اضاءات حول الدراسات العليا في الجامعات الأردنية

27 يناير 2021
اضاءات حول الدراسات العليا في الجامعات الأردنية

أ.د. سامح محمد محافظه

تمهيد:

بعد خبرة زادت عن ثلاثين عاماً في حقل التعليم الجامعي بجميع مراحله البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، وفي عدة جامعات أردنية وعربية، هل يحق لنا أن نبدي بعض الملاحظات حول مسائل عايشناها أثناء قيامنا بالتدريس الجامعي في كليات التربية المختلفة وخاصة بعدما تعالت العديد من الصيحات في مختلف مؤسسات التعليم العالي من كثرة السرقات العلمية والسطو الأكاديمي عند بعض أعضاء هيئة التدريس وطلبة الدراسات العليا في الجامعات؟ إضافة إلى ذلك، لقد بدأت منذ تسعينات القرن الماضي تطفو على السطح ظاهرة ألقاب الدكتوراه المزيفة والقيام بشراء الشهادات والألقاب العلمية لدرجة أن بعض أعضاء هيئة التدريس أصبحوا مقاولين لكتابة الرسائل والأطاريح الجامعية. وقد نجم عن كل ما ذكر أعلاه وغيره نتائج سلبية، إذ كثرت الشكاوي وإقامة الدعاوي في المحاكم، كما تألفت العديد من لجان التحقيق في هذا المجال.

بادىء ذي بدء ينبغي التنوية بأن السطو العلمي لا يقتصر على الطلبة والباحثين المبتدئين، بل يقع فيه كبار الباحثين والعلماء المرموقين. وقد وصف أحد العلماء الباحثين في جامعة جورجيا لصوص السرقات العلمية بأنهم مثل الصراصير في المطبخ، إذ يمكن أن ترى أحد هذه الصراصير أو مجموعة قليلة منها بينما لا يمكنك رؤية المئات من هذه الصراصير المتواجدة خلف الأجهزة الكهربائية الأخرى الموجودة في المطبخ. (Bartlett & Smallwood, 2004)

وقبل كل شيء تجدر الإشارة إلى أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على الأردن، كما أنها ليست بالجديدة بل هي قديمة تورطت فيها جامعات عريقة في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وعلى العموم، لا شك أن من يتطرق لهذه المسائل والمواضيع (كالأمانة العلمية والسطو الأكاديمي، والإشراف على الرسائل والأطاريح، والنشر في المجلات الوهمية وغيرها من المسائل، فإنه سيفتح باب جهنم عليه، بل إنه سيحارب بجميع أنواع الأسلحة، وربما سيذهب إلى المحاكم ودوائر الأمن المختلفة.

وتأسيساً على ما تقدم، فإنني سألقي الضوء على بعض المسائل التي تمارس داخل حرم الجامعات وحولها وخارجها والتي نلخصها في المسائل الآتية:

المسألة الأولى: الأمانة العلمية والإنتحال العلمي (Plagiarism):

يُعد الإنتحال العلمي / السرقة العلمية من أكثر الظواهر إنتشاراً في الأوساط الأدبية والعلمية وأكثرها إساءة إلى الأمانة العلمية التي من المفترض توافرها في الباحث العلمي الأكاديمي. ويعرّف عبدالعزيز (2014) الإنتحال العلمي بأنه “استخدام الكاتب أو المؤلف أو الباحث كلمات أو أفكاراً أو رؤى أو تعبيرات شخص آخر دون نسبتها إلى هذا الشخص، أو الإعتراف له بالفضل فيها… والإنتحال العلمي أيضاً هو أن ينسب الشخص إلى نفسه أشياء لا فضل له فيها بغير سند من الواقع… والتعبير عن الأفكار بأنها بنات أفكاره وأنها أصلية”.

وتقسم السرقات العلمية إلى نوعين: السرقات الكاملة للإنتاج الفكري، وتتمثل في انتحال الإنتاج الفكري كاملاً ونسبته إلى نفسه، والسرقات الجزئية، وتتمثل في أخذ جزء من عمل ما لتكملة عمل آخر. (عايش، 2013).

ويمكن أن تنتهك الأمانة العلمية قبل إجراء البحث أو عند تقديم النتائج أو نشرها. ومن أصناف انتهاكات الأمانة العلمية الأصناف الآتية: (جامعة الزقازيق، 2015) 1) الغش، 2) الخداع والتضليل، 3) انتهاك حقوق الملكية الفكرية، 4) تقديم النتائج بصورة انتقائية، 5) تطبيق أساليب إحصائية بشكل خاطيء عن قصد، 6) انتحال نتائج صدرت عن الآخرين، 7) حذف أسماء المؤلفين المساعدين الذين قدموا مساهمة ملموسة في البحث، أو إضافة أسماء أشخاص لم يشاركوا في البحث أو لم يساهموا به بطرق ذات قيمة.

أما أسباب السرقات العلمية لدى الطلبة والمدرسين فيمكن أن تعود كما يقول رداد (2017) إلى الأسباب الرئيسية الآتية: 1) الرغبة في انجاز البحوث. 2) الجهل بأخلاقيات البحث العلمي والأمانة العلمية. 3) الجهل بحقوق الملكية الفكرية. 4) غياب العقاب القانوني الرادع عند حدوث السرقات العلمية. 5) كثرة المعلومات المتاحة على شبكات الإنترنت. 6) ضعف اللغة الانجليزية. هذه الأسباب تتعلق بالطلبة والمدرسين، أما الأسباب المتعلقة بالطلبة فهي الأسباب الآتية: (Divlen & Gray, 2007)

أسلوب القبول في الجامعة. 2) الفهم الخاطئ للطلبة فيما يتعلق بالسرقة العلمية. 3) ضعف المهارات الأكاديمية. 4) تدني التحصيل العلمي للطلبة. 5) الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الطلبة.

المسألة الثانية: مكاتب الخدمات الجامعية:

كثرت في الآونة الأخيرة الإعلانات عن مكاتب اجراء البحوث على مواقع التواصل الإجتماعي وعلى شبكات الإنترنت المختلفة. وتبين من خلال هذه الإعلانات أن هذه المكاتب على استعداد تام لإنجاز بحوث علمية ودراسات أكاديمية وباللغتين وعلى مستوى الماجستير والدكتوراه لقاء مبالغ مالية محددة. وتدار هذه المكاتب في الغرف الخلفية، أو فيما أطلق عليها الزعبي (2011) “شارع الرسائل” أو “أبحاث بيت الدرج”. علماً بأن هذ المكاتب تتركز بشكل أساسي في محيط الجامعات الأردنية، والتي يرخّص لها في الأساس على تقديم خدمات الطباعة والتصوير والتجليد وبيع القرطاسية وما أشبه بذلك، إلا أنها أصبحت تقوم بخدمة بيع الأبحاث العلمية ورسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه لمن يطلبها مقابل مبالغ مادية يحددها المكتب حسب نوع الشهادة المطلوبة وحسب اللغة التي ستكتب فيها، بل إن بعض هذه المكاتب كما يقول الخصاونة (2018) تسهل الحصول على شهادات علمية من جامعات عربية وغير عربية دون عناء السفر أو الذهاب لتلك الجامعات إلا لمرّة واحدة يوم مناقشة الرسالة / الأطروحه وما على الطالب إلا أن يذهب إلى أحد هذه المكاتب المنتشرة في الشوارع الخلفية للجامعات ومواقع أخرى قريبة منها أو على صلة بها، ويسلّم صاحب هذا المكتب عنوان رسالته / أطروحته، ثم يعود بعد فترة ليستلمها جاهزة. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، وفيما يتعلق بكتابة الرسائل فإن بعض هذه المكاتب تعرض على الطالب مجموعة من العناوين في مجال تخصصه، ومن ثم يقوم هذا الطالب بعرضها على المشرف المعّين له، وبعد أخذ الموافقة على العنوان / الموضوع يقوم المكتب بكتابة المخطط له أو ما يسمى أل Proposal، وبعد ذلك يتم العمل بكتابة الرسالة من ألفها إلى يائها.

المسألة الثالثة: الإشراف على الرسائل والأطاريح الجامعية:

وفي هذه المسألة يمكن القول أن كثيراً من المشرفين على الرسائل والأطاريح غير مؤهلين علمياً وغير متخصصين في الموضوع الذي يشرفون عليه، بل إن بعضهم يقوم بالإشراف على أكثر من عشرة رسائل وربما خمس عشرة رسالة وفي عدة جامعات في نفس الوقت بالإضافة إلى قيامه بأعبائه التدريسية التي لا تقل عن تسع ساعات إذا كان برتبة أستاذ، وإثني عشر ساعة إذا كان برتبة دون رتبة الأستاذية. فهل يعقل ذلك؟ وهل هؤلاء المدرسين يقومون بإشراف حقيقي على طلابهم؟ وهل ينظمون لقاءات أسبوعية مع طلبتهم؟ وحتى إن وجدت تلك اللقاءات فستكون متباعدة زمنياً. وإنطلاقاً من ذلك، فإن بعض هؤلاء المشرفين لا يعرفون عن رسائل وأطاريح طلابهم شيئاً منذ قبول مقترح الرسالة وحتى الإنتهاء من كتابتها. وعند الإنتهاء من كتابة الرسالة / الأطروحه يأتي الطالب إلى مشرفه ليحدد له موعداً للمناقشة، ولإختيار أعضاء لجنة المناقشة وفي غالب الأحيان تمر العديد من الرسائل والأطاريح دون مناقشة حقيقية، أي أن الرسالة تقبل عند المناقشة أياً كان مستواها، لأن أعضاء لجنة المناقشة لا يريدون زعل زميلهم المشرف، لأنه سيكون له موقف سلبي عندما يكون عضواً في رسائل وأطاريح طلبتهم، وهنا يأتي وكما يقول التريكي (2017) لعبة المقايضة المصلحية، “أجيز أطروحتك وتجيز أطروحات طلابي” أما إذا عُرف عن أحد أعضاء هيئة التدريس بالتشدد بالمناقشة واتباع شروط البحث وتقاليده وأخلاقياته المتعارف عليها علمياً، فإنه يصبح منبوذاً وغير مرغوب فيه بل ويستثنى من أية مناقشات قادمة.

علاوة على ما سبق، وفي إطار الحديث عن اللوبيات الموجودة في الأقسام الأكاديمية لمناقشة الرسائل فحدّث ولا حرج، فكل عضو من أعضاء اللوبيات في القسم يطرح أسماء معارفه واصدقائه لمناقشة رسالة طالبه، والنتيجة بالتأكيد معروفة سلفاً “ناجح مع تعديلات طفيفة” أو “ناجح بعد الأخذ بالملاحظات التي وردت في نسخ أعضاء لجنة المناقشة”. ومن يدقق في أسماء أعضاء لجان المناقشات في جامعاتنا سيجد أن أعضاء لجان المناقشات تتكرر أسماؤهم في العديد من الرسائل والأطاريح، وما على المهتم بذلك إلا أن يقرأ على صفحات الفيسبوك يومياً الإعلان من العديد من أعضاء هيئة التدريس وفي مختلف جامعاتنا الأردنية كلمات الشكر والتهاني لزملائه أو ” تشرفت بمناقشة رسالة كذا مع الزملاء كذا وكذا”

المسألة الرابعة: النشر في المجلات الوهمية:

وفي إطار الحديث عن النشر في المجلات العلمية (الورقية والإلكترونية) فيمكن القول أن هناك إنتشاراً واسعاً لمجلات مزيفة لا يهمها إلا المال المدفوع لهم مقابل نشر الأبحاث المرسلة إليهم، إذ يقوم على إدارة هذه المجلات الإلكترونية (الوهمية) أشخاص لا معرفة لهم بأساسيات البحث العلمي ولا بأخلاقياته وأدبياته ومعاييره، وعليه تقوم هذه المجلات الوهمية بنشر البحث في فترة خيالية وقياسية، وربما خلال ساعات أو أيام وطبعاً دون تحكيم علمي، والمهم في ذلك أن يقوم صاحب البحث بإرسال مبلغ محدد مقابل النشر في هذه المجلة. وفي العادة يلجأ بعض طلبة الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) إلى هذه المجلات الوهمية لتحقيق شرط رئيسي من شروط السماح للطالب بالتقدم لمناقشة الرسالة / الأطروحه ألا وهو أن يقوم بنشر بحث من هذه الرسالة قبل السماح له بتحديد موعد لإجراء المناقشة، وبالتالي ما على الطالب إلا البحث – وبمساعدة زملائه الذين سبقوه في هذا المجال – عن هذه المجلات وإرسال بحثه لها، ومن ثم ترسل له المجلة إشعاراً بقبول البحث للنشر في العدد القادم. وفي هذا المجال، فإن ما يقوم به الطالب يمارسه أيضاً بعض أعضاء هيئة التدريس من أجل التقدم للترقية العلمية، والأنكى من ذلك فإن بعض أعضاء هيئة التدريس يشترون أبحاثاً محكمّة جاهزة وباللغتين من هذه المجلات الوهمية التي تمارس عملها من تحت الأرض. وفي هذا المقام يقول مبيضين (2018): “كيف يمكن أن نقتنع بأن مجلة محلية تقبل في شهر واحد مائة بحث للنشر، وكيف ترسل بحوث لمجلة يقال أنها رصينة ويقبل البحث خلال أسبوع، وغالباً ما ينظر في مواعيد الإرسال والقبول من لدّن المقيمين فالبحث المستعجل هو الذي يحظى برعاية ووصايا البؤساء وأعوان اللصوص، فيكون أشبه بوجبة سريعة تصلك عبر الدليفري”.

وفي الختام نأمل أن نكون قد وفقنا في تسليط الضوء على بعض المسائل التي تؤرق النخبة الأكاديمية من أعضاء هيئة الدريس في جامعاتنا الأردنية والتي يقلقها مسائل مثل: الأمانة العلمية والسطو الأكاديمي، وانتشار مكاتب بيع خدمات البحوث والرسائل الجامعية، ودور النشر الوهمية. وفي الوقت ذاته، يجب أن لا ننكر أو نتجاهل بأن العديد من الزملاء في الجامعات الأردنية يتمتعون بالأمانة العلمية والأخلاق الأكاديمية العالية، والنزاهة والشفافية والكفاءة العلمية، والأهلية للإشراف على الرسائل الجامعية وغيرها، وبالتالي يربأون بأنفسهم عن سلوك الممارسات المذكورة أعلاه. كما أننا وفي نهاية هذه المقالة نوصي بتشكيل مجالس عليا بمسمى “أخلاقيات البحث العلمي”، وتكون على مستوى الجامعة والكليات أيضاً.

مراجع البحث:

المراجع العربية:

التريكي، مالك (2017). البحث العلمي عندنا: مضحكات مبكيات، صحيفة القدس العربي الإلكترونية، لندن، بريطانيا.

جامعة الزقازيق (2015). دليل أخلاقيات البحث العلمي، كلية التمريض، جامعة الزقازيق، مصر.

الخصاونة، أنيس (2018). الإقبال على شراء الشهادات والحصول على الدكتوراه الفخرية، صحيفة عمون الإلكترونية (16 كانون الأول 2018).

رداد، أشرف منصور (2017). السرقات العلمية في المكتبات الجامعية: دراسة مسحية لمكتبات الجامعات المصرية، المجلة المصرية لعلوم المعلومات، مج (4)، ع (2).

الزعبي، أحمد حسن (2011). أبحاث دكتوراه وماجستير جاهزة للبيع لدى مكاتب خدمات جامعية “لويش الغلبة”. جريدة الغد (23 تشرين أول 2011).

عايش، حسني (2013). تاريخ الفساد الجامعي في أميركا، صحيفة الرأي الأردنية، عمان، الأردن.

عبدالعزيز، سامي (2014). في معنى البلاجياريزم، صحيفة المصري اليوم، القاهرة، مصر.

مبيضين، مهند (2018). لصوص الأبحاث وأبحاث الدليفري، صحيفة الدستور، عمان، الأردن.