وطنا اليوم:اتسم الاقتصاد الوطني، على مدى ربع قرن مضى بجملة من الملامح، تمثلت بالمنعة والتكيف والقدرة على التجديد والمبادرة، والاعتماد على الذات، والحفاظ على سياسة نقدية حصيفة، تسنده رؤية ملكية ثاقبة وانتقال كبير نحو العالمية.
وتمكن الاقتصاد الوطني أن يتجاوز العديد من التحديات الكبيرة، والتكيف مع الظروف الاستثنائية وتداعياتها، وأن يجدد نفسه ويندمج في العالم الجديد ومتغيراته، ويحافظ على الاستقرار النقدي ومستويات جيدة من الاحتياطيات الأجنبية وصلت اليوم إلى حوالي 18 مليار دولار.
واستطاع الأردن التقاط مفاتيح الازدهار عبر تحديث القطاعات الإنتاجية والخدمية ورفد الاقتصاد بقطاعات جديدة وزيادة الاستثمار، فيما تضاعف الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من القرن الحالي 5 مرات، حيث سجل عام 1999 ما قيمته 7.12 مليار دينار، بينما وصل في 2022 إلى 34.54 مليار دينار بالأسعار الجارية.
ووضع الأردن على رأس اهتمامه في مطلع القرن الجديد، الاقتصاد بقمة الأولويات، حيث كرس جلالة الملك عبدالله الثاني جهوده من أجل التحديث الاقتصادي وبناء نموذج اقتصادي يتمتع بالفعالية والكفاءة قائم على الاستثمار بالإنسان، إلى جانب تعزيز منعة المملكة وصمودها وسط ظروف صعبة ومحيط مضطرب.
وقال رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الدكتور موسى شتيوي، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن الأعوام الخمسة والعشرين الأخيرة، تعد من أهم الفترات الزمنية في تاريخ الأردن والمنطقة عموما، لوجود عدد من الأزمات، منها الأزمة المالية العالمية وما سمي بالربيع العربي وجائحة فيروس كورونا، وغيرها من الصعوبات الخارجية التي انعكست على البلاد، وآخرها العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة.
وأضاف إن الاقتصاد الوطني واجه كل تلك الصدمات منذ عام 2009، بروح من المنعة والتكيف، بعد أن شهد نموا كبيرا خاصة في الفترة بين الأعوام 2003- 2009، محافظا على نسب نمو معقولة في ظل الأوضاع الإقليمية، وعبر المرحلة بسلاسة رغم وجود بعض التأثيرات السلبية.
ولفت إلى التحولات الاقتصادية التي وثقها كتاب “الانتقال الكبير” الصادر صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية بمناسبة اليوبيل الفضي لجلالة الملك، عبر ثلاث مراحل، الأولى منذ 1999-2009، وهي مرحلة النمو الاقتصادي الكبير، والإنجازات، والثانية خلال 2010-2020، والتي تزامنت مع أزمة جائحة كورونا وما خلفته من تداعيات في مختلف المجالات، والثالثة مع بدء المئوية الثانية بمشاريع الإصلاح الثلاثة.
واستشهد الدكتور شتيوي بالنموذج الأردني في إدارة أزمة جائحة كورونا، الذي يحتذى به، خاصة أن الاقتصاد الأردني خرج منها بالتعافي والانتقال لمرحلة جديدة.
وقال إن جلالة الملك أطلق في بداية المئوية الثانية للمملكة، مشروعا نهضويا متكاملا من خلال مسارات الإصلاح والتحديث الثلاثة، راسما الخطوط العريضة الرئيسة للمستقبل الذي يراه جلالته للأردن في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف “إن تنفيذ ما تضمنته الخطط التحديثية الثلاثة، ينقل الأردن لمرحلة متقدمة” مشيرا إلى مفهوم الاعتماد على الذات الذي يعد مفصلا مهما في التوجه التنموي الوطني.
وأوضح أن الأردن اعتمد عبر تاريخه على المساعدات الخارجية، إلا أن توجيهات جلالته بضرورة إدراك التغيرات الحاصلة إقليميا وعالميا، وتعزيز مفهوم الاعتماد على الذات تدريجيا، والاستفادة من الطاقات البشرية، دفع للتركيز على القطاعات ذات الأولوية والقيمة المضافة، بدءا من الصناعة والزراعة والأمن الغذائي، وهو ما بدأت المملكة تجني ثماره بنحو مميز على أرض الواقع.
وأشاد بالنجاحات التي حققها البنك المركزي الأردني، عبر سنوات ممتدة من خلال الموازنة بين الاحتياجات، والتحديات التي عصفت بكثير من المراحل، ما حافظ على الاستقرار النقدي، وقيمة الدينار، ومستويات الاحتياطات النقدية الأجنبية.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي ومدير عام غرفة صناعة عمان، الدكتور نائل الحسامي، إن الاقتصاد الوطني استطاع أن يكون منيعا ومتكيفا من خلال مواجهته للعديد من الأزمات، أهمها الأزمة الاقتصادية العالمية التي رافقت سياسة مالية متشددة في ذلك الحين، خوفا على الاحتياطيات النقدية، وآثارها بقيت ممتدة حتى عام 2019.
وأضاف إن الاقتصاد الوطني واجه بعدها أزمة كبيرة ثانية، وهي جائحة كورونا التي خلفت مشاكل اقتصادية عميقة وهيكلية، من خلال مفهوم اللجوء الاقتصادي، الأول للعمالة غير المدربة والمؤهلة، والثانية التضخم والعادات الاستهلاكية والسلوكية الاقتصادية الجديدة التي فرضها وجود الحرب العراقية والأزمة السورية وغيرها.
وأشار إلى أن الربيع العربي الذي يعد من أصعب التحديات على الجانب الاقتصادي التي واجهها الأردن، بسبب تعطل حركة الصادرات والمستوردات وإغلاق الحدود مع سوريا والعراق، إلا أن الأردن استطاع التوجه نحو أسواق غير تقليدية وجديدة.
ولفت إلى قدرة القطاع الخاص، خاصة الصناعي على مواجهة العديد من التحديات التي خلفتها كل تلك الأزمات، خاصة على صعيد ارتفاع تكاليف الإنتاج، وديمومة الصناعة وتنافسيتها، واستيعاب العديد من الصدمات، عبر التكيف معها واعتماد جملة من الحلول الداخلية.
وبين أن الأردن أثبت قدرته على التعامل بمرونة خلال جائحة كورونا من خلال الاعتماد على الذات، وزيادة الإنتاج المحلي من مختلف السلع، واستحداث خطوط إنتاجية جديدة، ساهمت في تحقيق صمود اقتصادي، والحيلولة دون أن تتعمق الأزمة أكثر.
وأكد أن القدرة على التجديد والمبادرة، هي سمة بارزة للاقتصاد المحلي عبر سنوات عديدة، تظهر جليا في التنوع الاقتصادي في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، وعبر مبادرات للتغلب على أي عوائق داخلية وخارجية.
وقال “إن الاعتماد على الذات، مفهوم يقاس بمدى قدرة الاقتصاد على توفير الاحتياجات الداخلية، في أوقات الأزمات، وهو ما أثبته الاقتصاد الأردني في العديد من المجالات، خاصة أن نحو 45 بالمئة من الاحتياجات الاستهلاكية للأفراد هي من الصناعة الأردنية”.
وأكد الدكتور الحسامي وجود قوى بشرية محلية مؤهلة في مختلف المجالات، ما يعزز الاعتماد على الذات، وتحقيق الأمن، خاصة الغذائية، والسياسة النقدية الحصيفة التي ضخت سيولة كبيرة، أسهمت في الحفاظ على ديمومة عمل العديد من القطاعات، وحمتها من التراجع.