في الوقت الذي “تكيّف” فيه العالم، لربما، مع مشاهد الدم والدمار والخراب، اليومي في غزة، فإن الأردن كان، وما زال، عكس كل الدنيا، فوجع غزة اليومي ما زال يدمي قلوب الأردنيين، فيما الماكنة السياسية والدبلوماسية التي يقود، حتى أدق تفاصيلها، الملك عبدالله الثاني بن الحسين، لم تكف عن العمل بحثاً عن مخرج يحقن دماء أهلنا في غزة الحبيبة، وفي كل فلسطين “التوأمة”.
وفي حين أن عناوين عمان الأساسية ما زالت ثابتة منذ انطلاق العدوان على القطاع وأهله، وانفلات قطعان المستوطنين على أهل الضفة الغربية، فإن المتغير الطارئ الآن هو التحذير الشديد من استمرار العدوان حتى شهر رمضان المبارك، والذي بات يدق الأبواب، ففي هذه الحالة، وحسب تحذير الملك الصريح والواضح، فإن احتمالات توسع رقعة الحرب كبيرة جداً، ففي هذا الشهر، شهر العبادات وصلة الأرحام والتقرب الى الله تعالى، لن يقبل أي مسلم وقوع الضيم والظلم على أخيه المسلم في أية بقعة كانت على وجه البسيطة، فكيف الحال إذن والمسلمون يشاهدون دماء أخوانهم في غزة تُراق ظلماً وبهتانا، ويسكتون!
ولعل أن الملك قد ارتكز بالفعل الى هذه القراءة العميقة، فهو زعيم عربي مسلم ويعلم ويعرف تماماً ماذا يعني شهر رمضان المبارك، وأي المكاسب التي يرنو إليها المسلم من تقربه الى ربه، ولعل لا رضى رباني يمكن أن يكون أكبر مكسباً من أن ينصر المسلم أخيه؟!
فيما مضى حذر الملك من أن استمرار التنكر لحق الفلسطينيين في “الدولة” والعيش بكرامة وعزة، لن يولد إلا مزيداً من العنف، وأن استمرار الظلم لن يقبل به الفلسطينيون الأحرار، وفي الوقت الذي لم يلمس فيه كبار قادة العالم جدية التحذير الملكي، فإنهم ندموا لاحقاً، ولكن بعد فوات الأوان، وعليه فإن على العالم أن يسمع الآن بتركيز أكثر، وبتجاوب أسرع وقبل أن “يفوت الفوت”، وعندها لا ينفع الندم.
الملك عبدالله الثاني، وكما عادته بالصراحة والوضوح، فقد حذر من وقف الدعم الدولي لوكالة الأونروا، في الوقت الذي أكد فيه على أن الأردن سيواصل تقديم المساعدات الانسانيه والإغاثية والطبية لأهلنا في غزة.
وفي رسالة واضحة إلى الأمة العربية وقادتها، فقد شدد الملك على ضرورة إدامة التنسيق العربي خلال الفتره المقبله لوقف اطلاق النار والعدوان على غزة.
بقي أن نقول أن هذا ديدن الهاشميين، وديدين الأردن والأردنيين الذين يجنحون للحكمة والسلام طالما أن بلادنا بخير، وطالما أن باب الحل الدبلوماسي ما زال مفتوحاً ولو في أقل الحدود، ولكن إن تطلب الأمر أكثر، فتلك تكون مرحلة “الوطن” الذي يستحق تقديم الغالي والنفيس، وفي المقدمة منها “الأرواح”.