وطنا اليوم:يحمل الناشط الاجتماعي اللبناني، طارق أمون، فأسه ويتوجه يومياً منذ بداية سبتمبر الماضي إلى أحراج بلدته “إيزال” في قضاء الضنية، شمالي البلاد، لجمع ذخيرة تمكنه وعائلته من مواجهة برد فصل الشتاء المقبل، إذ أن حاله مثل معظم جيرانه الذين لم يجدوا أمامهم خيارا سوى قطع الأشجار للتدفئة، لعدم قدرتهم المادية على توفير وسائل التدفئة الأخرى.
وكانت المدافئ التي تعمل على المازوت، والتي كانت تجتمع حولها العائلات في المناطق الجبلية خلال فصل الشتاء، قد أمست من الماضي، وذلك مع وصول سعر برميل ذلك الوقود إلى 190 دولارا.
وبحسب أمون، فإن ذلك البرميل بالكاد يكفي لمدة شهر، وعليه فإن “رب الأسرة يحتاج إلى إنفاق 370 دولارا لو اختار هذه الوسيلة من التدفئة”.
ويوضح أمون، أن إقدام غالبية سكان بلدته على “قضم المساحة الخضراء في مناطقهم أمر يحزنهم”، مستدركا: “لكن الوضع الاقتصادي المزري فرض علينا ذلك، فهو الذي يقف خلف تدمير أحراج وغابات لبنان، حتى بتنا أمام مجزرة بيئية بكل ما للكلمة من معنى”.
وضرب مثلا، فقال: “قريتنا فقدت أحد أكبر أحراجها، البالغة مساحته حوالي 20 ألف متر مكعب، وبالتالي تحول إلى مساحة جرداء بعد أن كان يضم نحو مليون ونصف المليون شجرة صنوبر، مما يشير إلى حجم الكارثة التي حلّت بالمكان”.
وحتى طبيعة لبنان لم تسلم من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد منذ عام 2019، إذ تكالبت، بحسب خبراء، العديد من العوامل إلى جعلت من الأشجار على مختلف أنواعها، الوسيلة الوحيدة للبنانيين لحمايتهم من الموت برداً أو جوعاً، حيث يُستخدم حطبها لإعداد الطعام، وإن كانت التكلفة البيئية والصحية لقطعها كبيرة.
ويأتي في مقدمة تلك الأسباب، انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وانخفاض قيمة رواتب الموظفين، وارتفاع سعر المازوت، وهو الوقود الرئيسي للتدفئة، وكذلك فاتورة المولدات الخاصة الباهظة، وذلك في ظل التقنين القاسي لكهرباء الدولة ورفع تعرفتها بصورة خيالية.
والمؤسف، والكلام لأمون، أن “البعض اتخذ من التحطيب مهنة، فالعاطل عن العمل يجد في الأمر تجارة مربحة، بعدما وصل سعر الطن منه إلى 200 دولار، كما أن من لا يكفيه مردود عمله اتخذ من بيع الحطب عملا جانبيا لسدّ عجز مدخوله، والنتيجة خسارتنا يومياً رقعة خضراء جديدة، ومعها الطيور التي كانت تستظل بها”.
“مافيا الحطب”
من جانبه، يؤكد رئيس حزب البيئة العالمي، دومط كامل، أن “لبنان يواجه موجة قطع أشجار لم يشهد لها مثيل في تاريخه”.
واستطرد موضحا أن ذلك يحدث “سواء بسبب الفقر، حيث تحتاج العائلة يومياً إلى 50 كيلو حطب، أو مافيات منتشرة في مختلف الأراضي اللبنانية، تبيع ما تقطّعه إما حطباً بسعر 200 دولار للطن الواحد، أو بسبب الحاجة إلى نشارة لمزارع الدواجن والأبقار بسعر 250 دولارا للطن الواحد”.
كما تطرق كامل إلى “الغابات التي تُقطع للتفحيم، وهي تجارة مطلوبة ومربحة جداً، مع العلم أنه يمكن لشخص واحد أن يقطع يومياً ما بين 3 إلى 5 أطنان من الحطب، أي ما قيمته نحو 1000 دولار”.
ووفقا لكامل، فإن “مافيات الحطب لا تميز بين الأشجار المعمّرة كاللزاب والشوح، وغير القابلة للتجدد كالصنوبر والشربين، والتي يمكن تشحيلها، وعليه تحدث إبادات جماعية بحق الأشجار في مناطق جبلية عدة، لا بل إن بعض المافيات تنزع جذوع الأشجار، منتهزة فرصة عدم قدرة الأجهزة المختصة على ملاحقتها بسبب نقص عديدها وعتادها، رغم الجهود الكبرى التي تبذلها”.
في منطقة عكار المكسوة بالأحراج في شمال لبنان، يفاقم شح المياه وارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات المتكررة معاناة سكان يرزحون أساسا تحت وطأة انهيار اقتصادي تطغى تداعياته على قضايا التغير المناخي.
وكشف آخر إحصاء بشأن مساحة الغابات في لبنان، أُعد عام 2005، أن الغابات “تغطي أكثر من 13 في المئة من مساحة الأراضي اللبنانية، في حين أن الأراضي الحرجية الأخرى تمثل نسبة 11 في المئة من المساحة الإجمالية، مما يعني أن حوالي ربع مساحة لبنان هي غطاء حرجي”.
وعهد قانون الغابات، إدارة قطاع الغابات والأحراج الخاصة والعائدة للجمهورية اللبنانية والبلديات، إلى وزارة الزراعة الممثلة بمديرية التنمية الريفية والثروات الطبيعية، وهي تضم دائرة الأحراج والتحريج والاستثمار والمراعي وحرّاس الأحراج.
وبحسب مديرها، شادي مهنّا، فإن الأشجار “تنقسم إلى قسمين، ورقية كالسنديان والملول والعفص والغار، وصمغية كالصنوبر واللزاب والأرز والشوح”.
وأردف: “بحسب القانون، فإن الأشجار الصمغية محمية، وبالتالي يمنع قطعها إلا في حالات استثنائية، منها حالة البناء المرخص، والأشغال التي تقوم بها مؤسسة عامة كشق أوتوستراد (طريق سريع)، وإذا كانت السلامة العامة تستدعي ذلك كإمكانية سقوط شجرة على بناء”.
ويشرح مهنّا ، أن “الرخص التي يمكن الحصول عليها من وزارة الزراعة، تقتصر على رخصة التشحيل، وهي رخصة استثمار كون الغابات مصدر رزق، ورخصة التفحيم لإنتاج الفحم”.
وتابع: “نحن نحدد المكان والكمية وكيفية إتمام العملية للمحافظة على استثمار مستدام للموارد الطبيعية. يبدأ موسم التشحيل في سبتمبر ويستمر إلى أبريل، وهو ضروري لإعادة تجدد الغابات وحمايتها من الحرائق، أما موسم التفحيم فيستمر من أكتوبر إلى يونيو”.
ونبه إلى أن المشكلة “لا تكمن في الأشخاص الذين يحصلون على رخصة لتشحيل وتفحيم الأشجار، بل بمن يقطعون الأشجار بصورة مخالفة للقانون، وخاصة المافيات التي زادت مخالفاتها بشكل كبير في السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب الطلب الكبير على الحطب، والكارثة الأكبر أنها تنقله من منطقة إلى أخرى”.