بقلم: منيب رشيد المصري
السيد جو بايدن ليس مستجدا على الساحة السياسية الامريكية، فهو عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي منذ العام 1973 وحتى العام 2009، حيث أصبح بعدها نائبا للرئيس الأمريكي في حينه باراك أوباما خلال دورتي رئاسته. ولا يخفى على الكثيرين بأن السيد بايدن وطيلة فترة عضويته في مجلس الشيوخ كان من المؤيدين لإسرائيل، وكان دائما يؤكد على أهمية وجود دولة إسرائيل من أجل حماية المصالح الامريكية، ومن هناك يمكن القول بأن تأييد السيد بايدن لإسرائيل نقطة ارتكازها هي مدى التزام السياسات التي تتبعها إسرائيل في حماية المصالح الأمريكية في المنطقة العربية والاقليم.
وعلى الرغم من أن السيد بايدن من أشد السياسيين تأييدا لإسرائيل إلا أنه في ذات الوقت من أكثرهم وأشدهم انتقاداً لها، وبخاصة فيما يتعلق بسياساتها الخاصة بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، وتكرار إفشالها للجهود الأمريكية في التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولم يتردد هذا الشخص، الذي أصبح الآن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، في توجيه الانتقاد بشكل مباشر وعلني لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في العام 2016، خلال اجتماع لــــِ “جي ستريت” وهي مجموعة من المؤيدين لإسرائيل ومؤيدين حل الدولتين ، حيث اتهمه بتعطيل مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وقال أن هذا العمل يؤكد على أن نتنياهو يقود إسرائيل إلى الطريق الخاطئ.
وبحكم معرفتي السابقة بالسيد بايدن، لم أتفاجأ حين أعلن في برنامجه الانتخابي بأنه ملتزم بحل الدولتين، يكون بينهما اعتراف متبادل تعيشان بأمن وسلام، وأنه يعارض أي خطواتٍ أحادية الجانب من أي طرف من شأنها أن تقوض هذا الحل، وأورد أيضا أنه ضد التوسع الاستيطاني وسياسات ضم ومصادرة الأراضي، كما أشار في ذات البرنامج إلى أنه سيعيد المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، واستئناف الدعم المالي للأونروا، وإنه سيعمل على معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، وسيعيد فتح أبواب القنصلية الأميركيةالذي اغلقه سلفه الرئيس ترمب في القدس الشرقية، وأيضا فتح مكتب بعثة منظمة التحرير المغلق في واشنطن.
التقيت السيد بايدن لعدة مرات كان اخرها في العام 2010، في مدينة بيت لحم، حيث كان حينها نائبا للرئيس باراك أوباما، وخلال حديثنا في الشأن السياسي، ومواقف الإدارة الأمريكية من الصراع، وأهمية الوصول إلى حل دائم وعادل وشامل على اساس المبادرة العربية للسلام، حينها قال لي بأنه ملتزم بحل الدولتين، لأن هذا الحل يحفظ مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وهذا الحل عليه إجماع من طرف المجتمع الدولي، وسوف يعمل على إخراج هذا الحل إلى حيز الوجود.
ومنذ وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، في حينه وقد ابلغت القيادة بما قاله لي لسيد البايدن واثناء معركته الانتخابية كتبت له رساله خاصه اذكره بما قال لي في بيت لحم عن حل الدولتين ،أوحت إدارته في أكثر من مناسبة وتصريح باستعدادها لاستئناف عملية السلام على قاعدة حل الدولتين، وباعتقادي الشخصي ومعرفتي بهذا الرجل، ومن خلال ما سمعته خلال لقاءنا عام 2010 فإن السيد بايدن جاد في العمل على تحقيق حل الدولتين.
لا أعتقد أن أحدا ينكر بأن الثابت في تعامل الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع الملف الفلسطيني قائم على أساس الحفاظ على مصالح دولة إسرائيل، ومن هنا قد يكون إيمان الإدارة الأمريكية الجديدة بأن مصلحة “إسرائيل” وضمان أمنها يكمن في تطبيق حل الدولتين على أرض الواقع، وهنا يمكن لنا نحن الفلسطينيون أن نلتقي مع الإدارة الأمريكية الجديدة في هذا التوجه المتعلق بتطبيق حل الدولتين، وبخاصة أن الحديث فلسطي، كاملة السيادة بعاصمتها القدس الشرقية، ليس بجديد بل تم الاتفاق عليه في اجتماع المجلس الوطني988، حيث تم إعلان قيام دولة فلسطين على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة، وبعدها وفي العام 2002، وخلال القمة العربية في بيروت تم الموافقة من جميع الدول العربية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية على مبادرة السلام العربية التي أكدت على حل الدولتين، في سياق أن تكون الدولة الفلسطينية مقامة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية.
رسالتي لكل فلسطيني قبل ان اوجه رسالة للرئيس الامريكي جو بايدن لقد بدا تنفيذ مخطط استهدافنا وسرقة وطننا ومنحه للحركة الصهيونية منذ تصريح بلفور 1917 الذي اكده قرار نتنياهو باقامة الدول اليهودية 2018، ومنذ ذلك الوقت و نحن نتعرض للضربة تلو الاخرى للاسف وشعبنا لم يتوقف عن تقديم كل اشكال التضحيات في ظل حاجة متزايدة لترتيب البيت الداخلي وتوحيد الموقف وبناء برنامج وطني يصل بناء الى دولة المستقلة . علينا ان نتعالى عن كل الخلافات و الانقسامات ونقدم مصلحة الوطن و القضية على كل المصالح الفئوية و الفردية لنعزز تكاتفنا ووحدتنا لنعيد فرض احترامنا على العالم.
جميعنا في خندق، واحد وما يعنينا الآن كفلسطينيين هو استثمار ما هو متاح حسب ثوابتنا الوطنية بعد نجاح السيد بايدن والذهاب باتجاه تقوية وضعنا الداخلي الذي ركيزته الأساسية إعادة تجديد الشرعيات من خلال انتخابات نزيهة، تجبر العالم أجمع على احترامنا والتعامل معنا على أننا شعب يستحق الحياة، ويستطيع أن يدير شؤونه ضمن نظام ديمقراطي يحترم المواطن وحقوقه، وفي ذات الوقت له الحق أن يجابه المحتل ضمن ما كفله له القانون الدولي من وسائل.
كلمة أخيرة أوجهها لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، مع إيماني العميق بأنه رجل متزن وسوف يفي بما وعد به، أقول له؛ السيد الرئيس: تغيير مسار التاريخ يصنعه العظماء، ولا يراودني أدنى شك بأنكم قادرون على أخذ قرارات تؤسس لسلام حقيقي وتضمن قيام دولة فلسطينية كما نصت عليه المبادرة العربية ، ونحن الفلسطينيون نؤمن بضرورة العيش بسلام وأمن في دولة مستقلة وأن نبني علاقات مع كل دول العالم، ويسجل لكم التاريخ بأنكم الشخص الذي استطاع الانتصار على هذه المعضلة المسماة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.