مروان العمد
بعد ان انتهت ولاية الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب قد يتسائل البعض هل كان ترامب ظاهرة طارئة على الحياة السياسية الامريكية ؟ وهل انتهت هذه الظاهرة بانتهاء ولايته ؟ وهل ستعود هذه الظاهرة بشخصه او من خلال غيره للحياة السياسية الامريكية ؟
وللاجابة على ذلك سوف استعرض لمحات من حياة وشخصية ترامب وجوانب من تكوينة المجتمع الامريكي في محاولة لمعرفة فيما اذا كانت شخصية ترامب المميزة هي التي اوصلته للبيت الابيض ام ان بعض ما طرأ على المجتمع الاميركي من تغيرات هي التي بحثت عنه وقادته للبيت الابيض الاميركي ام كليهما .
بداية يمكن القول ان ترامب هو رجل اعمال وملياردير وشخصية تلفزيونية ومؤلف ورئيس منظمة ترامب ومؤسس الكثير من المشاريع والشركات والمنتجعات الترفيهية ويدير مجموعة من الكازينوهات والفنادق وملاعب الغولف ومنشآت اخرى كثيرة في مختلف دول العالم . كما انه مقدم البرنامج الواقعي ذا أبرينتايس ( The Apprentice ) كما كان له نشاطات في عالم المصارعة حيث شارك في العديد من حلقات المصارعة الامريكية الحرة الاستعراضية ( WWE ) كضيف عليها .
وقد ادى توسع اعماله التجارية والعقارية وخاصة في مراحل الكساد الى افلاس العديد من مشاريعه كما انه هو نفسه كان على حافة الافلاس عدة مرات ، الا انه كان يتمكن من النجاة بفضل عمليات تحايل على القوانين وتسويات مالية مع الدائنين حيث تنازل عن قسم من املاكه للبنوك الدائنة كما تنازل عن قسم آخر منها لمطورين من اسيا قاموا بالاستعانة به لادارتها وتطويرها مقابل حصوله على ٣٠ ٪ من الارباح مع ابقاء اسمه واسم منظمته عليها مما يوحي ان هذا التنازل كان صورياً للتهرب من التزاماته المادية للدائنين ولسلطات الضرائب الامريكية مما كان يمكنه من العودة من جديد دائماً بالرغم من الحديث الواسع حول مشاكله المالية وتهربه الضريبي وفضائح علاقاته خارج نطاق الزوجية .
جد ترامب لابيه فريدرك هو مهاجر من المانيا ووالدته ماري ماكليود مهاجرة من اسكوتلندا وزوجته الاولى ايفانا مهاجرة من جمهورية التشيك وزوجته الثالثة والحالية ميلانيا مهاجرة من سلوفينيا اي انه سليل اسر مهاجرة وصاهر اسر مهاجرة ومع ذلك فقد ناصب المهاجرين العداء الشديد . قد يكون ذلك عقدة نقص او محاولة الهروب من هذه الجذور .
كانت بدايته مع السياسة عام 1988 من خلال برنامج للاعلامية المشهورة اوبرا وينفري حيث المح الى امكانية ترشحة للرآسة الامريكية لكي يستولي على اموال دول الخليج الذين ينعمون باموال النفط وقال انه لن يسمح للآخرين ان يعيشوا حياة الملوك ونحن لا ، وضرب على ذلك مثلاً بأن دخل المواطن الكويتي مرتفع وبمستوى الملوك من وجود النفط ، ودخل اليابان من التجارة كبيراً جداً ، وان على هذه الدول ان تدفع لبلاده الكثير من الاموال . وقال انه اذا ترشح فهو واثق من انه سوف يفوز كونه لم يخسر مرة في حياته . ومازح اوبرا بقوله انه سوف يرشحها معه لمنصب نائب الرئيس . وكان في حديثه هذا يتحدث بالعنجهية التي تصرف بها طوال مدة رآسته .
في عام 2000 ترشح عن حزب الاصلاح الامريكي ( حزب امريكي صغير ) الا انه تراجع عن ذلك كونه لم يحظى بقاعدة شعبية كافية ، وبعد ذلك انضم للحزب الجمهوري وقرر خوض الانتخابات عام ٢٠١٢ الا انه ما لبث وان تراجع عن ذلك ايضاً . وفي عام ٢٠١٥ قرر ان يترشح من جديد لانتخابات عام 2016 حيث خاض الانتخابات التمهيدية للحزب في مواجهة ستة عشر مرشحاً آخرين استطاع بخطاباته وشعاراته الانتخابية الشعبوية والعنصرية والاستعلائية ان يتغلب عليهم جميعاً وليصبح هو مرشح الحزب الجمهوري لهذه الانتخابات في مواجهة هيلاري كلينتون ، حيث تغلب عليها وبطريقة دراماتيكية لم تكن متوقعة بحصوله على 306 صوتاً من اصوات المجمع الانتخابي وليصبح الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة الامريكية .
وفي هذه الاثناء كانت قوى اليمين المتطرف ودعاة التمييز العنصري واصحاب نظرية تفوق العرق الابيض يزداد انتشارهم في الولايات المتحدة والتي تعود جذورهم لبداية تأسيس هذه الدولة التي قامت على اشلاء سكانها الاصليين ثم قامت على اكتاف العبيد الافارقة الذين تم جلبهم عنوة اليها وتسخيرهم للعمل في مزارعهم ومنازلهم كعبيد ليس لهم حقوق . وبالرغم من ان الحرب الاهلية التي حصلت هناك كان من اسبابها تحرير العبيد وانتهت باعلان تحريرهم ، الا انها لم تمنحهم حقوقهم الانسانية الا في اوقات لاحقة وبعد الكثير من الاضطهاد من قبل البيض والكثير من المعاناة من قبل السود . الا ان هذا التمييز العنصري لا يزال يعيش في عقول الكثيرين من الاميركيين حتى يومنا هذا والذين ينظرون الى احفاد عبيدهم السابقين بالاضافة الى المهاجرين من دول شعوبها ليسوا من العرق الابيض نظرة احتقار وكره . ولا زالت منظمة كو كلوكس كلان والتي ظهرت بعد الحرب الاهلية بقصد ملاحقة سود البشرة وقتلهم حرقاً او صلباً من قبل المتعصبين العنصريين موجودة وان اختلفت اساليبها . بالاضافة الى ظهور العديد من التنظيمات المماثلة مثل اليمين البديل والنازيين الجدد والحركة الوطنية الاشتراكية ومجلس المواطنين المحافظين وحزب الحرية الامريكي وعدد من المجموعات المسلحة ذات الأيديولوجيا اليمينية مثل الاولاد الفخورون ( Proud Boys ) وصلاة وطنية ( Patriot Prayer ) وثلاثة بالمائة ( Three Percenters ) و ترامب ضحية المؤامرات ( Q Anon ) والمحافظون على العهد ( Oath Keepers ) وحركة الحرب الاهلية الثانية (Boogaloo Boys ) وغيرها وعددها حوالي 1600 منظمة ومجموعة ، وكلها قائمة على اساس عنصري واغلبها لديه ميول لاستخدام العنف مع من ليسوا من العرق الابيض . واغلب هذه التنظيمات مسلحة في دولة تسمح بحيازة السلاح بل تعتبر ذلك حقاً دستورياً وقانونياً . واحد هذه التنظيمات وهو تنظيم ( ترامب ضحية المؤامرة ) يؤمن بانه توجد مجموعة سرية دولية من عبدة الشيطان والمتحرشين بالاطفال والمتاجرين بهم يحكمون العالم وانهم المسيطرون على وسائل الاعلام وعلى هوليوود وعلى سياسيين ديمقراطيين ومسؤولين في اعلى المستويات الى ان جاء ترامب و وضع حداً لهم ولهذا فأن جميعهم اخذوا يتآمرون عليه .
والى جانب هذه المجموعات يوجد الحزب الجمهوري الاميركي والذي تم تأسيسه عام 1854 على يد معارضي العبودية في البداية . وكان ابرهام لينكولن من مؤسسيه والذي تمكن فيما بعد من حظر العبودية . الا ان الحزب المذكور واعتباراً من عام 1912 شهد تحولاً ايديولوجياً الى اليمن واصبحت قواعده تضم الذين يسكنون في المناطق الريفية والامريكيين البيض والمسيحيين الانجيليين . واصبح الحزب يجمع ما بين السياسات الاقتصادية المحافظة والقيم الاجتماعية المحافطة والمحافظين الجدد والمعتدلين والمدافعين عن الحريات ، واخذ يدعم تخفيض الضرائب ورأسمالية السوق الحر وفرض قيود على الهجرة وزيادة الانفاق العسكري وحقوق حيازة وحمل السلاح وفرض قيود على نقابات العمال والاجهاض واصبح اكثر دعماً للتجارة الحرة .
وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر / ايلول عام 2001 سيطر المحافظون الجدد على الحزب وفرضوا نظرياتهم على السياسة الخارجية الامريكية بدعم من اللوبي الإسرائيلي واليمين المتطرف والمسيحية الانجلية الجديدة الاكتر عداوة للمسلمين والمسيحية الصهيوني والأكثر ولاءً للصهيونية ، وجماعة الطاقة والنفط وتجار السلاح بالاضافة الى جماعات اسرائيلية الهوية ذات اذرع مالية وسياسية متعددة . ولعبت هذه القوى دوراً كبيراً لتمكين الجمهوريين من السيطرة على الكونجرس الامريكي بمجلسية اثناء ولايتي باراك اوباما .
ومن هنا نجد ان ترامب وبما يمثله من ميل للعنصرية وما تتميز به اقواله وتصرفاته من تطرف في قالب استعلائي هو اقرب ما يكون الى الجماعات والتنظيمات العنصرية المتطرفة والتي تؤمن بتفوق العنصر الابيض . كما ان طبيعته وتصرفاته التي تميل الى الخروج على المألوف والفوضوية تجعله اقرب لهذه الجماعات . بالاضافة الى انه يمثل رجل المال والاعمال الذي لا يتقيد بالقواعد القانونية والاخلاقية في اعماله . كل ذلك وللشهرة التي تمتع بها على مستوى المجتمع الامريكي فأنه لا بد وقد لفت انتباه هذه المجموعات اليه والتي ربما هي التي بادرت وبحثت عنه ودفعته لترشيح نفسه للانتخابات لأنه في حال نجاحه فسوف يقوي وجوده بهذا المنصب من نفوذها في البلاد . وربما هو ولكي يكسب قاعدة جماهيرية تحمله للبيت الابيض قد سعى ليكسب دعم هذه التنظيمات والجماعات . ولذا وما ان طرح نفسه كمرشح باسم الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة حتى بادرت الى دعمه في بالاضافة الى الجماعات المحافظة على اختلاف اصنافها في الحزب الجمهوري مثل الانجيلية المسيحية الجديدة والمسيحية الصهيونية والتي ترى في ترامب وكما صرح بذلك وزير خارجيته بومبيو فيما بعد بأنه اختيار الاهي من اجل الدفاع عن اسرائيل . مما جعله يتفوق على جميع مرشحي هذا الحزب ويخرجهم من السباق التمهيدي لتحديد مرشح الحزب للانتخابات مما جعل الحزب يدعمه بعد ان كان معظم قيادي هذا الحزب يعترضون عليه في البداية ومما ادى الى فوزه في هذه الانتخابات ليصبح رئيساً للولايات المتحدة الامريكية .
وعلى مدى الاربع سنوات من ولايته فقد زادت قراراته العنصرية وتصريحاته التي ناصبت المهاجرين والمسلمين العداء ، وطريقة تعامله مع مختلف دول العالم وقضاياه ومساندته للصهيونية ومقدرته على عقد للصفقات المالية لصالح اميركا من التفاف التنظيمات والجماعات العنصرية والمتطرفة حوله ودعمها له والتي زاد نفوذها وقويت شوكتها خلال ولايته . كما ان عناصر في الحزب الديمقراطي وجدوا به ضالتهم الذي يدعم افكارهم وتوجهاتهم مما جعلهم بدورهم يلتفون حوله . وهذا يفسر زيادة قوتة وقاعدته الانتخابية في انتخابات عام 2020 حيث حصل على خمسة وسبعين مليون صوت فيها . الا ان هذه التصرفات بنفس الوقت زادت من اعداد معارضيه ودفعت الكثيرين من الامريكيين للمشاركة بالتصويت لمنافسه وخاصة ممن كانوا ضحايا له ولسياساته وقراراته ، مما جعل المرشح الديمقراطي جو بايدن يتفوق عليه بعدد الناخبين والحصول على اصوات اربعة وثمانين مليون ناخب ، وباصوات المجمع الانتخابي بحصوله على 306 صوتاً وهو نفس العدد الذي كان قد حصل عليه ترامب في الانتخابات السابقة وبالتالي نجاحه في الانتخابات .
وبعد ان فشل ترامب بدعم من تلك التنظيمات والجماعات وغالبية الحزب الجمهوري في الطعن بنتائج هذه الانتخابات وما اثاره من احداث وما اتخذه من قرارات لم يتمكن الا ان يغادر البيت الابيض في صبيحة يوم تنصيب منافسه ومن غير ان يعترف بهزيمته و من غير يشارك بهذه المراسم .
ويبقى سؤال وهو هل انتهى عهد ترامب من غير رجعة ؟ وهل سوف تتخلى التنظيمات العنصرية والمتطرفة التي قامت بدعمه عنه ؟ . وهل سوف يتخلى عنه الحزب الجمهوري ؟ وجوابي هو بلا مكررة ثلاث مرات . لأنه وبالنسبة لترامب والذي لا يزال يعتبر ان الفوز قد سرق منه فأنه من المؤكد يفكر بالعودة من جديد . وحتى يتحقق له ذلك فيجب ان يستند الى قاعدته من هذه التنظيمات والجماعات بالاضافة الى دعم الحزب الجمهوري له . وهذه التنظيمات والجماعات وحتى تضمن زيادة نفوذها واتساع قاعدتها وتحقيق شعاراتها التي ترفعها فلا بد لها من ان تستمر في مساندة ودعم ترامب وان تبقي خيوطها متصلة مع الحزب الجمهوري . واذا اراد الحزب الجمهوري العودة للبيت الابيض في الانتخابات القادمة فلا بد له ان يحافظ على وحدة الحزب ان يضمن تصويت التنظيمات والجماعات التي دعمت ترامب الى جانبه وبالتالي يجب ان يحافظ على علاقاته مع ترامب لأن البديل عن ذلك هو تفكك هذا الثلاثي وربما اقدام ترامب على تشكيل حزب جديد يضم انصاره من داخل الحزب الجمهوري ومن خارجه وبالتالي اضعاف هذا الحزب وضياع فرصه بالعودة للبيت الابيض وربما لفترة طويلة من الزمن وانفراد الحزب الديمقراطي بهذا المنصب . ولذا فأنه اصبحت ادانة ترامب من قبل مجلس الشيوخ خلال محاكمته مستحيلة ومؤشرات ذلك واضحة ومنها تصويت خمسة واربعين سيناتوراً منهم الى جانب اقتراح عدم دستورية محاكمته امام مجلس الشيوخ مما يعني حتماً انه لن تتوفر اغلبية الثلثين لادانته . بالاضافة الى تراجع بعض اعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري عن ادانتهم لتصرفاته في الايام الاخيرة من ولايته . ولذا ليس من المستبعد ان نجد ترامب في الانتخابات القادمة وان لم يكن هو فمرشح آخر يحمل نفس الصفات والافكار التي كان يتصف بها وينادي بها حتى يضمن هذا الحزب تصويت انصار ترامب و انصاره الى جانب مرشحهم .
لذا فأن الانقسام الذي حصل في المجتمع الاميركي اثناء ولاية ترامب مرشح للتعمق وربما للصدام ثم الانشطار في قادم الايام وربما ما هو اسوء من ذلك .
مروان العمد
٣١ / ١ / ٢٠٢١