كتب الدكتور محمد الهواوشة :
يعيش المواطن الأردني في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة تزداد سوءًا عامًا بعد عام. أحد أبرز القضايا التي تتعلق بمعيشة المواطن وقدرته على مواجهة هذه التحديات هو *الحد الأدنى للأجور*، والذي لم يشهد أي ارتفاع منذ خمس سنوات، بينما تشهد الأسعار ارتفاعات مستمرة ومتسارعة في كافة جوانب الحياة. هذا التناقض بين ثبات الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة يطرح تساؤلات ملحة حول واقع الحياة الكريمة للعمال وموظفي الدخل المحدود في الأردن.
### *تحديات المعيشة وارتفاع الأسعار*
وفقاً للإحصاءات، ارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية في الأردن بأكثر من *ضعف* خلال السنوات الخمس الماضية. هذا الارتفاع طال كل شيء، بدءاً من المواد الغذائية، والإيجارات، والمواصلات، وصولاً إلى التعليم والرعاية الصحية. في الوقت نفسه، يُظهر تقرير البنك الدولي أن *خط الفقر* في الأردن قد تجاوز حاجز *480 دينارًا أردنيًا* شهريًا. بعبارة أخرى، إن الشخص الذي يتقاضى أقل من هذا المبلغ يعيش تحت خط الفقر، وهو مؤشر واضح على صعوبة تأمين حياة كريمة بالكاد تواكب تكاليف المعيشة المتصاعدة.
### *الحد الأدنى للأجور: واقع مرير*
على الرغم من كل هذه المتغيرات، لا يزال الحد الأدنى للأجور في الأردن ثابتاً عند *260 دينارًا* منذ خمس سنوات. إذا نظرنا إلى هذه الأرقام في سياق الأسعار الحالية، نجد فجوة كبيرة بين الدخل المحدود وتكاليف المعيشة المرتفعة. هذه الفجوة ليست مجرد أرقام؛ إنها تعكس معاناة يومية يعيشها المواطنون، حيث يضطرون للاختيار بين تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الطعام والسكن والتعليم، في ظل دخل لا يكفي لتغطية أبسط المتطلبات.
### *الآثار الاجتماعية والاقتصادية لثبات الأجور*
ثبات الحد الأدنى للأجور مع ارتفاع الأسعار يعزز من *الفقر* ويؤدي إلى *انكماش القدرة الشرائية* للعاملين. هذا الواقع يخلق حالة من الإحباط الاجتماعي والاقتصادي، ويؤدي إلى تفاقم *البطالة المقنعة، حيث يضطر الكثير من الناس إلى قبول وظائف ذات أجر متدنٍ لا يتناسب مع متطلبات الحياة. كذلك، عدم رفع الأجور يؤدي إلى **هجرة العقول والكفاءات*، حيث يبحث الشباب والخريجون عن فرص عمل خارج البلاد بأجور أكثر عدالة وقدرة على توفير حياة كريمة.
### *ضرورة رفع الحد الأدنى للأجور*
في ضوء هذه الحقائق، بات من الضروري إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور. ليس فقط لمواكبة التضخم وارتفاع الأسعار، بل لضمان الحفاظ على استقرار المجتمع وتقليل معدلات الفقر. إن رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى يتناسب مع *خط الفقر الحالي* هو مطلب ملح لضمان توفير حياة كريمة للمواطنين ولتعزيز الثقة في الحكومة والسياسات الاقتصادية.
### *الطريق إلى الإصلاح الاقتصادي*
رفع الحد الأدنى للأجور ليس ترفًا، بل هو ضرورة تفرضها الظروف الاقتصادية الصعبة. على الحكومة والجهات المعنية أن تتخذ خطوات جادة لإعادة تقييم الأجور بما يتناسب مع *تكاليف المعيشة* الحالية. هذه الخطوات قد تتضمن:
1. *إعادة تقييم دوري للأجور* بحيث يتم تعديلها بناءً على معدلات التضخم والتغيرات الاقتصادية.
2. *إجراءات رقابية صارمة* لضمان تطبيق قرارات رفع الأجور في كافة القطاعات، بما فيها القطاع الخاص.
3. *تحفيز الاستثمار* في القطاعات التي تولد فرص عمل بأجور أعلى، مما يسهم في تعزيز السوق المحلية وتقليل البطالة.
### *لننظر إلى التجربة التركية*
في ضوء هذه الحقائق، بات من الضروري إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور. ليس فقط لمواكبة التضخم وارتفاع الأسعار، بل لضمان الحفاظ على استقرار المجتمع وتقليل معدلات الفقر. لننظر إلى *تركيا* كمثال حي على سياسات رفع الحد الأدنى للأجور، حيث تقوم تركيا بزيادة الحد الأدنى للأجور *سنوياً* بما يتناسب مع معدلات التضخم وتكاليف المعيشة، مما يساهم في تحسين مستوى المعيشة وتخفيف الضغوط الاقتصادية على الأسر العاملة.
على الأردن أن يتبنى سياسة مشابهة لضمان توفير حياة كريمة للمواطنين. ويجب أن يكون هذا الرفع في الأردن *على أقل تقدير إلى 300 دينار أردني* في هذه المرحلة، كخطوة أولى نحو تعزيز الأمان الاجتماعي ومواجهة الأعباء المتزايدة على المواطنين.
### *الاعتبارات حول المستثمرين والعامل الأردني*
لكن عند التفكير في رفع الحد الأدنى للأجور، يُثار السؤال: *لماذا صاحب القرار يحسب ألف حساب للمستثمر ولا يفكر بالعامل الأردني البسيط؟ لا يمكن بناء اقتصاد صحي على حساب العامل، الذي هو أساس قوة العمل والإنتاج. إن تجاهل احتياجات العامل الأردني لا يؤدي إلا إلى زيادة الفجوة الاقتصادية وتعميق مشاعر الإحباط واليأس بين طبقات المجتمع الكادحة. **المستثمرون* بلا شك مهمون لتحفيز الاقتصاد، ولكن *الاستثمار في الإنسان*، وهو العامل البسيط، يجب أن يكون أولوية لا تقل أهمية، لأنه يشكل العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية مستدامة.
### *خاتمة*
إن الوضع الحالي للحد الأدنى للأجور في الأردن لا يتناسب مع التحديات الاقتصادية التي يواجهها المواطنون. لذا، لا بد من تحرك فوري لرفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع خط الفقر المتزايد وتكاليف المعيشة المرتفعة. الحل ليس مجرد زيادة رمزية، بل رفع جاد ومستمر يعكس التضخم ويضمن حياة كريمة للجميع.