بقلم: حنا ميخائيل سلامة نُعمان
مع تقدم التقنيات العلمية ومهارات العمل على أجهزة الحواسيب المختلفة وتطبيقاتِها، وبرمجيات شبكات التواصل وأنظمتِها، نجدُ فئات متخصصة تقوم وبأساليب غِشٍ ماهرة بفبركة وتركيب ودبلجة أشرطةِ تسجيلٍ لنشر أخبار ومعلومات مُلفَّقَة مُضَلِّلِة، تُزَيَّفُ فيها الحقائق، وتُقلَبُ فيها الوقائع، فيتلقفها البُسطاء والسُّذج، بل وَيَحسبها المرء غير المُتمعن وغير المُلِمِّ عن عُمقٍ ودرايةٍ بحقيقة الأمور ومُجريات الأحداث موثقةً وصحيحةً سليمة، فيقوم بنشرها على وجه السرعة على صفحات التواصل الاجتماعي أو يمررها من خلال الهاتف إلى مجموعات الأصدقاء والمعارف فينشغلون بتداولها والحديث عنها والتعليق عليها، وربما أخذ بعضهم مواقفَ على ضَوءِ ما فيها!
ومِن تلك الأشرطة ما يكون بغرضِ الإساءة لبعض الدول، أو لسُمعةِ شخصياتٍ، أو إلحاقِ الأذى والضَّرر بمكانة رجالاتٍ حيث يجري تركيب مقاطع من أصواتهم مع لَقَطاتٍ لصُورٍ ومشاهِدَ غير عائدة لهم، أو حذف أجزاء مُهمَّة مِمَّا جرى على ألْسِنَتِهم في مقابلاتٍ معينة وعرض أجزاءَ أخرى مُنتقاة أو مُرَكَّبة مُزيَّفةً للتضليلِ والإثارة أو للإساءَة. ويكون غرضُ ذلكَ كله للتأثير على الرأي العام بشكلٍ أو بآخر، ولبناء روْىً لأهداف مُبطَّنة، ولتحقيق مصالح لأطراف معينة وخدمة لمخططاتهم!
وفي السِّياق، هناك مَن يَجْتَرُّ أحداثاً من الماضي، أو معارك وصراعات عفا عليها الزمن، فيفبركها ويدبلجها ويرتب مشاهدها بمؤثراتٍ بصرية وسمعية على النحو السينمائي لتبدو وكأنها وقائع معاصرة.. فيخالُ المشاهد أو السامع أنَّ هذه الأشرطة تدور أحداثها فعلاً في الوقت الراهن في دولٍ وأصقاع من العالم.. ويكون هدف مَن يُصَنِّع مثل هذه الأشرطة وينشرها إثارة نَعَراتٍ وعصبياتٍ وحزازيات مختلفة متنوعة عند العامةٍ مِن الناس!
وليس بخافٍ على أحدٍ، أن هناك شركات متخصصة تعمل في بلادٍ مختلفةٍ لديها عاملينَ يأخذونَ أجوراً سخيةً لامتلاكهم مهارات في صناعة وتَوْليفِ أشرطة تسجيلٍ على النحو المشار إليه، مِن حيث ضَمّ أو حذف أو تعديل مقاطع في أشرطة التسجيل، أو صناعة ما يخطر على المزاج طِبقاً لِما يُطلبُ منهم. وما يدعو للأسف أن يُطلق عليهم خبراء في” الذكاء الصناعي”. هذه الصناعة المأسوف عليها تجيء بالتزوير والتزييف والعبث بالحقائق المُثَبَّتة والصحيحة والموثقة لتضليل رأي عام الشعوب، ونشر الفتن وإثارة الشائعات والبلبلة، مَا يدخل في باب الحرب النفسية!
إنَّ غاية ما نتطلع إليه وعياً عاماً وتحرُّزاً وَحِيطةً مِن تلك الفئات التي تجتهد ولا تنفك في نشر الأشرطة المُحتشدة بالسموم، فلا يقعَنَّ أحد ضحية لألاعيب تلك الفئات وتلفيقاتهم وتهويلاتهم وفِتَنِهِم فيقوم بتداول ما ينشرون بسرعةٍ وشغفٍ واهتمامٍ! كما ينبغي التَّنبه كيلا تكون تلك الأشرطة مراجع يُركَنُ إليها ويُستَنَدُ لِما فيها في المقابلات والمحاضرات والمقالات والجلسات العامة، بل يجدر تفنيدها وإظهار أنها مُختلقَة ومحبوكة وَمُمَوَّهة بالباطل!
كاتب وباحث
Hanna_salameh@yahoo.com