د. عادل يعقوب الشمايله
في أوقاتِ التهديداتِ الخارجية وما يصاحبها من اخطار مصيرية، فإن خيط المسبحة هو ما يستحق أولوية التركيز والاهتمام والتمتين.
فالقبائلُ المتشنجةُ المتشاحنةُ التي يغلبُ على سلوكياتها “الخبط عشواء” والتي ترى أن لها حقوقاً تاريخيّة تسبقُ إنشاءَ الدولة لا يجوز المَسَّ بها، تبيحُ لها نهبَ المالِ العام ورفضَ دفعِ الضرائب والرسوم وأثمان السلع والخدمات التي تقدمها الحكومة، إضافةً الى قناعِ التمردِ والتنمرِ تحتَ تهديد السلاح، والى جانبها في المشهدِ العام ِجهوياتٌ متناقضةٌ إقصائيةٌ إحلاليةٌ تتغذى على كره الاخرين والتقريب والابعاد بدوافع الجغرافيا والدم، تمارسُ الغزوَ على المكاسبِ وخاصةً المناصبَ الحكوميةَ بإعتبارها المغارف من طنجرة المنافع العامة.
-الفريقين القبليةُ والجهويةُ لا يتشكلُ منهما شعب.
في هذه الحالةِ، فإن افراد القبائل والجهويات هم مجردُ سكانٍ على الارض التي يطلق عليها وطن وليست بوطن وإنما هي ارضٌ محتلةٌ تاريخياً. وأن قيمتهم المضافة لا تختلف عن القيمة المضافة للجراد والدبابير.
وعندما ينتفي وجود الشعب بناءاً على الاسباب التي ذكرت، ينتفي وجود الدولة ايضا لغياب ركنٍ اساسي من اركانها وهو الشعب.
ونظراً لأن الشعبَ هو أحدُ المكونات الاربع لوجود الدولة الى جانب الارض والحكومة والسيادة ، فإنَّ تقبل الشعبِ أو رضوخه لمنهجية التغييب، وتجريده من آليات المشاركة في صنع السياستين الخارجية والدفاعية، إضافة الى تجريده من المشاركة في صنع السياسات العامة الاخرى التي تقود الاجهزة الحكومية ومثال ذلك سياسات الطاقة والمياه والتعليم والصحة والثقافة والاوقاف والسياسات النقدية والمالية بسببِ تفردِ السلطة التنفيذية برسم السياسات واتخاذ القرارات او بتحويل مجلس النواب الى مجردِ بصيمٍ، وشاهد ما شفش حاجه، او بالسماح لأشخاص او مؤسسات ان تتحول الى مراكز قوى فوق القانون، عندها ينتفي ركنُ السيادة وينتفي وجودُ الدولةِ أيضاً بالمفهوم الدستوري. لأن الدولةَ الحديثةَ هي دولةُ مؤسساتٍ ودولةُ قانون، وأنَّ الشعبَ هو مصدرُ السلطات. أي أنَّ الشعب هو من يمنح ويمنع، وأنَّ الشعب هو من يفوض عن نفسه من يحكم، وأنَّ حقوقَ الشعبِ وافرادهِ هي حقوقٌ أصيلةٌ لا تُمنحُ ولا تُصَادرُ.
من حقِ الشعبِ بل من واجبهِ ايضاً أن ينهض لمقاومة أي مساس بسيادته وحقوقه وأن لا يَنِخّْ، وإلا فإنه لا يستحق الوطن ولا الدولة ولا السيادة ولا الكرامة ولا الحقوق.
كما أن على الشعب أن لا يسمحَ لقوىً غيرَ دستوريةٍ أنْ تُحَرِكهُ وتوجههُ كما تحرك وتوجه الطائرات الورقية، خاصة عندما يكون التحريك والتوجيه يخدم فقط مصالح تلك القوى واجنداتها الداخليةِ والعابرةِ للحدود.
مصالحُ الشعبِ لا تُقَررُ على منابر دور العبادةِ ولا من خلال الشعارات والصرخات العاطفية التي تَعُجُ بها الشوارع ايام الجمع. فقد قدم العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وافغانستان ومصر عبدالناصر ثمنا باهظاً لغوغائية الشارع، ودروسا لا يجب أن تُنسى في الدمار والخراب والخضوع لأوامر القواعد العسكرية القادمة من الدول المتربصة التي تُخفى نواياها الحقيقية بعد تحقق الانكسار.