بقلم: زيد أبو زيد
أزاح وزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور تيسير النعيمي الستار مطلع العام الجديد وفي فجر المئوية الثانية للدولة الأردنية عن لوحة تذكارية تخلد المناسبة العظيمة إيذانًا بإطلاق احتفالات وزارة التربية والتعليم بفجر جديد تجسده إنجازات المئوية الأولى التي تؤسس للمئوية الثانية متمنيًا الاحتفال بمئويات عدة تتحقق فيها آمال الشعب العظيم في التنمية تحت ظل العرش الهاشمي.
لقد دخلت وزارة التربية والتعليم سباقًا مع الزمن منذ تأسيسها لبناء الإنسان القادر على إحداث تغيير إيجابي في مجتمعه والارتقاء بوطنه بوصفه ثروة الوطن وعنوان مجده وتقدمه، وعلى مدار العقود الماضية منذ فجر المئوية الأولى عندما حط ترحال الملك عبدالله الأول في عمان المجد في 2 آذار 1921، وحتى اليوم حققت الوزارة نهضة استشرفت فيها المستقبل في كل مجالات عملها، وها هي تختتم المئوية الأولى وتدخل الثانية في عهد الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين بعناوين التطوير والتحديث وبناء الإنسان طالبًا ومعلمًا، وفي كل الوظائف المساندة وتطوير أنظمتها التعليمية بمرونة تسمح بتنوع طرائق التدريس ووسائله، ودخول عصر التعليم الرقمي، وتكييف مناهجها ووسائلها بما يمكنها من مواكبة العالم المتقدم في تجربة نوعية حية تتطور رويدًا رويدًا.
لقد شهدت الدولة الأردنية على مدار عقود إنشاء المدارس ورياض الأطفال، وبناء شراكات وتطوير مفاهيم، وإدخال التعليم الإلكتروني مساندًا ومعززًا للتعليم التقليدي، وأصبح لدى الوزارة قدرة للانتقال في وسائلها في التعليم عن بعد وعن قرب والمزاوجة بين التعليمين الإلكتروني والتقليدي، وتدريب المعلمين وتأهليهم وتحفزيهم، وإشاعة روح العصر في نشاطاتهم، وإكساب طلبتها أدوات العصر الجديد ومهاراته، وكان لا بد أيضًا للمناهج من تطوير؛ فجاء تأسيس المركز الوطني لتطوير المناهج، ليكون مساندًا لعمل الوزارة على
تطوير المناهج بشكل خاص.
إن الأردن وقائده الفذ عبدالله الثاني ابن الحسين المعزز كان مستجيبًا دائمًا لداعي العقل وعبقرية القيادة، ليدرك ضرورة الاستفادة من كل ما عند الآخرين من خبرات في كل المجالات في التعليم والبناء والتكنولوجيا والإنشاء، وما لديهم من تجارب لتسهم في تقدم الأردن وبنائه، فكان انطلاق القائد إلى العالم مسلحًا بعشق شعبٍ مَثَّل تنوعه وانصهار مكوناته في دولة التسامح والعيش المشترك، ليصدق فيه قول الشّاعر اللبنانيّ سعيد عقل الذي يعدُّ من أشهر الشعراء المُعاصرين في لبنان عندما قال:
أردُنُّ أرضَ العزمِ أغنيةَ الظُّبا
نبتِ السُّيوفُ وحدُّ سيفِكّ ما نَبا
في حجمِ بعضِ الوردِ
إلّا أنَّهُ لكَ شوكةٌ ردَّت إلى الشَّرقِ الصِّبا
إلّاك أنت فلا صباحَ و لا مَسَا
إلّا في يدك السلاح له نبَا
نعم أنه وطن بحجم الورد وبحجم القلوب الصافية وبحجم هيبة مليكه المحبوب عبدالله الثاني، وبحجم منعة جيشه وأجهزته الأمنية، وبحجم شعبه الوفي سيبقى جدولًا يتدفق في شرايين الحب على أعتاب المئوية الجديدة.
إنَّ المملكة الأردنية الهاشمية ممثلة بقائدها جلالة الملك المعظم، وبرجالاتها من أهل الدراية والفكر والاقتصاد والسياسة يحطون راحلتهم اليوم في العالم، وأملهم في التغيير والقوة وكرامة الإنسان.
وإنني أرى التجربة الأردنية فريدة في توجهها وإنجازاتها وصبرها وثباتها وشجاعة قادتها على مر العقود، وهي تجربة جديرة بالاهتمام، ولكن وفي ظل النظرة إلى ما ينجز وأنجز فقد تكررت عبر سنوات مقولات ظالمة وحملات ممنهجة تستخدم في إطار حملات البعض ضد وزارة التربية والتعليم، وضد الدولة تتضمن تضليلًا وافتراءً حتى على الرغبة في التغيير ، فإننا نستغرب من يطلب من الماء أن يسكن ولا يجري بمجراه متناسيًا من يدعو إلى ذلك أن الحياة في الحركة والتغيير، وأن الموت في السكون والجمود،
وكان من أبرز الافتراءات وأظلمها تلك التي يتم تداولها في الهجمة التضليلية في موضوع المناهج مثالا، حيث تزعم بعض الأقلام وترتفع بعض الأصوات بالحديث أن المناهج التي تطور حذفت المضامين المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ودور الأردن في الدفاع عنها، وهم لا يعلمون أن المضامين المتعلقة بفلسطين الحبيبة وقضيتها العادلة، ودور الأردن الرائد في الدفاع عنها ثابته ثبات جبال رم في عقل الدولة، وفي فلسفة وزارة التربية والتعليم، وليس أدل على ذلك من الكمّ الذي أفردته المناهج لزرع الحقائق التي تؤكد عدالة القضية الفلسطينية لترسيخها في وجدان أبنائنا وبناتنا الطلبة، والحديث عن حق العودة، والدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية ورعايتها في القدس الشريف، والدفاع عنها في شتى المراحل، وقد أبرزت المناهج الدور الأردني والهاشمي في حماية القدس والدفاع عنها، ودعم القضية الفلسطينية، وتوضيح جهود الأردن وقيادته الهاشمية في الدفاع عن القدس والقضية الفلسطينية؛ لأنها مرتكز من مرتكزات فلسفة التربية وأهدافها، والمناهج الأردنية ما حادت عن ذلك أبدًا.
إن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم سليل الباني الحسين طيب الله ثراه، وحفيد طلال طيب الله ثراه، وجده المؤسس عبدالله الأول، يخوض تحديات بناء الوطن بعزم الملوك العظام؛ فترى فارسًا عربيًّا هاشميًّا قرشيًّا يتنقل بفخر وسؤدد بين مجد بيت النبوة وعظمته وعز القبيلة إلى موطن الحشد والرباط، فيمضي إلى المستقبل فاتحًا أبوابه لعصرٍ جديد تتعاون فيه الشعوب، وتتحقق فيه الرفاهية والأمن والازدهار لأبناء الشعب في واحة الحرية والديمقراطية المسؤولة التي تحفظ للبلاد والعباد أمنهم واستقرارهم ومعيشتهم من دون مساس بالحقوق القانونية والدستورية.
لقد مرت منذ تأسيس الدولة مئة عام منذ أن وضع حجر أساسها عبدالله الأول، تبعه وَضع الدستور في عهد الملك طلال ليكون دستورًا عصريًّا ضمن الحقوق السياسية، وأساسًا للديمقراطية الأردنية الحديثة، وفي عهد الباني الحسين غفر الله له أُقيمت صروح العلم من مدارس حتى وصلت اليوم في عهد الملك عبدالله الثاني إلى تسعة آلاف، ولا زالت الإنجازات تتوالى، وبين هذه وتلك في عهود ملوك بني هاشم شُيِّدَت المصانع وأنشئت الجامعات بالعشرات، وشُقَّت الطرق، وبُنِيَ الجيش والأجهزة الأمنية، ونُسِجَت العلاقات بين الأردن والعالم على أسس الاحترام المتبادل، فكانت دولة العروبة والإسلام والحداثة والتصميم على النجاح وتجاوز التحديات تقدم للعالم نموذج الدولة الوسطية الفريد شعبها.
وفي خضم تحديات الوطن كان الشعب ومعهم يد قائدهم عبدالله الثاني يرسم معالم المستقبل، ويحقق البناء، ويبث فيهم روح الابتكار والعزم.
حمى الله الأردن وطنًا لكل الشرفاء، وعزز منعته، ووهب له مزيدًا من الاستقرار والأمان في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعزز حفظه الله ورعاه.