محمود عطاالله كريشان
«لنا يا قدسُ فيكِ دَمٌ زَكِيٌّ
وإنْ يَغْلو.. فليسَ عليكِ يَغْلو».. هذا الصباح المنذور لمن اذاقوا عدونا الصهيوني صليات النار وفتكوا بقطعان جيش العدو الغاشم.. انه صباح قائد كتيبة الحسين الثانية الرائد الركن منصور كريشان ابومازن الذي مضى بكتيبة الجنود والزنود فارسا قادما من شموخ معان، ليختار ان يمنحنا كبرياء الموقف وصفحة بهية من الشهادة.. وصوته يصل بين الدم والارض..بين الحياة والشهادة..بين القدس والكرامة..وهو يقول لبني صهيون: لا.. حتى امتزج دمه الارجواني بثرى الوطن.. وتسري في عروقه رعشة عشق للثرى العربي الفلسطيني الطهور.
ممنوع الانسحاب
وفي هذا السياق يقول احد جنود الكتيبة الحاج انيس قاسم محمد الطبر متقاعد من القوات المسلحة الاردنية وهو من قرية سيل الحارثية في جنين، ان الرائد الركن الشهيد منصور كريشان ابى الا ان يخوض المعارك تلو المعارك، حتى صعد شهيدا، ليزف فوق ثرى قرية ام قيس في معارك الاستنزاف التي خاضها الجيش العربي الاردني في مواجهة العدو الصهيوني العام 1968، مشيرا الى ان طائرة اسرائيلية مقاتلة نوع سكاي هوك استهدفت تحديدا بصواريخها سيارة الروفر التي كانت تقل الشهيد كريشان.
واضاف لـ»الدستور» ان الرائد منصور كريشان وفي حروب الجيش العربي في القدس واثناء اشتعال المعركة كان ينادي بأعلى صوته الهادر على الجنود ويدعوهم للثبات وهو يصرخ قائلا: اثبت يا عسكري.. عرضنا.. مقدساتنا.. ارضنا.. ممنوع الانسحاب.. قاتلوا العدو الغاشم..
أباد ثلاث كتائب من العدو
ولان الشهيد كريشان كان وفيا للعقيدة والجهاد ومقاتلا عنيدا، بارادة صلبة يلين لها الصخر ولا تلين، فقد شمخ بكتيبته التي كان يقودها في معركة الدفاع عن القدس في حزيران 1967، وتصدى بعناد صاحب الحق للألوية الاسرائيلية المتقدمة، وتمكن من اعاقة تقدمها لمدة ثلاثة ايام، وقد استطاع حينها ابادة ثلاث كتائب هي عبارة عن لواء كامل من المظليين كان يقوده القائد الصهيوني مردخاي غور، ليفتك بهم، ويذيقهم نيران الرصاص الاردني، ولم يتمكن اي جندي صهيوني من دخول المدينة المقدسة الا على اشلاء كتيبة الحسين الثانية، التي لم يتبق منها الا 43 مقاتلا من اصل 500 مقاتل، إذ اطلق على هذه الكتيبة لقب ام الشهداء.
هذه القصة
وعن «فارس القدس» قائد كتيبة الحسين الثانية الالية الشهيد البطل الرائد الركن منصور كريشان «ابومازن» يقول الشيخ عادل شفيق المحاميد ابن شقيقة الشهيد منصور كريشان، وهو من الاشخاص الذين عاشروا الشهيد، قال انه واثناء خوضه لمعركة المكبر في القدس ونظرا لعدم وجود اسناد للكتيبة، التي عانت انذاك من قلة العتاد، اضطر للانسحاب بجنوده مرغما، امام قوة العدو الضاربة والتي تفوقهم اضعافا، تحت ضغط زملائه خاصة انه كان راغبا في الشهادة ويسعى لنيلها ، في اي معركة يخوضها، الا انه وبعد عودته ، بادر زملاؤه في الجيش بتهنئته لعودته سالما، لبلده واهله، ليرد عليهم متألما، وحروف تحشرجت في حلقه «اي سلامة تلك التي تهنئونني فيها..فالقدس راحت»..!
شهداء في المسجد الحسيني
ايضا قائد كتيبة الحسين الثانية الرائد الركن منصور كريشان وابطال من رفاقه في الكتيبة التي اطلق عليها لقب كتيبة أم الشهداء، عندما كانت مواجهة في منتصف شهر شباط 1968 قبل معركة الكرامة بشهر حيث تصدى رجال هذه الكتيبة الباسلة لقطعان العدو الصهيوني بمواجهة عُرفت بمعركة الثماني ساعات بمنطقة ام قيس في شمال الاردن، حيث استشهد قائد الكتيبة الرائد الركن منصور كريشان وستة من رفاقه هم: العريف محمود عيد قاسم النسور، الجندي اول عوض محمد ابراهيم الجراح، الجندي منير احمد ابراهيم المصري، الجندي احمد حسن عبدالرحمن، الجندي محمد عقلة مصطفى عبدالرحمن، الجندي احمد عبدالله حسين، الجندي علي حسين علي العمري.
وشهدت مناطق وسط البلد يوما تاريخيا خالدا عندما شيعت الجماهير والجنود جنازة الشهداء من المسجد الحسيني الكبير في مراسم شعبية حاشدة، حيث اكتظت الجموع فوق الابنية المحيطة وضاقت شوارع عمان القديمة بالآلاف من الذين شاركوا في تشييع جثامين الشهداء الابطال الذين تصدوا لقطعان العدو الصهيوني وقد اقسموا وتعاهدوا ان لا تطأ اقدام العدو الثرى الاردني الطهور.