وطنا اليوم:لا مكان داخل المستشفيات الحكومية اللبنانية للعلاج، فجميع الأقسام والأسرَة مشغولة بمرضى كورونا، وإذا قدَر الله وأصبت بالفيروس فعليك الاختيار، إما الانتظار في طابور قد لا ينتهي، وإما البحث عن مكان شاغر في رصيف محاذٍ للمستشفى؛ علك تحظى بجرعة أكسجين.
الكارثة الصحية التي يعيشها لبنان أدت إلى تسجيل أعداد قياسية لمصابي كورونا، خصوصاً بعد ليلة رأس السنة، إذ تعدت عتبة 5000 مصاب يومياً، هذه الزيادة أدت إلى انهيار القطاع الطبي في البلاد، والذي لطالما حذر من تداعيات عدم الإغلاق التام فترة الأعياد.
فوضى في المستشفيات
بلغت المستشفيات سعتها القصوى، وبالأخص المستشفيات الحكومية التي كانت أساساً تعاني من مشاكل قبل جائحة كورونا، فلا أسرة شاغرة في أقسام العناية المركزة؛ ما أدى إلى امتلاء هذا القسم الضروري، حتى أصبح الوضع لا يُحتمل لاستقبال مرضى غير المصابين بكورونا.
المدير العام بمستشفى رزق (المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأمريكية)، الدكتور جورج غانم، كشف أن الوضع الصحي الكارثي ليس فقط في مستشفى رزق حيث يشتغل؛ بل بمعظم المستشفيات في لبنان، مضيفاً أن “الوضع أصبح كارثياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
وقال الدكتور غانم في تصريح ، إن “المرضى يتلقون العلاج على أبواب المستشفيات إلى حين إيجاد سرير فارغ، ولأن الصليب الأحمر يبذل جهداً أيضاً لإيجاد مستشفى يستقبل المرضى، أصبحوا يضعون المريض على الأرصفة وعلى باب المستشفى؛ كي لا يموت معهم في السيارة، لأن إمكانات سيارة الإسعاف محدودة مقارنة بحالة المريض”.
وأضاف المتحدث أنه “في قسم العناية المركزة ما زالت لدينا لائحة انتظار فوق 40 شخصاً، وعندما نجد سريراً نتصل مع المريض الأصغر لا الأكبر، نعم وصلنا إلى هذا الحد”، مضيفاً أنه “في الأيام المقبلة سيضعون خياماً خارج المستشفى وسيحاولون إيصال الأكسجين بجدران المستشفى؛ كي يتمكنوا من إيصال الأكسجين للمرضى، كما أن معظم المرضى الماكثين في الطوارئ تتراوح أعمارهم بين الأربعين والتسعين سنة”.
تدهور الوضع الصحي بمستشفى رزق الحكومي لا يختلف عن حال مستشفى رفيق الحريري، أو ما يُعرف أيضاً بمستشفى بيروت الحكومي، فالمرضى ينتظرون بالطوابير كي يخضعوا لفحص كورونا، أما قسم الطوارئ فقد بلغ حده الأقصى.
وكشفت تيريز غبار، الممرضة في قسم الطوارئ بمستشفى رفيق الحريري، في تصريحها ، أن “المريض الذي يصل إلى الطوارئ ولديه نقص حاد في الأكسجين إما أن يرسلوه إلى مستشفيات أخرى وإما أن يضعوه على لائحة الانتظار إلى حين تأمين سرير”، مضيفةً أن “تخصيص المستشفيات الحكومية لعلاج كورونا سيف ذو حدين، لأن هناك مرضى آخرين، كالمصابين بسرطان ومرضى غسيل كُلى وهذه هي مستشفياتهم”.
وأشارت المتحدثة إلى أن الصليب الأحمر اللبناني يتلقى أكثر من 4000 اتصال يومياً لنقل مرضى كورونا، كما أنهم من بداية يناير/كانون الثاني 2021 نقلوا أكثر من 1200 حالة إلى المستشفيات عدا الذين يحاولون نقلهم من مستشفى إلى آخر.
رحلة البحث عن سرير
يعيش المصابون بكورونا في لبنان أزمة إنسانية تبدأ بعملية البحث عن مكان شاغر للعلاج، فالمحظوظ هو من يجد الطابور قصيراً على سرير داخل المستشفى الحكومي، أو داخل وحدة العناية المركزة، فغالبا بعد نقلهم بسيارات الصليب الأحمر يكون الجواب عند باب المستشفى: “عفواً ما في محل، ما فينا نستقبل”.
هذا ما حدث مع ديما ديب، عندما أدركت أن والدتها المصابة بفيروس كورونا قد تدهورت حالتها الصحية، حينها بدأت معركة الألف ميل لتأمين مكان شاغر داخل المستشفى الحكومي، أو حتى أسطوانة أكسجين؛ لمنع رئة والدتها من التضرر من آثار الفيروس.
تقول ديما : “بداية، انزعجت أمي من نفسها وبدأت تتعب، ومن ثم أصبح مستوى الأكسجين في الدم يلامس السبعين، وهنا أدركت خطورة الأمر، بعدها أصبحت حرارة جسم أمي منخفضة جداً وشفتاها زرقاوان، كان الوضع مخيفاً”.
أخذت ديما والدتها إلى مستشفى رزق الحكومي وسط بيروت، حينها وجدت أعداد الناس المنتظرة في الخارج كبيرة جداً وهي واحدة من المنتظرين، فألحَّت في طلبها لإدخال والدتها للعلاج، لكن كان الجواب: “لا يوجد هناك سرير فارغ”، رغم المحاولات التي بُذلت للبحث عن مكان في مستشفى آخر، لكن دون جدوى.
الأولوية للوزير!
وأمام الوضع الكارثي للقطاع الصحي بلبنان، تعيش طبقة غنية في ظروف غير تلك التي يعيشها عامة الشعب، إذ كشفت إصابة وزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن ونجله بفيروس كورونا، اختلاف طرق العلاج بين المرضى في لبنان.
الوزير الذي لطالما أشاد بعمل المستشفيات الحكومية، اختار فور إصابته مستشفى سان جورج الخاص التابع لحزبه، رغم أن حالته الصحية كانت جيدة جيداً، في الوقت الذي لم يجد فيه المواطنون الذين تدهورت حالتهم الصحية بسبب كورونا، نصف السرير الذي تم توفيره للوزير ونجله.
مَن السبب.. الشعب أم الدولة؟
بعد ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا بشكل كارثي، خصوصاً بعد حفل رأس السنة، إذ بقيت المطاعم والفنادق وأماكن السهر مفتوحة ومتاحة للجميع، ظهر جدل حول ما إذا كانت الدولة هي السبب الأساسي في الكارثة التي يعيشها الشعب اللبناني، أم أن الشعب نفسه هو المسؤول.
يقول الدكتور جورج غانم، مدير مستشفى رزق الحكومي وسط العاصمة اللبنانية بيروت، في حديثه ، إن “مسؤولية الكارثة الصحية التي تقع في لبنان الآن، ملقاة على عاتق الدولة والمسؤولين، لا سيما الوزارة التي تخلَّت عن مسؤولياتها في الفترة الأخيرة”.
وأشار المتحدث إلى أن “الوزير الوصيَّ على قطاع الصحة، كما اللجان المُتتبعة للوضع الصحي ولانتشار فيروس كورونا، كانوا يعطون الشعب (أملاً بلا ثقة)، لأنه لم يكن هناك وجود لأي خطة فعالة وناجحة لمحاربة الفيروس، أو حتى تطويقه”.
وتابع المتحدث: “كون هذه الكارثة تحتاج لجاناً مصغرة تستطيع إدارة الأزمة بحرفية، أما في لبنان فتوجد عديد من اللجان غير المتناسقة وغير المتجاذبة وذلك لأسباب سياسية، لذلك كانت الخطط دائماً غير فعالة وغير مُجدية، كما أنها لم تُحضر لما بعد الإقفال التام بالشكل المناسب، هذا الإقفال الذي كان من المفروض أن يمتد لثلاثة أسابيع وليس لعشرة أيام فقط”.
في السياق ذاته أكد الدكتور غانم أن “الشعب لا يلام في الكارثة الصحية التي يعيشها لبلنان، فهذا شعب يائس لا يهمه أي شيء، مع العلم أن ذلك لا يبرر نهائياً سهرات رأس السنة التي كانت مكتظة بشكل غير مقبول”.
لقاح كورونا.. الصحوة المتأخرة
ما زال لبنان ينتظر الدفعة الأولى من لقاح كورونا، إذ أتى قرار استيراد اللقاح، من داخل مجلس النواب، الذي أقر قانوناً لشراء التطعيم من شركة “فايزر” الخاصة، مقابل ذلك لم تكن للجنة الخاصة بمتابعة فيروس كورونا أي دراية بهذا الموضوع أيضاً.
رغم أن هذه الصحوة أتت متأخرة، فإن مدير مستشفى رفيق الحريري، الدكتور فراس أبيض، أكد عبر موقعه على تويتر، أن هذا لن يؤخر وصول اللقاح إلى لبنان، لأن الموعد المحدد من قِبَل وزارة الصحة هو فبراير/شباط.
ومع ذلك، فإن معظم دول العالم بدأت باللقاح، أقله للطاقم الطبي وكبار السن، أما في لبنان فعندما يأتي ستتلقاه الطبقة السياسية أولاً، والشعب اللبناني آخراً، ليستمر سيناريو إهمال الشعب وتصنيفه كمواطنين فئة ثانية، لا بل ثالثة.