كتب د. محمد عبدالله القواسمة
يعرفنا الدكتور سمير الدروبي الأستاذ في جامعة مؤتة، وعضو مجمع اللغة العربية الأردني بحياة المرحوم حسن البرقاوي، وجهوده في نهضة اللغة العربية، ومآثره في حقل التربية والتعليم في الأردن، وذلك في كتابه الموسوم بـ”حسن البرقاوي وجهوده في نهضة اللغة العربية في الأردن 1925-1969 (عمان: المؤلف، 2024).
فقد ولد حسن البرقاوي في برقة، إحدى قرى مدينة نابلس عام 1891. درس في كُتّاب قريته ومدرستها، ثم التحق بالأزهر متخصصًا في اللغة العربية وعلومها. وبعد تخرجه جاء إلى سوريا ودرس في مدارس حمص، ثم رجع إلى قريته وعمل معلمًا ليغادرها عام 1925 إلى إمارة شرق الأردن، وعين معلمًا في مدرسة تجهيز الكرك، ثم انتقل إلى مدرسة تجهيز إربد، ثم عاد إلى الكرك مرة أخرى، ثم انتقل منها إلى مدرسة السلط الثانوية، التي كانت تسمى قلعة العلم في ذلك الوقت؛ إذ كان يلتحق بها الطلبة المتفوقون من مدن الأردن وقراه المختلفة، وفي عام 1954عين مفتشًا في وزارة التربية والتعليم للغة العربية والتربية الإسلامية إلى أن تقاعد عام 1960. وظل قريبًا من التعليم وهمومه حتى توفي رحمه الله عام 1969.
وتقديرًا لجهوده في تدريس اللغة العربية وعلومها، واعترافًا بفضله في تعليم الأجيال، الذين كان لهم دور مهم في بناء المؤسسات في الأردن أقيم له حفل تأبين في الكلية العلمية الإسلامية، حضره عدد من الوزراء وأساتذة الجامعات، ومُنح وسام التربية والتعليم من الدرجة الأولى، وهو أول من منح هذا الوسام. وقررت وزارة التربية والتعليم تسمية مدرسة الأشرفية الثانوية باسمه، كما أطلق اسمه على شارع في عمان، وآخر في السلط، كما حملت مكتبة مدرسة السلط الثانوية اسمه لتسمى “مكتبة حسن البرقاوي”.
تمكن البرقاوي من أداء واجبه نحو أبناء أمته العربية؛ لمعرفته الموسوعية، فكان كالجاحظ واسع العلم والمعرفة، حافظًا للقرآن الكريم، وضليعًا في اللغة العربية والرياضيات، والهندسة وعلوم الشريعة، والقانون والاقتصاد، وعلم النفس والتاريخ، والسير وعلم الجمال والمنطق، وغيرها من العلوم والفنون. وقد زيّن علمه ومعرفته بحسن الخلق، ومحبته لطلابه وتقديره لهم، وقابلوه بالاحترام والتقدير، فأطلقوا عليه أستاذ الأجيال. وحق له أن تسبغ عليه الألقاب والصفات الجميلة، فهو المعلم الخالد عند ضيف الله الحمود، والمعلم العربي عند حمد الفرحان، والمعلم القديس عند سليمان المشيني، والمعلم الأسطوري عند همام غصيب، وعند تلميذه هاني خير المربي المكافح، الحامل لراية العلم. ويرى الدكتور محمد العطيات أحد طلابه بأنه رائد أحدث تغييرًا ثقافيًا في طلابه، فوجدوه ذا ثقافة واسعة حرة، وإنسانية متسامحة، بعيدة عن التزمت والتعصب لأية جهة، أو طائفة.
استحق البرقاوي المنزلة العالية عند تلاميذه وفي مجتمعه، من خلال جهوده التعليمية والتربوية التي تجلت في حرصه على تعليم الأجيال اللغة العربية، ومناصرة التعريب، ومحاربة ما يسميه التخريب باستخدام الكلمات الأجنبية دون إخضاعها لقوانين العربية، والحرص على تدريس النحو والصرف، واتباع الطريقة المحورية في التدريس، أي يقوم مدرس واحد بتدريس أكثر من مادة.
كما كانت للبرقاوي أبحاث ومقالات وخواطر أدبية نشرت في مجلات وصحف أردنية وعربية، مثل مجلة” الرسالة” التي كانت تصدر في مصر، ويكتب فيها كبار الكتاب، أمثال: طه حسين، والعقاد، والرافعي، والمنفلوطي، ومجلة “هدي الإسلام” الأردنية، و” ألف باء” السورية، ومجلة “التمدن الإسلامي” وصحيفة” الجزيرة” لصاحبها تيسير ظبيان وصحيفة “الأردن”.
وكان- كما يرى مؤلف الكتاب- أعظم تأثير للبرقاوي، بوصفه المعلم والأديب والناقد والعالم والفقيه والمفسر في طلابه الذين ساهموا في نهضة الأردن ورفعته، أمثال: وصفي التل، وعبد السلام المجالي، وحابس المجالي، وجمال الشاعر، وعبد الكريم غرايبة، ومحمد الحياري، وعبد الكريم خليفة، ومحمد عدنان البخيت، وهاني خريسات وغيرهم.
وبعد
فلا يغيب عن اهتمامنا بهذا الجهد العلمي الذي نهض به الأستاذ الدكتور الدروبي أن نقدم من منطلق فهمنا، بأن الكتابة أمانة ومسؤولية الملاحظات الآتية عن الكتاب:
أولا: تكرار المعلومات عن المرحوم البرقاوي. فعلى سبيل المثال تكرر ذكر تقاعده عام 1960 ست مرات في الصفحات(14، 32، 33، 77، 79 ، 141)
ثانيًا: لا يستشهد الكتاب بما ورد في كتابات البرقاوي، ولم ترد إحالة إلى أي منها حتى في الحاشية، وأغلب الإحالات إلى كتابات تلاميذه عنه.
ثالثًا: لم يتناول الكتاب جهود البرقاوي وفلسفته في التعليم والتربية من خلال محاضراته وأبحاثه ومقالاته وخواطره المنشورة في مجلات وصحف كثيرة، واكتفى بإشارات عامة.
رابعًا: لا أرى فائدة من الملاحق والفهارس التي وردت في خمسين صفحة من الكتاب تقريبًا؛ فهي شهادات لتلاميذ البرقاوي، ورد الحديث عنها والاقتباس منها في متن الكتاب، وأشير إليها في الحواشي. كما لا فائدة من الفهارس؛ فالكتاب صغير الحجم في مئتي صفحة، لا يضيع الباحث في معلوماته. عدا أنها أي الفهارس لم يُتبع في إعدادها المنهج العلمي، فعلى سبيل المثال ورد في إحداها كلمة “مدرسة” وهي كلمة ليست مصطلحًا، ولا علمًا فما حاجة القارئ ليبحث عنها؟ كان يمكن استبدال هذه الشهادات والفهارس بنماذج من كتابات البرقاوي ليتعرف القارئ إبداعه وفكره.
كانت تلك الملاحظات عن كتاب” حسن البرقاوي وجهوده في نهضة اللغة العربية ..” وهي ملاحظات لا تقلل من الجهد العلمي الذي بذله الأستاذ الدكتور سمير الدروبي في التعريف بهذا المعلم، الذي ترك بصماته على الثقافة والتعليم والفكر في الأردن، على امتداد أكثر من أربعين عامًا، وهو جهد يحفز الباحثين والدارسين على جمع تراث البرقاوي الأدبي والفكري، ووضع البرقاوي نفسه في منزلته المميزة، في طليعة الكتاب والمفكرين ورواد الحركة الأدبية في الأردن.