وليد حياصات: لا يمكن أن تسكتنا بعض الأصوات العالية المطالبة بإلغاء مهرجان جرش للثقافة والفنون لهذا العام بحجة الأوضاع في غزة. ومن المفيد أن نرد على هؤلاء بأن الفعل الثقافي والتواجد الكبير لقامات فكرية وأدبية وشعرية وفنية ومسرحية في هذه التظاهرة الحضارية، يعكس الصورة الزاهية للأردن في قدرته على تنظيم مهرجان جرش الذي شكل هوية ثقافية وإنسانية للأردن، من خلال ما يتم تنظيمه من فعاليات ثقافية ذات قيمة، والتي لا يمكن أن يقتصر الحديث عن المهرجان في إطار ما يقدم من حفلات غنائية، ربما يكون بعضها غير مناسب مع ما نعيشه من حرب إبادة على الأهل في غزة، وبالتأكيد لا أحد ينتظر ذلك.
إلا أن مهرجان جرش بصبغته الثقافية العالمية واستحضار العديد من الثقافات حول العالم للمشاركة في هذا المهرجان وتقديم كل دولة ثقافتها من خلال ما تقدمه من عروض فلكلورية وأدبية وشعرية، يعد بوابة كبيرة للتواصل مع العالم والتفاعل مع ثقافات الدول المشاركة. وهذه قيمة مضافة، لا تقف عند المشاركة، بل تتعداها إلى ما يحققه المهرجان من أثر اقتصادي على مستوى الترويج السياحي للأردن من خلال نقل تجربة ممثلي الدول المشاركة إلى بلدانهم والفائدة الكبيرة لمثل هذه التظاهرات الثقافية العالمية.
استطاع مهرجان جرش أن يحفر اسمه بأحرف من ذهب على خارطة المهرجانات العالمية، ويحرص أغلب نجوم الفن والشعر والنثر على أن يحجزوا مقعداً لهم فيه، بالنظر لما يمثله من فرصة ظهور مثالية أمام الجمهور الأردني والعربي والعالمي وتتناقل وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية أخبار المهرجان وتسلط الضوء على نوعية المشاركات المتنوعة. على الجانب الآخر فإن مهرجان جرش يعتبر بوابة للعديد من أصحاب الحرف اليدوية والمشاريع الإنتاجية المنزلية لعرض أعمالهم، مما يسهم في تعزيز الجانب الاقتصادي التنموي لهذا المهرجان.
ولا يمكن أن نغفل أثر المهرجان ومشاركة مشاريع إنتاجية منزلية وحرف يدوية في فتح آفاق واسعة أمامهم لتطوير مشاريعهم والحصول على دعم من المؤسسات التي تدعم مثل هذه المشاريع وفي مقدمتها “جيدكو” هذه المؤسسة التي لها بصمات واضحة في دعم أبناء المجتمع المحلي وتطوير وتنمية مشاريعهم، بالإضافة إلى المؤسسات الدولية التي تدعم مثل هذه المشاريع.
مهرجان جرش للثقافة والفنون تظاهرة ثقافية يستطيع الجميع استثمارها وتجييرها لصالح القضايا الوطنية والقومية من خلال الإسهام الوافر لمفكرين وأدباء وشعراء وفرق فنية، ولطالما كانت الكلمة والموسيقى اللغة التي تصل إلى كل الشعوب بدون أي عوائق، وتترجم الحالة الحضارية للشعوب. كما أن مهرجان جرش وعلى مدار دوراته السابقة أفرد مساحة واسعة لمعاينة القضية الفلسطينية ومعاناة شعبه تحت الاحتلال الصهيوني من خلال عقد ندوة القدس والتي تستقطب أبرز المفكرين في العالم العربي للحديث عن القضية وإرسال رسائل للعالم حول صورة الاحتلال الإسرائيلي البشعة للأراضي الفلسطينية والآثار المدمرة للاحتلال على الإنسان الفلسطيني، والمطالبة دوماً بأن ينال الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على أراضيه المحتلة في الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس المحتلة.
ولا يمكن أن نفرط بخسارة العديد من الندوات الثقافية وجلسات الشعر والأدب التي تعالج مختلف القضايا الوطنية والقومية، والتي تستحضر قيمة وقيم الأردن ومحيطه العربي والإسلامي. إذاً لا يمكن تهميش كل هذه المعطيات التي يوفرها مهرجان جرش، وحصر الحديث عن المهرجان فيما يتعلق بالحفلات الغنائية لفنانين أردنيين وعرب، ويمكن أن يتم تخصيص هذه الدورة من المهرجان لحفلات غنائية ملتزمة بعيداً عن الصخب الذي لا يبدو أنه في وقته وأوانه إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من تقتيل وتدمير. لذلك نقول إن شعلة مهرجان جرش للثقافة والفنون لا بد أن تظل مشتعلة ومضيئة، لنقول للعالم إن الأردن بإرثه التليد، لديه حاضر ومستقبل ورسالة حضارية وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.