اربط نعليك ( لمن يقرأ )

8 يونيو 2023
اربط نعليك ( لمن يقرأ )

بقلم : سهل الزواهره

اربط نعليك فما أنت في طوى و لا سَتُلقى اليك رسالة ، و قد يطول مسيرك و قد يُلاقيك من الأهوال ما لا ترجو و يعترضك من الهموم ما لا تطيق ، فالدروب المَخبورة تبدلت و كثُر العَسس في حواريها المتشابكة و فاض التزلف من مجاريها المتهالكة ، فلا يمر نسيم إلا بإذن صريح و لا يهل نعيم إلا بتمنن شَحيح، و يُحلب الدعاء فيها بمراسم دقيقة و يستمطر الفرح مِلحًا من غيوم غريبة …

اربط نعليك فالعهد الوئيد لم يعد يجدي نجاة و لا سلامة ، و دولة العجَلة قد حلَّت و اطمأنت و فرشت أطناب شريعتها على كل الربوع التي انسلت من زنودها شرارات الحمية الشرقية، و تلطخ فيها شرفُ النقاء بشذرات الخواطر المُشتراة بثمن بخسٍ لحساب كروش استبغلت جبالًا على الصدور و امتدت تطوف الجهات الأربع مع كل وجبةٍ تُعد أو منفعة تُقبِل أو صفقةٍ تلوحُ بالأفق الكئيب المحموم …

اربط نعليك فلهُاث الأيام لا يدركه مُتباطىء الخطوة ، و لا سمين اللحم يقوى على اللحاق بقطار التفريط و التوريط الذاهب ، فالأمر كهبةٍ على مركب يتهادى غرقا ، يُباح صباحا فيه النهب و تُترك للأيدي الصغيرة أن تحوز ما يملأ جراب ولائها المتقلب من مركب الى مركب ، و في المساء تُنصب محافل اللطم و بكائيات المكر فرزدقية تضرب بها العنكبوت بنسجها وتحبك الأمر على الرواسي المُخلخَلة المُتمايلة يئسًا و حيرة …

اربط نعليك فعكاظ لم يعد سُوقا و لا المربد ينبئك حديثا ، فكل الرواد تغيَّرت ملامحهم و ضلت احلامهم و انكروا مرابعَ الصبا، و ألسنتهم الفصيحة لم يعد لتراقصها معنى أو بلاغة، و غلب الدَّجلُ على كل ركنٍ وتحكم و تسابق لاعبو الحظ والمغنم و مهدوا اللحظة لشيِّ ما لذَّ من كبد الأوطان أو قضم ما طاب من قصب التاريخ المدفون تحت أقدام الغلمان و ضاربي الرمل و سبايا الزوايا المظلمة، و تضيع ملامح الحق على موائد التحارص و التثاقف و تذوب قهقهات اللصوص مع قرع الكؤوس لتُشكل ببلاهة مقطوعةً مخنوقة تصلح لتكون الصوت الأخير الضارب ببقايا أطلال الدار المُرتجة التي جثا بنوها وتشظت فسيفسائها في كل الدنيا …

اربط نعليك و اركض برجلك و ابحث لك عن مورد تستقي منه ما يقيم أود جسدك النحيل أو يُطفىء ظمأك الطويل أو يُضيء دربك الحالك الذي سطا عليه حباحب و من حالفه من عبيد الداراهم و قسمة آخر الليل، اربطه حتى لا تُبعث و وطنك سيزيفا جديدا ليس لمعاناته من خلاص أو لصخرته من سكون …

اربط نعليك قبل أن يسقطا من قدميك المتعبتين شوكًا و دما ، و أطلق لسانك و أحلل عقدته المُصطنعة واعلم أن الكلمة ذمة و أن الذمة كرامة و أن لا كرامة لِمنافق ، اطلقهُ فالأقنعة هوت و النوايا تخمَّرت وغدت فأسًا ماردًا يهدم و الساعات تتراكض إلى جانبه متخابثة تطوي دقائقها لتُرسخ مع كل ضربة طلاسم الحقل الجديد الموعود و الذي لن تكون فيه أنت إلا تُراثًا منسيًا أو فزاعةً منصوبة يعتليها الغبار أو سخرية لطائر مرَّ يوما من هناك .