الدكتور هايل ودعان الدعجة
وطنا اليوم: قد لا نبالغ في شيء اذا ما قلنا بان طريقة استخدامنا لمنصات التواصل في كفة واستخدامها من قبل شعوب العالم في كفة اخرى . إذ يعتبر المواطن الاردني الاكثر استعمالا واهتماما بها في العالم ، وبهامش حرية واسع جدا.
فيما بقيت العالم ينقسم آلي قسمين، قسم في معظمه ينتمي الى دول المنطقة التي لا تتوفر فيها مثل هذه المساحة الشاسعة من الحرية، وبالتالي يصبح من الصعب جدا على شعوبها استخدام منصات التواصل بحرية وكما تشاء .. والا عرضت نفسها للاعتقال والعقوبة والتعذيب .. وقسم ينتمي الى مجتمعات ديمقراطية ومتحضرة ومسيسة وعلى درجة عالية من النضج والوعي والثقافة والتربية السياسية، يؤمن بالحوار والتعددية وباللجوء الى القنوات الدستورية والقانونية للتعبير عن ارائه ومواقفه ولا يوجد في قاموسه شيء اسمه اشخاص او انتقاد او تجريح اشخاص .. وانما يتعامل مع مؤسسات .. ينتقد حكومات وبرلمانات واحزاب وبرامج ، تماهيا مع حرية الراي والتعبير التي ينعم بها وسط اجواء من الديمقراطية.
وربما هذا ما يفسر الفوضى التي يشهدها عالم السوشيال ميديا في بلدنا .. بطريقة تجاوزت الحدود وهي تضع الجميع دون استثناء في دائرة الاستهداف، متخذة اشكالا ومظاهر متعددة لم يسلم من شرها احد تقريبا، كالتجريح والتشهير وخطاب الكراهية واغتيال الشخصية وانتهاك الخصوصيات والتعرض لاعراض الناس واثارة الفتن والنعرات والابتزاز والتنمر والاحتيال الالكتروني والتعدي على البيانات الخاصة واختراق الشبكات وغير ذلك من الجرائم الالكترونية.
الأمر الذي دفع الجهات الحكومية والرسمية ذات العلاقة في أكثر من مناسبة الى ضبط هذه الفوضى التي اخذت تنال من منظومتنا الوطنية والاخلاقية والقيمية والدينية ومن عاداتنا وتقاليدنا بشكل انعكس سلبيا على سمعة بلدنا.
وصولا إلى قانون الجرائم الالكترونية الذي احالته الحكومة مؤخرا الى مجلس النواب، وبات حديث الشارع الاردني بمختلف فئاته وتياراته ومكوناته، لشدة ما انطوى عليه من عقوبات مغلظة وغير مسبوقة، اعتبرها البعض مكممة للافواه ومقيدة للحريات، وانها جاءت للدفاع عن المسؤولين والموظفين وتحصين المؤسسات الحكومية والرسمية وحمايتها من النقد والمساءلة، بما في ذلك المسؤول او الموظف المهمل او الفاشل ، حتى وان كان ثمن ذلك تراجع ترتيب الاردن على مؤشر الحريات العالمي.
ومع ذلك لا بد من التأكيد على بعض الحقائق والملاحظات التي لا بد من مراعاتها عند التعاطي مع هذا القانون والوقوف عند نصوصه الخلافية والجدلية تحديدا ، ولعل من ابرز هذه الملاحظات الاقرار للجهات الحكومية والرسمية بحقها بحماية المجتمع والمواطن من الافات والجرائم الالكترونية التي تجاوزت الحدود، وبلغت مستويات لا يجوز السكوت عنها او تركها بدون ضوابط ومعايير قانونية في ظل التقدم التكنولوجي والالكتروني والرقمي الذي يشهده العالم، والذي يتطلب ضبط القضايا الالكترونية.. وضرورة الموازنة ما بين حرية الاعلام والمسؤولية المهنية والتفريق بينهما، وان المطالبة بعدم تقييد حرية الاعلام، يجب ان يقابلها عدم الخروج على القواعد القانونية والمهنية التي تنظم مهنة الاعلام وعالم السوشيال ميديا وتضبطها.. كذلك لا بد من اعادة النظر ببعض نصوص هذا القانون خاصة تلك المتعلقة بالعقوبات المغلظة وتلك التي اعتبرت مكممة للافواه ومقيدة للحريات ، والتي تتنافى مع منظومة التحديث التي نتحدث عنها ، وضرورة مراعاة عدم المساس بحرية الرأي والتعبير والصحافة التي كفلها الدستور .
اضافة الى ضبط المصطلحات والمفاهيم الفضفاضة وتحديدها وتعريفها، والتي من شأنها الحد من الحريات وادانة اي شخص بسهولة وبطريقة انتقائية.
وان تفتح قنوات الحوار والنقاش مع المختصين والقانونيين والحقوقيين والاعلاميين والاحزاب ومؤسسات المجتمع المدنيين وغيرهم والاستماع لهم واشراكهم في صياغة نصوص القانون لتكون اكثر عدالة وتوافقية .