وطنا اليوم – من المقرر أن تشرع حركة حماس، مع بدايات الشهر القادم، بإجراء انتخاباتها الداخلية التي اعتادت الحركة على عقدها بسرية، لاختيار قيادة جديدة للحركة، تقودها خلال الأربع سنوات القادمة، وعلى رأسها انتخاب زعيم الحركة الجديد، حيث يتكشف ذلك مع خروج أحاديث للعلن وللمرة الأولى، دعا أصحابها لتجديد نمط القيادة التقليدي.
انتخاب قيادة السجون
فبعد الإعلان الشهر الماضي، عن اختيار قيادة جديدة لأسرى حركة حماس في سجون الاحتلال، بدأت الدلائل تشير إلى اقتراب موعد إجراء الانتخابات العامة لقيادة الحركة، التي تحافظ حماس على إجرائها بسرية، مرة كل أربع سنوات، حيث أعلنت بدايات ديسمبر الماضي لجنة الانتخابات المركزية لأسرى الحركة في سجون الاحتلال، عن نتائج انتخابات الهيئة القيادية العليا لدورة 2020 – 2021، وقد كشفت عن فوز الأسير سلامة القطاوي رئيسًا للهيئة القيادية العليا خلفًا للأسير محمد عرمان، إضافة إلى الأسير عبد الناصر عيسى نائباً و14 أسيرًا كأعضاء في الهيئة، وقد جرت الانتخابات حسب اللوائح التنظيمية المعمول بها لدى أسرى الحركة وشملت السجون والمعتقلات كافة، حيث أفرزت نتائج الانتخابات هيئة تنظيمية جديدة مكونة من عضوية 11 أسيراً، يضاف إليهم أمراء أكبر أربعِ سجون هي (النقب، عوفر، ريمون، مجدو) ليصبح عدد أعضاء الهيئة 15 عضواً.
وفي ذات السياق، قالت اللجنة “إن باقي أعضاء الهيئة المنتخبين هم الأسرى: معمر الشحروري، محمد عرمان، منير مرعي، مصعب أبو شخيدم، عبد الناصر عيسى، أشرف الزغير، حسن سلامة، إسلام جرار، سليم حجة، جمال الطويل، لافتة إلى أن الهيئة التنظيمية الجديدة دورتها مع بداية شهر يناير 2021 لتكمل رسالتها تجاه الأسرى في قلاع الأسر كافة.
وحسب ما يعرف في اللوائح الانتخابية الخاصة بالحركة، فإن إفرازات انتخابات السجون تعد جزءا من السلم القيادي للحركة، حيث يكون رئيس الهيئة القياديّة العليا لحماس داخل السجون ونائبه عضوان في مجلس الشورى العام، وهو الإطار التنظيمي الذي يختار أعضاء المكتب السياسي، أعلى جهة قيادية فيها.
وباتت الأنظار بعد عقد الانتخابات في السجون، موجهة إلى ساحات عمل الحركة التنظيمية وهي قطاع غزة التي تعمل فيها الحركة بحرية، كونها المسيطرة على الأوضاع كاملة منذ العام 2007، وفي الضفة الغربية، حيث تحيط عملها بسرية شديدة بسبب الاحتلال، وفي ساحات الخارج، حيث للحركة العديد من المكاتب العلنية في عدة عواصم عربية وإقليمية، وهذه الساحات إلى جانب السجون، تفرز في النهاية قيادة الحركة الجديدة، سواء مجلس الشورى العام، أو المكتب السياسي العام، والمكاتب السياسية الفرعية في غزة والضفة والخارج.
مجلس الشورى رفض التأجيل
وفي هذا السياق، كشف مصدر قيادي في الحركة لوكالة “معا” المحلية، أن مجلس الشورى العام للحركة رفض بشكل قاطع طرح تأجيل الانتخابات الداخلية للحركة، بعد أن طرحت بعض القيادات، التأجيل للتفرغ للانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني لكن مجلس الشورى رفض الأمر.
مؤشرات لبدء العملية في غزة والضفة والخارج أوائل فبراير بعد اختيار قيادة الحركة في سجون الاحتلال
وهذا الأمر إلى جانب أحاديث تشير إلى أن الانتخابات التي تدوم لأسابيع وربما أكثر من شهرين بسبب أوضاع الحركة خاصة في الضفة والخارج، يؤكد أن الحركة ستسير بتجاه الانتخابات الداخلية بموازاة التحضير للانتخابات البرلمانية.
وقد كان رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، قال إن حماس لم تغيب استحقاقها الداخلي، وجددت مجالسها الشورية والقيادية كل أربع سنوات مهما كان الأمر، لافتا في تصريحات نقلها موقع الحركة الرسمي، إلى أن الاستحقاق الداخلي ظل ملتزما ومقدسا لدى حماس إيمانا بها بشرعية الانتخاب، ومعبرة بالفعل عن قواعدها، وقوية بقرارها، وهي مستندة لهذا العمق في قواعدها وأبنائها، مشيرا إلى التزام الحركة الحديدي بالشورى والانتخاب والديمقراطية، التي قال إن الحركة نعتبرها جزءًا من نجاحها وضمان استمرارها في المسيرة، مؤكدا أيضا أن أي قيادة تنتخب هي موضع ثقة لدى أبناء الحركة.
جدير ذكره أنه مع انتهاء الانتخابات الداخلية، في غزة والضفة والخارج، تقوم الحركة بالإعلان عن المكتب السياسي الجديد، ووفق نظام الحركة الداخلي، لا يوجد نظام يتيح للأفراد بالترشح مباشرة، حيث يتم اختيار القيادات المنتخبة عن طريق الاختيار دون ترشح ممن يحق لهم التصويت، وتبدأ الانتخابات باختيار قيادات المناطق، ومن ثم اختيار قيادات ساحة كل منطقة، وكذلك اختيار مجلس شورى الحركة، الذي يضع سياسات الحركة العامة.
وبسبب هذا النظام الانتخابي الخاص بحركة حماس، دون غيرها من التنظيمات الفلسطينية، لا يعرف بعد، من سيكون على رأس قيادة حماس في القترة المقبلة، ولا الشخصيات القيادية التي ستعمل في المكتب السياسي العام، كما لا يعرف إن كانت الانتخابات الجديدة، ستبقي على الأسماء القيادية الحالية، أم ستأتي بأسماء جديدة، على غرار الانتخابات الأخيرة، التي وصل خلالها إلى المكتب السياسي وجوه جديدة، وشهدت منذ 20 عاما، انتخاب إسماعيل هنية، قائدا جديدا للحركة، بدلا من رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، خاصة وأن مشعل بات بإمكانه العودة للتنافس على قيادة الحركة من جديد، كونه ترك الموقع، بعد توليه القيادة لفترتين متتاليتين، ووفق ما أعلنت الحركة سابقا، فإنه يتوجب تغيير من يقود الحركة في المكتب السياسي العام، أو في المكاتب السياسية الفرعية، إذا ما أتم دورتين انتخابيتين.
بقاء هنية أو عودة مشعل
لكن يظل حسب ما يتردد وجود احتمالين قويين، بشأن قائد الحركة السابق، وهما إما بقاء هنية لدورة قادمة على رأس الحركة، مستندا إلى تجربته السابقة التي امتدت أربع سنوات، وشهدت تغيرات كبيرة، وما سبقها من قيادته للحركة في قطاع غزة، وكذلك قيادته حكومة الحركة وقائمة حماس في الانتخابات البرلمانية عام 2006، أو أن يعود من جديد خالد مشعل لزعامة الحركة، مستندا هو الآخر لتجربته الطويلة في قيادة حماس، والتي امتدت لنحو 20 عاما، تمكن خلالها من المحافظة على قوة الحركة، رغم الخروج من الأردن عام 1999، وما تلا ذلك من الخروج من سوريا بعد نشوب الثورة، وإعادة تمركز الحركة في قطر وتركيا.
يظل حسب ما يتردد وجود احتمالين قويين، إما بقاء هنية لدورة قادمة أو أن يعود من جديد خالد مشعل لزعامة الحركة
والمعروف أن هنية يتواجد حاليا في الخارج، بعد أن غادر القطاع، عبر الأراضي المصرية في أول جولة خارجية له، في شهر ديسمبر من العام 2019، حيث لم يعد من وقتها إلى القطاع، ويتوقع حال اختياره على رأس الحركة من جديد، أن يبقى في الخارج.
وستشمل الانتخابات كذلك اختيار قيادة حماس في غزة، والتي يترأسها حاليا يحيى السنوار، وكذلك قيادة حماس في الخارج التي يقودها ماهر صلاح، وكلاهما عضوان في المكتب السياسي العام، ومن الممكن أن يبقى الرجلان في منصبهما لفترة أخرى.
وقد انتهجت حماس سياسة تقوم على اختيار نائب رئيس الحركة من الضفة حال كان رئيس الحركة من غزة، كما هو الوضع حاليا، حيث يشغل صالح العاروري منصب نائب الرئيس، فيما توكل ذات المهمة لقيادي من غزة، حال كان قائد الحركة من الخارج، كما في فترة تواجد مشعل في زعامة الحركة، حيث كان هنية يشغل منصب النائب، ومن قبله موسى أبو مرزوق.
وكان آخر مكتب سياسي للحركة برئاسة هنية، أعلن عن انتخابه في مايو من العام 2017، حين جاء الإعلان وقتها عن تركيبة الحركة الجديدة، بعد أيام قليلة من إعلان الحركة وثيقتها السياسية الجديدة، ووقتها أعلنت الحركة في تلك الوثيقة، استبعاد ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، وتعريف نفسها على أنها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية، كما أعلنت قبولها بدولة فلسطينية على حدود 67، وأكدت تمسكها بمنظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرتها الإطار الوطني للشعب الفلسطيني.
مطالبات داخلية بالتغيير
لكن ما ينتظره الفلسطينيون حاليا، كون أن الحركة باتت مكونا أساسيا في العمل السياسي، بعد فوزها في آخر انتخابات برلمانية أجريت عام 2006، هو معرفة إن كانت القيادة الجديدة ستكون تقليدية، واختيارها سيكون على ذات النهج السابق، أم ستشهد اختلافا، بظهور أسماء جديدة، لها ارتباط بـ “الواقع السياسي”، وقادرة على بناء استراتيجيات، تمكن الحركة من مواجهة جملة التحديات الداخلية والخارجية، كما أشار إلى ذلك اثنان من قادة الحركة السياسية، الذين تقلدوا مناصب هامة، وهما الدكتور غازي حمد، والدكتور أحمد يوسف، واللذان دفعا في مقالات نشرت قبل أيام، باتجاه الضرورة للتجديد، وعدم الإبقاء على الوضع التقليدي في الشكل القيادي.
وفي مقال للدكتور حمد، القيادي السياسي في حماس والذي يشغل حاليا منصب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة، التي تديرها الحركة، بعنوان “انتخابات حماس، بين النمطية التقليدية والتجديد المطلوب”، دعا بشكل مباشر إلى تغيير النمط التقليدي لقيادة الحركة، وكتب في مقاله المطول “مطلوب من الحركة أن تقف وقفة جادة وتعمل على مراجعات حقيقية لسياساتها وأدائها، وتعرف في أي مربع تقف والى أين تتجه ومتى ستصل، وتفسح المجال أمام الخروج عن المسار والنمط التقليدي الذي دأبت عليه منذ عقود، وبداية ذلك إجراء تغيير داخلي جوهري”.
ويؤكد حمد أن الوقت حان لـ “كسر التقليد والذهاب باتجاه التغيير والصراحة والجرأة والعمل النوعي”، وأضاف مخاطبا من يحق لهم الانتخاب في حماس “من الخطأ حصر انتخابات حركة كبيرة وذات تاريخ وحضور شعبي ووطني في (جدر) حزبية محضة أو لمجرد تمرير قيادات تقليدية، أو أن يكون الهم الأكبر أن تنهي حماس انتخاباتها بسلام”، لافتا إلى أن هناك من يريد إبقاء الانتخابات “نمطية تقليدية منغلقة”.
وقد دعا الرجل إلى توعية وتثقيف قاعدة حماس، والتي قال إن ثقافتها انحصرت “في حدود المدرسة الإخوانية التي قصرت -عموما- عن خلق تجربة ناضجة في إدارة الحكم والدولة ومعالجة القضايا السياسية الكبرى بمهنية واحتراف”، معتبرا أن إعادة (تأهيل) قاعدة حماس “فكريا وسياسيا” تعد “نقطة قوة في خلق حركة متجددة ذات إبداع”، وكتب يقول “قاعدة حماس، وبعد 33 عاما من العمل التنظيمي والسياسي والاجتماعي، لم يتبلور لديها فكر أو رأي في توسيع أفقها الانتخابي، من حيث فتح باب التنافس الإبداعي بين الأعضاء، في طرح الرؤى والأفكار، والمزاحمة في إصلاح الوضع الحركي، أو المدافعة في اجتراح معالجات وطنية ذات جدوى”.
وفي دعوة مماثلة للتغيير، كتب أحمد يوسف القيادي السابق في حماس، والذي شغل منصب مستشار هنية عام 2006، كتب مقالا جاء فيه “للأسف، رغم المناشدات والاقتراحات التي يتم طرحها بخصوص انتخابات الحركة وضرورات تطوير آليات المفاضلة والقياس، إلا أن أحداً لم ينجح في فرض شكلٍ مُعدَّل أو جديد مما تمَّ عرضه للمساهمة في العثور على تلك “المسطرة الذهبية”، التي تتضح معها معايير قياس النجاح أو الفشل في إدارة شؤون الحركة، والتي أثبتت آلياتها الحالية أنها لا تصلح للمعاينة والقياس، حيث أكل عليها الدهر وشرب”، معتبرا أن “مخرجاتها لا تتجاوز إلا تكريس شخصيات لا نعرف كيف نُقيِّم أداءها”، ويتابع “يبقى التساؤل المشروع لكلِّ كادر في الحركة: على أيِّ أساس نبني خياراتنا؟ وكيف بإمكاني أن أصوّت لشخصٍ تاريخي تتفاوت تقييماتنا له، وأن كلَّ الذي نعرفه عنه أنه خطيبٌ مفوه، أو داعيةٌ أخذ السجن من عمره سنينا”، وطالب بأن يعرف المنتخبون قدرات عطاء المرشح للمنصب الفكري وحضوره الإقليمي والدولي، وما يمتلكه من تجربة ورؤية نضالية للخلاص الوطني، كاشفا بأن ما تحدَّث به غازي حمد يمثل “دردشات مجالس أغلب نخب الحركة الفكرية والنضالية”.