ»، آنذاك)، فحواها أنَّ أولمرت مستعدّ لأنْ يجعل الرَّئيس الأميركيّ (بوش الصَّغير، في حينه)، يقوم بزيارته في دمشق، إذا هو سار معه في ما سمَّاه طريق السَّلام.

 

فردَّ عليه الرِّئيس الأسد قائلاً: ومَنْ قال إنَّني أريد أنْ يزورني بوش؟

 

وهو دفع ويدفع ثمن هذا الموقف أيضاً منذ سنوات طويلة.

 

وسنرى كيف سيكون موقف الحُكَّام الجُدد، الَّذين جاؤوا إلى السُّلطة على ظهور الدَّبَّابات التُّركيَّة الأطلسيَّة، من الحلول الاستسلاميَّة مع العدوّ الصّهيونيّ..

 

والآن، إذا كان العراق قد أصبح أشبه بثلاث كيانات كونفدراليَّة، فإنَّ سوريا مرشَّحة في ظلّ المتحكِّمين الجُدد بها لأن تكون في وضعٍ أسوأ بكثير.. فهي مكوَّنة، أصلاً، مِنْ فسيفساء مذهبيَّة وطائفيَّة وإثنيَّة كثيرة؛ فهل يتوقَّع أحدٌ أنَّها يمكن أنْ تكون الآن دولة متماسكة في ظلّ التَّبشير بسيطرة نظام مذهبي طائفيّ ثيوقراطي عليها؟!

 

وفي هذه الحال، فإنَّ تداعيات تفتيت سوريا ستكون خطرة ليس على سوريا وحدها، بل وأيضاً على المنطقة بمجملها..

 

سوريا، الآن، ستكون دولة مستباحة.. خصوصاً للولايات المتَّحدة، وتُركيا، و«إسرائيل»..

 

فهل ستكون البلدان العربيَّة (وأنا أتكلَّم عن البلدان، وليس الأنظمة) في مأمن، إذا كانت سوريا قد أصبحت على هذا الحال؟

 

ومِنْ ناحية أُخرى، فإذا كنتُ سبق أنْ كتبت بأنَّ تطوُّرات الصِّراع في سوريا هي امتداد واستمرار للصِّراع الدَّائر في المنطقة منذ السَّابع مِنْ تشرين (أكتوبر) 2023، فإنَّه يجب القول أيضاً، وفي الواقع، وبغضِّ النَّظر عمَّا يراه (أو يزعمه) أطراف الصِّراع المحلِّيُّون عن أنفسهم وعن أهدافهم الخاصَّة، إنَّ الصِّراع في سوريا إنَّما هو جزء من الصِّراع على النِّظام الدَّوليّ..

 

إنَّه جزء من الصِّراع بين طرف (يتكوَّن من الأميركيّين والغرب وحلف الأطلسيّ) يريد أنْ تبقى الهيمنة على العالم أميركيَّة وأطلسيَّة؛ استمراراً لما كانت عليه طوال القرون الخمسة الماضية؛ أي يريده أنْ يظلَّ نظاماً أُحاديَّاً (أوتوقراطيَّاً)؛ وبين طرف، بل أطراف عديدة، ترى أنْ النِّظام الدَّوليّ يجب أنْ يُصبح تشاركيَّاً ومتعدِّد القطبيَّة.. أي نظاماً ديمقراطيَّاً بالنَّتيجة، يفتح آفاق التَّاريخ أمام الشُّعوب لتقرير مصيرها وإنجاز تحرُّرها الوطنيّ..

 

وهنا، نسأل: هل تصرَّفت الأطراف المعنيَّة بقيام نظام دوليّ متعدِّد القطبيَّة (وخصوصاً، روسيا والصِّين وإيران)، إزاء الصِّراع في المنطقة، بشكلٍ سليم وكما يجب؟

 

وأخيراً..

 

الآن، سيكون بإمكان «إسرائيل» تنفيذ خططها في غزَّة وفي الضّفَّة الغربيَّة، ومِنْ ضمنها التَّهجير، إلى أقصى مدياتها؛ وستسعى، بكُلِّ جهدها، إلى تحقيق شروط هيمنتها على لبنان إلى أبعد مدى ممكن..

 

منذ مُدَّة قريبة، نظر دونالد ترامب إلى خارطة «إسرائيل»؛ فقال، بأسفٍ شديد، إنَّها صغيرة جدَّاً؛ مستخلصاً، أنَّه يجب توسيعها..

 

الآن، ستوضع رغبة ترامب هذه موضع التَّنفيذ..

 

وللَّذين يتوقّعون أنَّ هذا التَّغييرَ الدراماتيكيّ في سوريا، ستكون له نتائج مختلفة عمَّا أوردناه هنا، نقول: إنَّ غداً لناظره قريب!

 

ونأمل أنْ لا نقول جميعاً: لات ساعة ندم