شَنب القِط ( لمن يقرأ )

23 يوليو 2023
شَنب القِط ( لمن يقرأ )

بِقلم : سهل الزواهره

عُذيرًا لغة العرب الحانية، لُغتي و سيدة لِساني المَفطوم حصرا على رضاب حروفك السمائية ، فقد قسَّمت مُجبرا عنواني البائس وبعض مَوالي سطوري بينكِ و بين عاميةٍ تتفلت فتفرُ لاجئةً إلى ورقي الباهت كطفلةٍ غَجرية غافلت السُمَّار وتاهت في غياهب الظلال و قتلت سأمَ غُربتها الطارئة بِعدِّ نجوم الأُفق المُتراقصة فضةً و شِعرا و اصطادت غيلة القمر البعيد وكتبت على وجهه الشاحب بأناملها الصغيرة و تطاير جدائلها المُتمردة ” تلك أحكام الضرورة” ، فالقوم قد حيرتنا كُهوف آذانهم المُنتصبة و طُبولها العَريضة وكيف النفاذ فيها وقعًا و الضرب عليها قرعا ، فجاء القِط منكِ و الشنب منها ، فلعل في الخلط دربًا يحك تلك الضمائر التي تدثرت بكتائب التبرير و ميليشيات التغطية الموروثة و الهجوم المضاد لحماية الصدأ المُتمدد و تبييض نحاسه المُستهلك المكشوف مع كل قطرةٍ دقائقية تضرب في إناء ايامنا الحبيسة …

بَغَتني إذ علمت أن شَنب القط ليس شَعرا يُبرم أو زينةً تُرسم و بقصهِ جهل و أذى و دوره كبير و إن غير ذلك بدا، فشنب القط مجسَّات حسٍ بزوالها يُولد الذُعر فيه و يَستوطن التشويش بهِ وتضيع قيمة المسافات لديهِ و يُصبح الليل جحيما عليهِ و من صدمة إلى اختها يعيش و من جدار إلى حُفرة يُكابد ، ما أصعب الأوطان إذا أصبحت قِطًا قُص شنبه …

ما أصعب حين تختزل معادلات البلاد وتصانيف العباد بين فريقين واحد ينافق السُلطة ليتقرب منها و آخر يهاجمها ليتقرب منها و لا يشذ إلا من رحِم ، ما أصعب حين تهجم الزوابع وتوابعها المشبوهة وتُضرب الأعشاش الفارغة المُطرزة على أغصان شجرة وقفت وحيدة كئيبة تُصارع بؤس النهار الماكر و مكر الليل الغائر الذي أضحى قدرًا يُخيم متحالفًا مع لصوصه الذين غابت عن افئدتهم بديهيات الحرص و التيقظ فعاثوا بالجذر وحقنوه بعقاقير الشذوذ و العُقم و شوهوا الساق و كسروا مفاصلها و هَجَّروا حَمام الوادي وروَّعوا فِراخه البريئة و باعوا أسمدة البقاء الكبير مقابل البقاء الضئيل و اختصروا الدار بسمسار ، و نشروا بين الفصول الحالمة أخاديد البلاء ونماريد الفضاء ، فغدا الربيع عبدًا طيعا لِخريفٍ بِرداء قبيح أصفر تَسلَّط عليه عامًا بعد عام وغيَّبهُ متى شاء و أظهره عليلًا متى أذِن مزاجه الناقِم على زمانٍ كان فيه الربيعُ وطنا و الوطن ربيعا …

ما أصعب حين تُنثر الحَصى في خُم الدجاج الجائع وحدوده الذابلة و تتراكض بنات رباب تلتقط فتعاين فتُلقي فتجوع ، فالحصى ليس حَبًا و لا خشاش و لن تُغني عنها جُوعا و لا قيمة و لو كانت جواهرا نفيسة لما اختلف الحال ، بئست الأوطان التي ترى أبناءها دجاجًا تتفنن في تعشيمه و تقسيمه و تتلذذ فيه ببدع التجريب و التخريب و تسلق القوانين خبط عشواء سَلقَ عَجِلٍ يخشى أن تتكشف لثته المتآكلة المستترة بطقمٍ يساوي معدنه دَين مدينة.

ما أصعب حين يسير موكب قطر الندى المُبذرق متثاقلًا بأمر خمارويه الطامح و يجف مع كل متر أمل و يضيع آخر ، و يحتشد البؤس المكتوب على جوانب السرور الضيق تلهث أنفاسه و تسقط و تتصارعه كل تناقضات الدنيا ، رقص ذبيح أو نشوة سكران أو طبعٌ غالب ، و تُنهب الحَكايا و تُعرض في أسواق النخاسة و تُشق ثيابها الطويلة الدافئة و تُعاد صياغتها بَيعًا لتلائم الغيوم الجديدة المُستمطرة رياءً و بِدعًا و تحويرا لكل الملامح الأصيلة …

ما أصعب حين يشيب الحق قبل أن يخطو وليده خطوة ، و يحيط بقلبه النامي مكر الأحلاف و يد الغريب البعيد ، ويُرسم في محرابه هُبلٌ و مناة قَدرًا يوميًا خنجريًا ، يقتطع من لحمه الطري مآدب يلتف حولها ذئاب اللحظة و لصوص الجغرافيا و أهل المصلحة المُتَبدلة تحت قواعد التعبيد و رؤوس السمع و الطاعة المُهتزة مع أصغر إيماءة ، وتُسبى “لا” وحيدةً إلى اللحد و تُزف “نعم” عروسًا مُبهرجة أبدية تفترش شفاه الملأ قهرًا و مَهرا …

ولا يُطفىء جَذوة ذاك السم الساري إلا أحداق وسَّعها الحرص الناهض فلملم فوضى هندامه القديم و استند ذات ربيع مأسور فأذاب قيود التآمر و أحال خُضرته النائمة ذهبًا يخطِف،وزنودا تقطِف و سنينًا عجافًا ترحل و يُغاث على أطلالها الغد و يصحو في صباحها القريب شُعاع يُنير دروب قوافلنا العائدة، فالوارد أدلى دلوه و الغلام ملَّ الجُب و سُنة التاريخ تتضاحك تكرارا تُردِد ” عُريان من تَلحَّف بغيرِ شعبه و مَخدوع من راهن على طول شَبعه” فالأيام دُول و شنب القط سينبت و أمر الله لا يُدفع …

sahelzawahrah@yahoo.com