كتب الدكتور محمد الهواوشة :
فوز دونالد ترامب الأخير بالرئاسة الأمريكية أثار الكثير من التساؤلات حول رؤيته السياسية ومواقفه تجاه الصراعات الدولية، خاصة فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية والوضع في غزة. في خطبه الأخيرة، كرر ترامب وعده بإنهاء هذه الحروب في حال فوزه، مما أثار اهتمام المتابعين حول مدى جدية هذه الوعود وإمكانية تحقيقها. هنا سأستعرض الخطوط العريضة لمستقبل العلاقات الدولية تحت قيادة ترامب واحتمالاته لإنهاء الحروب، بالإضافة إلى علاقته مع الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
1. هل يستطيع ترامب إنهاء الحروب؟
على الرغم من تعهدات ترامب بإنهاء الحروب، فإن العملية معقدة للغاية وتواجه عدة تحديات. فالحرب الروسية الأوكرانية تتسم بتشابك المصالح الدولية وصعوبات في التوصل إلى حل سياسي سريع. ترامب يدعي أنه قادر على التفاوض مع بوتين للوصول إلى تسوية، ولكن عملياً، هذا يتطلب تحقيق توازن بين مطالب الأطراف المتحاربة ودول الناتو، إضافة إلى القيود التي قد تفرضها المؤسسات الأمريكية عليه.
أما في ما يتعلق بغزة، فقد أشار ترامب إلى رغبته في تحقيق تسوية سلمية، لكن موقفه من القضية الفلسطينية تاريخياً كان يميل نحو دعم إسرائيل. من هنا، فإن أي مبادرة لإنهاء الحرب في غزة قد تعتمد على مقاربة جديدة إذا كان جاداً في تحسين العلاقات مع الدول العربية والمحافظة على الاستقرار في الشرق الأوسط.
2. موقف ترامب من الحروب العالمية
رؤية ترامب تعتمد على ما يسميه “أمريكا أولاً”، أي أنه يفضل تجنب التورط العسكري المباشر ويهدف إلى تقليص التدخلات الأمريكية في الخارج. إلا أن هذه السياسة لم تنجح بشكل كبير في ولايته السابقة، خاصة مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وأوروبا. حالياً، يبدو أن ترامب يريد الحد من الإنفاق العسكري الضخم والتركيز على القضايا المحلية، لكن يبقى هناك تساؤل كبير حول مدى التزامه بهذه السياسة خاصة مع الضغط الذي قد يواجهه من الكونغرس والمؤسسات الأمنية.
3. علاقة ترامب مع الملك عبد الله الثاني بن الحسين
تاريخياً، العلاقة بين ترامب والملك عبد الله الثاني اتسمت بتباينات واضحة. الملك عبد الله الثاني حافظ على موقف حذر من ترامب خاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وهو القرار الذي اعتبره الأردن تهديداً لاستقرار المنطقة. ومع ذلك، يملك الأردن مكانة استراتيجية مهمة، وهو ما قد يجعل ترامب يعيد النظر في تعامله مع الأردن، خصوصاً إذا أراد تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط أو بناء تحالفات جديدة.
الأردن يمثل حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة في المنطقة، ويتميز بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف، ما يجعله لاعباً رئيسياً في أية مبادرة تهدف إلى تهدئة الأوضاع. من هنا، فإن تطوير علاقة إيجابية بين ترامب والملك عبد الله الثاني قد تكون وسيلة لتحسين استقرار المنطقة، شرط أن تُدار بمرونة ووعي بتعقيدات الوضع الإقليمي.
4. تأثير السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة على العالم
السياسة الخارجية لترامب تميل إلى الانعزالية، ولكن تداعياتها لن تقتصر على الداخل الأمريكي فقط، بل سيكون لها تأثير مباشر على الساحة العالمية. إذا نجح ترامب في تقليل التدخلات العسكرية، قد يؤثر ذلك على العديد من الحلفاء والمنافسين، وسنشهد تحولات في موازين القوى الدولية. في هذا السياق، ستكون الدول العربية وخاصة الأردن بحاجة إلى إدارة حذرة لتحالفاتها الإقليمية والدولية.
لا يمكن إغفال “صفقة القرن” التي كانت إحدى أهم الخطط التي دفع بها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي كان لها تداعيات كبيرة على الأردن والمنطقة. طرحت “صفقة القرن” رؤية لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنها واجهت رفضاً واسعاً في العالم العربي، خاصة من الأردن الذي اعتبر أن الخطة تهدد مصالحه الوطنية واستقراره الداخلي. الأردن، كونه موطناً لعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين وحاملاً لوصاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وجد نفسه في موقف صعب، إذ أن الصفقة تجاهلت حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية وحملت مخاطر قد تمس بالسيادة الأردنية.
الملك عبد الله الثاني عبّر صراحة عن رفضه لأي حل لا يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مؤكداً أن استقرار المنطقة يعتمد على إيجاد حل عادل وشامل. وقد أثر هذا الموقف على العلاقات الأردنية الأمريكية، حيث رفض الأردن تقديم تنازلات قد تقوّض دوره التاريخي والسياسي. في حال عودة ترامب إلى الرئاسة، قد يحاول إحياء أجزاء من هذه الخطة أو طرح مقاربة جديدة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مما قد يضع الأردن في مواجهة قرارات صعبة مرة أخرى، خاصة إذا استمر تجاهل حقوق الفلسطينيين وعدم مراعاة المخاوف الأردنية من ضغوط إعادة توطين اللاجئين أو مساس الوصاية على المقدسات.
ختاماً
فوز ترامب يطرح احتمالات جديدة حول كيفية تعامله مع الأزمات الدولية، وبشكل خاص الحرب الروسية الأوكرانية والصراع في غزة. ومع أن تصريحاته تلمح إلى رغبته في إنهاء الحروب، إلا أن ذلك يتطلب خطوات عملية وشراكات دولية مرنة. بالنسبة للعلاقة مع الأردن، فإن الملك عبد الله الثاني يُعتبر شريكاً محورياً في استقرار المنطقة، وقد يلعب دوراً مهماً في أي جهود أمريكية لتحقيق السلام إذا ما قرر ترامب اتخاذ هذا المسار بجدية.
[4:59 AM, 11/7/2024] Dr Ata: