وطنا اليوم:فرَّ عشرات الآلاف من النازحين الفلسطينيين من خان يونس خلال الأيام الأخيرة، عبر “الممر الآمن” الذي وعدهم به جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن الشهادات المتواترة تشير إلى أن الممر لم يكن “آمناً”، فقد فُصل النازحون الرجال عن النساء، وجُردوا من ملابسهم وتعرضوا للتنكيل والإهانة، وأُجبر الأهالي على ترك عائلاتهم خلفهم، وأُرغموا على ترديد شعارات مناهضة للمقاومة وحماس، حسب ما أفاد به موقع Mekomit الإسرائيلي.
وتتعرض مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة منذ أسابيع لقصفٍ إسرائيلي عنيف من الجو والبر، وتدور معارك ضارية بين جيش الاحتلال ومقاتلي المقاومة الفلسطينية. فيما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في وقت سابق بأن جيش الاحتلال تمكن من تحييد قدرات حماس في المدينة، وهو تصريح مماثل لذلك الذي أصدرته إسرائيل من قبل بشأن سيطرتها على مدينة غزة في الشمال، ثم تبين بعد ذلك أنه غير صحيح.
وهاجمت دبابات الاحتلال الإسرائيلي اثنين من أهم المستشفيات التي لا تزال تعمل جزئياً في جنوب غزة: “مجمع ناصر الطبي”، و”مستشفى الأمل”. وفتحت النار على ما يزيد على 8 آلاف نازح احتموا بالقرب من مستشفى ناصر. فيما توغلت دبابات الاحتلال الإسرائيلي في محيط جامعة الأقصى على الطرف الغربي من المدينة، بالقرب من منطقة المواصي التي أعلنت إسرائيل سابقاً أنها ستكون “منطقة آمنة” للنازحين، وهاجمت مركز تدريب تابعاً للأونروا، وهو أحد أكبر الملاجئ في قطاع غزة بأكمله.
انتهاكات بحق النازحين في جنوب غزة
كما وزع جيش الاحتلال منشورات تأمر السكان بإخلاء مخيم خان يونس، وفي الأيام الأخيرة فرَّ نحو 120 ألف شخص من المدينة عبر ما زعمت إسرائيل أنه “ممر آمن” يمتد من الجزء الغربي من المخيم إلى منطقة المواصي بالقرب من جامعة الأقصى. لكن كثيراً من الفلسطينيين، الذين اضطروا إلى النزوح عبر هذا الممر، والعبور من 3 مواقع تفتيش عسكرية أقيمت عليه، شهدوا بأن هذا النزوح كان من أصعب المحن التي تعرضوا لها منذ بداية الحرب.
قال النازحون في شهاداتهم إن قوات الاحتلال الإسرائيلي أجبرتهم على الهتاف بشعارات مناهضة لحماس، وصادرت كثيراً من ممتلكاتهم، وفصلت الرجال عن عائلاتهم، وجرَّدتهم من ملابسهم، ومارست الانتهاكات بحقِّهم طيلة ساعات. وفي غضون ذلك، ظل آلاف من السكان والنازحين محاصرين في البيوت والملاجئ وعاجزين عن مغادرتها خشية أن يطلق الإسرائيليون عليهم النار في الشوارع.
فيما قالت ابتسام إن جيش الاحتلال قصف شقة مجاورة للشقة التي لجأوا إليها في خان يونس من مدينة غزة، ثم تتابع القصف وطال شقتين أخريين في شارعهم وأكثر من 20 شقة سكنية في حي الأمل، وتناوبت الدبابات الاحتلال المتمركزة بالقرب من مستشفى الأمل على إطلاق النار صوب المساكن، وكانت الطائرات المسيَّرة تراقب الشوارع وتطلق النار على الناس باستمرار.
وأشارت ابتسام إلى أن جيش الاحتلال وزع منشورات على المدارس في منطقة مستشفى الأمل يأمر فيها آلاف النازحين بإخلاء مواقع لجوئهم. ثم وصلت سيارة تابعة للصليب الأحمر وأعلنت عن فتح “ممر آمن” لعبور النازحين.
تروي ابتسام أن الطريق احتوى على 3 حواجز لجيش الاحتلال. وقد انهال الجنود على النازحين طوال الطريق بالإهانات والشتائم وتعرضوا للسباب الفاحش -الموجه إلينا وإلى أمهاتنا- من ضابط يتحدث العربية. واستغرقت رحلة نزوح ابتسام وأطفالها نحو ساعة ونصف، أما زوجها فلم يصل إليهم إلا بعد نحو 9 ساعات.
قالت ابتسام إن جنود الاحتلال في نقطة التفتيش الأولى أمروهم برفع بطاقات الهوية، والتقطوا صوراً لهم، وقد جرى ذلك بينما تضيق الدبابات على النازحين وتحاصرهم بالاقتراب نحوهم.
وفي نقطة التفتيش الثانية، فصل الجنود النازحين من الرجال عن النساء وأمروهم بالركوع. ثم بدأ أحد الضباط بإلقاء المحاضرات علينا، وإلقاء اللوم على حماس في تهجيرنا وتدمير منازلنا وما نتعرض له من خوف، وما نكابده من شقاء البحث عن مأوى.
ثم أمر الضابط النازحين بترديد شعارات مناهضة للمقاومة إذا أرادوا المرور سالمين، ومنها: “الشعب يريد إسقاط حماس”؛ و”لا نحتاج إلا إلى الله الذي هو خير دواء للخلاصِ من حماس ومن كتائب القسام”. وأصر الضابط الإسرائيلي على أن يكرر الناجون كلمات المرور هذه، ولم يسمح الجنود للنساء والأطفال بالمرور إلا بعد أكثر من 45 دقيقة، أما الرجال فاحتجزوهم في الخلف.
وعند الحاجز الثالث، قال جندي لابتسام إن عليها أن تترك حقيبة أمتعتها، التي كانت تحتوي على كل ما تملك، ومنها البطانيات والملابس لعائلتها.
ثم أمرها بأن تودع أطفالها وتتركهم يعبرون الحاجز قبلها. ولكنها رفضت، خشية أن تفقد أثرهم وسط الحشد، ثم سُمح لها في النهاية بمواصلة الطريق معهم. لكنّ هناك نازحين آخرين فقدوا أثر أطفالهم. ولم يُسمح لزوج ابتسام بالانضمام إلى أسرته إلا بعد ساعات، وبعد التعرض لوابل من التنكيل والإذلال، وقد انتظر الأسرى طوال هذا الوقت في أجواء ممطرة وباردة.