موسى العدوان
في كتابه بعنوان ” حصاد الزمن الصعب ” الذي صدر عام 2016، يقول رئيس وزراء الأردن الأسبق دولة السيد طاهر المصري، ما يلي وأقتبس :
” وعلى امتداد هذه المسطرة القيمية، فإن ارتفاع منسوب الفقر والفقراء في المملكة، أدى أيضا وبالضرورة الحتمية، إلى تذويب الطبقة الوسطى في المجتمع الأردني، الذي وجد نفسه محاصرا بين طبقتين، طبقة تملك السلطة والمال، وطبقة أخرى تخضع لشروط وظروف الفقر، وقضاء اليوم في البحث عن المعونات لسدّ رمقها.
الاستقطاب أمر لم يكن معروفا في المجتمع الأردني، فجاء هذا الاستقطاب الحادّ، الاقتصادي والاجتماعي، لينتج طبقة تبدو جديدة كليا على المجتمع الأردني، هي طبقة ( الجياع ) التي تمثل نسبة تتزايد في المجتمع. وهي الطبقة التي ستشكل لاحقا، الخطر الأكبر على الدولة وعلى استقرارها، إذا لم نبادر إلى معالجة مشكلة الفقر، وتأمين مشاريع ووظائف لمئات آلاف الشباب العاطلين عن العمل، وتوزيع مكاسب التنمية على كل الفئات والمحافظات، والحد من أثر تلك العوامل، والآفات التي أبتلي بها المجتمع مؤخرا.
ومع ازدهار ( الواسطة )، وهي من أكثر الممارسات ضررا في المجتمع، تَرسّخ في ذهن شرائح واسعة من المواطنين، أن الدولة ليست لهم ولن تكون، بل هي حكّر على فئة قليلة من الناس. ولم تلتفت الحكومات في حينه إلى معاني وتداعيات تدفق العمالة الوافدة، على الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وهو الأمر الذي كان من المفترض أن تقوم به الحكومات منذ عقود من الزمن. وأمام اتساع مساحة الفقر، فإن التداعيات التي تتبَعها بالغة الخطورة هي الأخرى. أهمها أن مفاهيم المجتمع تتغير، وتصبح منظومات المجتمع الأخلاقية والقيمية مختلفة.
إن وضعنا الداخلي في هذا الجانب يتدهور ويتراجع بشكل كبير، وحالة الإنكار التي يعيشها المسؤول، أدت إلى فقدان ثقة المواطن بالسياسات والمسؤولين على حد سواء. وأن تحالفات السلطة والمال، وشيوع مفاهيم خاطئة عن أن السلطة تجلب المال، والمال يجلب السلطة، هما جزء لا يتجزأ من المفاهيم والقيم، التي تبرر الاعتداء على المال العام، وبروز ظاهرة الفساد المالي والسياسي معا، والترهل الإداري. وقد جاءت كلها نتيجة سياسات خاطئة، لم تتم مراجعتها وتقييمها في أوانها . . . ” انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
1. لقد قدم رئيس الوزراء الأسبق المفكّر طاهر المصري، تحليلا واقعيا للوضع القائم في المجتمع الأردني قيل أربع سنوات، حيث كانت الأوضاع المالية والاجتماعية للمواطنين الأردنيين مقبولة إلى حد ما في ذلك الحين، ولم تُتّخذ الإجراءات اللازمة لمعالجة تلك الأوضاع الشاذّة من قبل الحكومات اللاحقة.
2. بل على العكس من ذلك فلم تعمل الحكومات المتلاحقة، على ترشيد الاستهلاك الحكومي، إذ نجد أن عدد الوزراء قد تضاعف، وأن عدد النواب والأعيان قد وصل إلى 180 عضوا، بدل أن يكون نصف هذا العدد على الأكثر، وأن عدد المؤسسات الخاصة الموازية للوزارات ما زالت على حالها، والمديونية العامة تنمو وتتضخم يوما بعد يوم.
3. وفي هذه الظروف المصاحبة لجائحة كورونا، والتي ازدادت بها الأوضاع الاقتصادية سوءا، وانتشرت بها البطالة والفقر وآفات المجتمع المختلفة، إضافة لتعثر الكثير من الشركات والمصانع الكبيرة والصغيرة، فإننا لم نسمع من المسؤولين إلاّ الوعود والخطابات الإنشائية، دون عمل حقيقي يُنقذ البلاد من مآزقها المتعددة. وهذا بلا شك ينذر بالخطر الداهم، الذي حذّر منه رئيس الوزراء الأسبق دولة السيد طاهر المصري، وأرجو الله أن لا يحدث