بقلم: خليل النظامي
قرأت بالامس خبر حصول صحيفة الغد على المركز الاول بـ “الاكثر انتشارا” بين الصحف الورقية اليومية المحلية، تليها في المركز الثاني صحيفة الرأي، ومن ثم اخيرا في المركز الثالث صحيفة الدستور، بحسب ما اعلن عنه وزير العدل بسام التلهوني وما خرجت به اللجنة المختصة التي ترأسها أمين عام وزارة العدل وعضوية كل من مدير عام دائرة المشتريات الحكومية ومدير عام هيئة الاعلام ومدير عام وكالة الانباء الاردنية ونقيب الصحفيين ومدير مديرية شؤون المحاكم مقررا للجنة.
وبحسب اعلان التلهوني فقد اعتمدت اللجنة عدة معايير واسس في هذا التصنيف من ابرزها حجم توزيع الصحيفة وانتظامها وأماكن توزيعها وعدد النسخ التي تطبعها الصحيفة وحجم المبيعات للصحيفة ومدى وصول الصحيفة الى أنحاء ومحافظات المملكة وسهولة وصولها للمواطنين وراعت اللجنة عدد الاعلانات الحكومية في الصحيفة يومياً وعدد الاشتراكات السنوية في الصحيفة.
بداية الأمر دعوني انتهز الفرصة واتقدم بالمباركة والتهنئة للزميلة صحيفة الغد، وللزملاء الاشاوس العاملين فيها من صحفيين واداريين على رأسهم الزميل رئيس التحرير مكرم الطراونة على هذا الانجاز الذي نفتخر به واسعدنا جميعا، في وقت يشهد الجميع بنوعية ومهنية والانتشار الواسع للانتاج الصحفي الذي تنفرد به وتقدمه الغد عبر صفحاتها ومواقعها ومنصاتها الرقمية عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
ولكن حقيقة هناك امر لا افهمه، وددت الكتابة فيه بطريقة واضحة ومباشرة لربما إلتقطه احد من جماعة مطبخ صناعة استراتيجيات المنظومة الاعلامية الحكومية والقائمين على ادارة الوسائل الاعلامية والصحفية التابعة او المملوكة للحكومة، لأنه امر في غاية الخطورة بالنسبة لي كـ صحفي واكاديمي وباحث ومعد ومشارك سابق في صناعة الخطط والاستراتيجيات الاعلامية لعدد من المؤسسات الحكومية والاعلامية وغيرها من المؤسسات الخاصة في مختلف القطاعات.
فـ المعروف في فلسفة ونظريات العلم الصحفي والاعلامي أن المؤسسات الاعلامية الحكومية او التي تديرها الحكومة تتبع لنظرية النظام السلطوي، والذي يعني ان الحكومة مسؤولة عن هذه المؤسسات من حيث وضع سياسات التحرير الخاصة بها، وادارتها بما ينسجم مع التوجه العام للدولة، ورفدها بـ التمويل اللازم لبقاء استمرارها، والرفع من شأنها من خلال الكثير من الادوات التي لا تتوفر في المؤسسات التي تدار من قبل القطاع الخاص او التيارات الحزبية، وصولا الى التأثير المطلوب على الجماهير بالرسالة الحكومية والتوجه العام للدولة.
وما اعلن عنه وزير العدل حول فوز صحيفة الغد بـ المركز الأول، اثار العديد من التساؤلات عندي حول مدى وصول وتأثير الرسالة الاعلامية التي تبثها الصحف التي تتبع او مملوكة للحكومة (الرأي ، والدستور)، اذ جاءت الرأي في المركز الثاني والدستور في المركز الثالث، في وقت معروف عن الغد التي صدرت في عمان في عام 2004 انها تحمل رسالة ليبرالية التوجة، وترسم سياسات التحرير لها وتمول من قبل مالكيها والمساهمين فيها وادارتها الخاصة، اي بمعنى انها تتبع في العلم الصحفي للنظرية الليبرالية المستقلة تماما في مخرجاتها ونتاجها الاعلامي والصحفي عن اي سلطة.
وما يعزز فلسفة ان “القطاع الاعلامي الخاص تفوق على القطاع الاعلامي الحكومي” ما حدث مع صحيفة الأنباط في العام الماضي، حيث حصدت الانباط بحسب ما خرجت به لجنة التصنيف على المركز الثالث بالتساوي مع صحيفة الدستور، بعد حصول الرأي على المركز الاول والغد في المركز الثاني، الامر الذي استدعى اجراء القرعة بينهما وفازت بها الانباط، واعترضت الدستور آنذاك على النتيجة وحصدت بعد الاعتراض على المركز الثالث بطريقة لم تكن واضحة تماما امام مجلس ادارة الأنباط.
هذا كله ان دل على شيء، فإنما يدل على أن هناك خلل كبير في الخطط التي رسمها القائمين على ادارة وتحديث وتطوير استراتيجيات الاعلام الحكومي والطريقة التي تدار بها المؤسسات الاعلامية الحكومية، لأن هذه النتيجة معناها اخفاق في العمق، اي بمعنى ان الرسائل التي بثتها وما زالت تبثها الدولة والحكومة من خلال الوسائل الاعلامية التي تملكها وتديرها، لا تصل لـ كافة المواطنين بالشكل المطلوب، وبالتالي لن يتحقق التأثير المنشود على المستقبلين للرسالة لأنها لم تصلهم من الاصل، الأمر الذي له نتائج خطيرة وتشويش واضح على الطريقة التي تبنى فيها الصورة النمطية في اذهان المواطنين عن سلوكيات الدولة والحكومة المعنية بتدبير شؤونهم وتنظيم علاقتهم بالسلطة والنظام من جهة، وعلاقتهم مع بعضهم البعض من جهة اخرى.
فإذا لم تصل رسالة الدولة والحكومة للمواطنين بالشكل المطلوب من خلال وسائلها الاعلامية، فهذا معناه ان هناك بديل اخر سيستغل هذه الثغرة ويستوطن في اذهان المواطنين، ويبدأ ببناء صورة نمطية مختلفة تماما عن سلوكيات الدولة والحكومة في اذهان المواطنين غير تلك التي تريدها الدولة والحكومة، ولا ارمي هنا بـ حديثي عن صحيفة الغد، وانما ارمي الى العديد من الوسائل الاعلامية المختلفة والتأثير الحاصل من ما يعرف بـ منصات ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وهذا بالتالي معناة أن رسالة الدولة الحكومة تائهة وضائعة في سماء المحافظات الاردنية لا تجد من يلتقطها ويتفاعل معها، ولا اقصد هنا الاخبار والتصريحات والمؤتمرات الحكومية، بل اقصد اعمق من ذلك وهو “التأثير” المعروف انه ابرز واسمى اهداف العملية الاتصالية.
بـ المحصلة وبدون اطالة، ما اعلن عن وزير العدل التلهوني بـ الأمس امر اراه في غاية الخطورة، فإن لم تكن الرأي والدستور في المركز الأول انتشارا، اذن فما هي الفائدة من النتاج الصحفي الذي يقدمانه للجماهير خاصة انهما يحملان رسالة الدولة والحكومة، وما هي الاسباب التي تقف خلف هذا الاخفاق، فـ هل الامر متعلق بسياسات التحرير، ام بإدارات تلك الصحف، ام بنوعية المنتج الصحفي الذي يقدمانه، ام بالكفاءات الصحفية العامله فيها (مع احترامي لهم جميعهم زملائي)، ام ان هناك ضغوط من نوع خاص غير معروفة او غامضة..؟ هذا ما انصح الحكومة وصناع الخطط والاستراتيجيات الاعلامية بالبحث فيه ومحاولة إلتقاط العمق الذي ارمي اليه في حديثي هذا….