وطنا اليوم:منعت قوات الأمن التونسي الخميس بضع عشرات من المحتجين من التوجه إلى شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، تنفيذا لقرار الإغلاق التام الذي فرضته اعتبارا من اليوم، ولمدة أربعة أيام لمكافحة وباء كوفيد-19، الذي يتزامن مع الذكرى العاشرة لسقوط نظام زين العابدين بن علي، وقد اعتاد التونسيون إحياءه كل سنة في هذا الشارع.
ونشرت قوات الأمن متاريس على طول الشارع، وأغلقت الممرات الفرعية المؤدية إليه.
وحاول العشرات من الأشخاص الذين أصيبوا خلال الاضطرابات التي رافقت ثورة 2011 وأفراد من عائلاتهم خرق حظر التجول، والتجمع في شارع الحبيب بورقيبة، لكن قوات الأمن منعتهم من ذلك.
ويطالب جرحى الثورة منذ عشر سنوات بإدراج أسمائهم بشكل رسمي في الجريدة الرسمية كاعتراف من الدولة بما قدموه للثورة، والحصول على التعويضات المترتبة على ذلك.
وردد المحتجون “هذا حجر سياسي، وليس حجرا صحيّا”.
ودعت منظمة “العفو الدولية” الخميس قوات الأمن التونسية والقضاء إلى التعاون من أجل محاكمة من تسبب في قمع المحتجين خلال انتفاضة 2011 الشعبية التي أطاحت بنظام ابن علي.
وتجول بعض الصحفيين والمصورين في الشارع الذي تجمع فيه في 14 كانون الثاني/يناير 2011 آلاف المحتجين المطالبين برحيل زين العابدين بن علي. واعتاد التونسيون العودة إليه كل سنة في مثل هذا التاريخ، غالبا للتذكير بمطالب الثورة.
وقال رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علاء الطالبي “كان من المفروض النزول للاحتجاج في شارع الحبيب بورقيبة (في وسط العاصمة التونسية) للمطالبة بالمزيد من العدالة الاجتماعية؛ لأن الحكومات التي تعاقبت منذ العام 2011 لم تهتم بهذا المطلب”.
واستدرك “لكن (…) الأزمة الصحية شديدة ويجب اتخاذ إجراءات قوية”.
وسجلت البلاد الثلاثاء 71 وفاة و3632 إصابة جديدة. وحذّر العديد من المسؤولين في القطاع الصحي من مشاكل في توفير أسرة الأكسجين والإنعاش في عدد من المستشفيات في المحافظات.
وكتبت صحيفة “لا برس” الحكومية الخميس “يجب أن نكون جد متفائلين لكي نصدق أن تونس على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف الثورة”.
ويشعر العديد من التونسيين بالإحباط تغذيه نسبة البطالة المرتفعة، والتضخم وتدهور القطاع الصحي. وفاقمت تداعيات الوباء الوضع الاقتصادي الصعب، وخسرت البلاد عددا كبيرا من الوظائف.
“إحباط” و”فخر”
في 14 كانون الثاني/يناير 2011، وبعد أسابيع من احتجاجات سلمية كانت بدأت إثر إقدام بائع الخضار المتجول الشاب محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده في محافظة سيدي بوزيد (وسط) المهمشة، تجمع الآلاف من المتظاهرين أمام مقر وزارة الداخلية التونسية وفي شارع الحبيب بورقيبة. وغادر ابن علي في تلك الليلة تونس نحو السعودية حيث عاش في المنفى بضع سنوات بعيدا عن الأضواء، قبل أن يتوفى في 2019.
وتمكنت تونس، وحدها بين ما صار يعرف بدول “الربيع العربي”، من مواصلة مسار الانتقال الديمقراطي، بينما دخلت الدول الأخرى إما في فوضى وغياب للأمن، أو عادت إلى أنظمة متسلطة تحكم فيها السلطة بقبضة من حديد.
وهنأ رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي في بيان الخميس الشعب بالذكرى، وأكد “أنه ملتزم بحماية مكتسبات ثورتنا وحماية حريتنا وتحقيق الكرامة كاملة لشعبنا”.
وهنأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تونس بالذكرى العاشرة. وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان الخميس، إن “الشعب التونسي غدا نموذجًا لمنظومة ديمقراطية تضم الجميع، يحترم دستورها حقوق المرأة والأقليات وحرية التعبير”.
ويقول الطالبي “يمكن أننا محبطون، ولكن هذا لا يعني أن هناك إحساسا بالندم. عشر سنوات، هذا قليل لتغيير نظام جاثم منذ عقود. يمكن أن نفتخر بالتقدم الذي حصل”.
ويعلل كلامه قائلا “أرسينا نظاما سياسيا جديدا، وتوافقنا على دستور بالرغم من أنه لم يُفعّل كليّا واحترمنا آجال الانتخابات”.
ويتابع “اليوم يجب أن يكون هناك انتقال اقتصادي”.
واستنفدت تونس التي يعتمد اقتصادها على المانحين الدوليين إلى حد بعيد، في الربيع الماضي برنامجا للدعم منحه صندوق النقد الدولي، دون أن تتمكن من النهوض باقتصادها وإصلاح القطاعات الحيوية فيه.
وأثّر الوباء بصفة مباشرة على قطاع السياحة الذي يعتبر ركيزة للاقتصاد ومصدرا للعملة الصعبة، وأصبح هذا القطاع يعاني من أزمات متواصلة منذ العام 2011 إلى اليوم، وخسر كثيرون من العاملين في المنشآت السياحية وظائفهم التي كانت تعيل عشرات العائلات.
في موازاة ذلك، تعطلت أنشطة استخراج الفوسفات والنفط في ولايات مثل قفصة وتطاوين (جنوب) بسبب الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بالتشغيل وتحسين البنية التحتية داخل هذه الولايات المهمشة.
في المقابل، تعيش الطبقة السياسية تناحرا وصراعات متواصلة على السلطة، ويتهمها بعض التونسيين بخدمة مصالح فئات معينة من المجتمع على حساب البعض الآخر.
“يؤمن بالثورة”
وإزاء انسداد الآفاق، وارتفاع البطالة، ارتفعت أعداد المهاجرين غير القانونيين من تونس في اتجاه السواحل الإيطالية، وسجلت أرقاما قياسية منذ العام 2011. ويُشكل المهاجرون التونسيون أكبر عدد بين جنسيات المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا العام الماضي (نحو 38%).
وتفيد أرقام وزارة الداخلية الإيطالية أن 12883 تونسيا وصلوا إلى إيطاليا في العام 2020، أي قرابة خمسة أضعاف مقارنة بعددهم في العام 2019.
ويعتبر مركز دراسات “ترانسناشونال” في أمستردام أن الحكومات التسع المتعاقبة “وجدت صعوبة في إحداث توازن بين مصالح النخبة التقليدية وباقي المواطنين المهمشين”.
ويغذي الإحساس بالإحباط والخذلان بعض الحنين إلى النظام القديم، ويعمل بعض السياسيين على دعم هذا التوجه، مثل “الحزب الدستوري الحر”.
لكن الطالبي يؤكد أن “الشباب الذي ترعرع في الحرية لا يزال يؤمن بالثورة”.
أ ف ب