وطنا نيوز / بقلم د. محمد الهواوشة
لبنان، هذا البلد الذي تعاقبت عليه الحروب والنزاعات، يجد نفسه اليوم في مواجهة أسئلة كبرى تتعلق بمستقبله بعد الحرب. السؤال الرئيسي هو: ما الذي ينتظر لبنان بعد الحرب؟ وما هي التحديات التي سيواجهها في إعادة بناء مؤسساته واقتصاده، والحفاظ على استقراره السياسي والاجتماعي؟ هذه الأسئلة تترافق مع تساؤل آخر هام: لماذا تتخذ الولايات المتحدة موقفًا داعمًا دائمًا للكيان الصهيوني، بما في ذلك دعمه في ارتكاب انتهاكات إنسانية وقانونية؟ وهل هناك دوافع تتجاوز المصالح الأمنية والسياسية المشتركة؟
الوضع بعد الحرب في لبنان:
بعد انتهاء أي حرب، يواجه لبنان العديد من التحديات التي تبدأ بإعادة بناء ما تم تدميره، سواء كان ذلك على مستوى البنية التحتية أو المجتمع. الأزمات التي قد تتبع الحرب تتراوح بين أزمات اقتصادية خانقة نتيجة للدمار والتكاليف الباهظة لإعادة الإعمار، وأزمات اجتماعية بسبب تشريد السكان وفقدان الوظائف والخدمات الأساسية.
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية:
إن دمار البنية التحتية وتوقف النشاط الاقتصادي يترك آثارًا طويلة الأمد. بعد الحرب، ستكون البلاد بحاجة إلى ضخ كبير لرأس المال لإعادة الإعمار.
يزداد الوضع تعقيدًا مع تعمق أزمة الديون وضعف القدرة على التمويل الذاتي، مما يجعل لبنان يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية والقروض.
التحديات السياسية:
الحرب تترك خلفها آثارًا سياسية طويلة الأمد. الأحزاب والمليشيات التي شاركت في النزاع قد تسعى لتعزيز نفوذها السياسي أو العسكري بعد انتهاء القتال، مما يزيد من التوترات الداخلية ويُضعف الحكومة المركزية.
قد تواجه لبنان ضغوطًا دولية للحفاظ على الاستقرار الداخلي، ولكنه أيضًا قد يجد نفسه في مأزق إذا كانت الأطراف الدولية تدعم أجندات متضاربة داخل البلاد.
إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية:
تبدأ مرحلة ما بعد الحرب بمحاولة المصالحة بين الفرقاء وإعادة إعمار المؤسسات. هذا يتطلب جهودًا مشتركة بين القوى السياسية في الداخل، والدعم الدولي في الخارج.
المصالحة قد تكون صعبة بسبب الخلافات الطائفية والسياسية التي تعمقت خلال الحرب.
لماذا تساعد أمريكا الكيان الصهيوني؟
العلاقات الأمريكية مع الكيان الصهيوني تُعتبر واحدة من أقوى التحالفات في السياسة الخارجية الأمريكية. الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل ليس جديدًا، بل يعود إلى عقود طويلة، ويستند إلى عدة عوامل استراتيجية وسياسية ودينية:
المصالح الجيوسياسية:
تعتبر الولايات المتحدة أن إسرائيل هي “الحليف الأكثر ثباتًا” في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد اضطرابات وصراعات مستمرة. وجود إسرائيل القوية يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، سواء فيما يتعلق بحماية التدفق النفطي أو السيطرة على النفوذ الإيراني والروسي المتزايد.
التوافق الأيديولوجي والديني:
الولايات المتحدة وإسرائيل تشتركان في أيديولوجية “الديمقراطية الغربية” في الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، هناك جماعات ضغط قوية في الولايات المتحدة تدعم إسرائيل لأسباب دينية، حيث ترى بعض الطوائف المسيحية أن قيام إسرائيل هو تحقيق لنبوات دينية.
اللوبي الصهيوني:
اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، الذي يتمثل في جماعات مثل “إيباك” (AIPAC)، يمارس نفوذًا كبيرًا على صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة. هذا اللوبي يعزز من الدعم الأمريكي العسكري والدبلوماسي لإسرائيل.
التحالف الأمني والعسكري:
التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل يشكل جزءًا أساسيًا من هذه العلاقة. تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية ضخمة سنويًا، إضافة إلى تطوير برامج دفاعية مشتركة مثل نظام القبة الحديدية.
فعل المحرمات ودور أمريكا:
عند النظر إلى الأفعال الإسرائيلية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، سواء كانت تتعلق بعمليات القصف أو الانتهاكات التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني أو اللبناني، فإن هذه الأفعال غالبًا ما تبرر من قبل واشنطن بأنها “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. ولكن النقاد يرون أن هذا الدعم يسهم في تشجيع إسرائيل على ارتكاب المزيد من الانتهاكات بدلاً من دفعها نحو تسوية سلمية.
ازدواجية المعايير: تنتقد العديد من الدول والمنظمات الإنسانية ازدواجية المعايير التي تمارسها الولايات المتحدة عندما تتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل، بينما تنتقد دولًا أخرى على أفعال مشابهة.
المحرمات الإنسانية: يرى البعض أن السياسات الإسرائيلية المدعومة من واشنطن تشكل “محرمات” من ناحية القانون الدولي، إذ تشمل قتل المدنيين، وتدمير البنية التحتية، وعمليات التهجير القسري، وهذه الأعمال تُعتبر جرائم حرب بموجب القانون الدولي.
ختامًا:
ما بعد الحرب في لبنان سيشكل تحديًا كبيرًا للبنان على عدة أصعدة. إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية ستكون بحاجة إلى جهود ضخمة ودعم دولي. أما بالنسبة للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية، فإن دعم واشنطن المستمر للكيان الصهيوني يعكس تداخلًا معقدًا بين المصالح الاستراتيجية، الأيديولوجية، والنفوذ السياسي، وهو ما يثير الكثير من الانتقادات في العالم العربي والعالمي حول استمرار هذا الدعم رغم الانتهاكات المستمرة.
إن هذا الواقع يُحتم على الشعوب العربية والنخب السياسية إعادة النظر في علاقاتها مع المجتمع الدولي والسعي نحو إصلاحات تقود إلى إنهاء هذه التبعية والظلم الذي يمارسه الكيان الصهيوني بدعم دولي.