وطنا اليوم – نشرت النهار اللبنانية تحت عنوان آفة تهريب المخدرات من سوريا: راقبوا ردّ الأردن والخليج العربي! وجاء في افتتاحية النهار:
تزاحمت لتكهنات أخيراً باحتمال قيام الأردن بخطوة “غير تقليدية” حيال دمشق، وخصوصاً بعدما ارتفعت الأصوات في جميع وسائل الإعلام الأردنية، ومعها وسائل التواصل الاجتماعي، بشأن تزايد عمليات تهريب المخدرات والسلاح من سوريا برعاية مستترة من نظام الرئيس بشار الأسد الى الأردن، ومنه الى دول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية.
وارتفاع الأصوات بشكل مضطرد في الأسابيع الأخيرة من المحتمل أن يكون نوعاً من تهيئة الرأي العام الأردني لـ”الخطوة غير التقليدية” التي نتحدث عنها. ففي لحظة ما، عندما ستتوافر الظروف الإقليمية والدولية المؤاتية، قد يذهب الأردن الى ما هو أبعد من مجرد موقف الدفاع والتصدي لعمليات التهريب التي تقوم بها عصابات نيابة عن الجهتين اللتين تقومان برعاية إنتاج المخدرات على أنواعها على الأراضي السورية، وتلك التي تحميها أكان من داخل سوريا أو من خارجها، أو الجهات التي تتواطأ معها في محافظات ريف دمشق، درعا والسويداء المطلة على الحدود الطويلة مع الأردن.
وفي المرات السابقة سارعت القوات الأردنية، وبعدما نفد صبر القيادة من تجاهل دمشق مطالب عمّان، الى تنفيذ ضربات جوية إما لقتل أحد “بارونات المخدرات” في ريف درعا، أو لتدمير مصنع أو مركز تجميع البضائع. ومع ذلك لم تتراجع الانتهاكات من الجهة السورية، لا بل أنها ازدادت كثافة، أكان على مستوى المخدرات أو على مستوى السلاح.
ومن هنا لم يكن غريباً أن يلحظ المتابع ارتفاع أصوات سياسية أو نخبوية أردنية تطالب بعمل أبعد أو تحاول أن توحي به. والعمل الأبعد هو قيام الجيش الأردني بعملية عسكرية برّية في الجنوب السوري كجرس إنذار لحكومة الرئيس الأسد، ومفاده أن الأردن جادّ في فرض حماية حدوده على الجار المتفلت من كل مسؤولية لغاية اليوم. فالانفتاح العربي الذي قادته دول الخليج وفي المقدمة دولة الإمارات العربية المتحدة، ثم دفعت المملكة العربية السعودية بالأمر الى الأمام وأعادت دمشق الى مقعدها في الجامعة العربية خلال القمة العربية الأخيرة في جدة، كان مشروطاً بتنفيذ لائحة مطالب سياسية، أمنية داخلية وخارجية.
وكان من أهم المطالب العربية إضافة الى إطلاق عملية سياسية لحل شامل، والبدء في ترتيبات لحل أزمة اللجوء السوري انطلاقاً من لبنان والأردن، أن يسارع الأسد الى وقف انتاج المخدرات وتهريبها الى دول الجوار ولا سيما الأردن ودول الخليج العربي، علماً أن أجهزة المخابرات العربية مدركة أن النظام لا يقف وحده خلف قضية المخدرات والأسلحة وتهريبهما، فهذه جزء من عملية تمويل الميليشيات الإيرانية في كل من سوريا ولبنان.
وثمة معلومات تتقاطع من عدة جهات استخبارية عربية تقول إن “فيلق القدس” يشرف مباشرة على إنتاج وتهريب المخدرات بشراكة مع عصابات محلية وعابرة للحدود، وذلك مع الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة شقيق الرئيس الأسد ماهر الأسد. وعملياً فإن الأمر لم يعد سراً. وبالرغم من ذلك، لم تجد مطالب الأردن ودول الخليج أذناً صاغية في سوريا التي اكتفى الحكم فيها بالتذرع بعدم القدرة على ضبط الأوضاع على الأرض.
انطلاقاً مما تقدم، يمكن القول إن خيار العملية العسكرية على الأرض وضع على الطاولة. ولكنه يحتاج إلى أن يكون ذا طابع عربي مشترك، وأن تكون الرسالة قوية جداً لدمشق من أجل حثها على الاضطلاع بمسؤولياتها بعدما فوتت فرصة الانفتاح العربي عليها، وبدت غير مبالية بخطورة الموقف الذي بدأ يتداعى في جميع أرجاء البلاد من الجنوب إلى الشمال، وصولاً إلى الشرق. وقضية الحدود الجنوبية ليست مستقلة في مكان ما عن الحدود الشرقية مع العراق، التي يدور حديث بشأن التضييق عليها بصفتها “كوريدوراً” إيرانياً استراتيجياً تقوم عليه السياسة التوسعية الإيرانية في المشرق العربي.
الحديث اليوم يتناول عملية عسكرية برية في الجنوب السوري حيث تجمعات العصابات، وبعض مراكز تجميع البضائع وتكديسها. لكن ما هو أهم من ذلك أنه إن لم تتدارك دمشق الموقف بسرعة، وتثبت أنها عازمة وقادرة على بسط سلطة القانون على الأراضي التي تسيطر عليها، يمكن أن نشهد في المستقبل المنظور بلورة لمشروع حزام أمني (منطقة عازلة محمية) عربي. والبداية التضييق على معبر نصيب – جابر ثم إقفاله، ثم عملية برية محدودة بالتزامن مع خطة لمزيد من الغارات الجوية وعمليات القوات الخاصة عبر الحدود، وأخيراً حزام أمني داخل الجنوب السوري بغطاء عربي واسع!