التعصب للذات بين مدركات الفرد وتصوراته ؟!

7 يونيو 2023
التعصب للذات بين مدركات الفرد وتصوراته ؟!

د.مصطفى التل

العلاقة بين المجتمع بمختلف تصنيفاته والفرد علاقة ضرورية ولازمة وليست عرضية , يتخللها كثير من التعصب للرأي لمجرد التعصب , التنشئة الاجتماعية غير بريئة من التهمة , هي المحور الرئيسي الذي يتشكل فيه مفهوم ( السلوك الاجتماعي ) نتيجة العامل المتبادل .

الادراك والتصورات للفرد يحرفها التعصب النابع من حب الذات لدى الفرد , وهذا يبدأ لدى الفرد من عمر التمييز , ان كان محيطه الاسري والتربوي والمفاهيمي يركز على المقارنات السوداوية بين الفرد وغيره , وينمي ما يسمى ( مفاهيم الفروق والاختلافات ) , ويؤطرها بدلالات اجتماعية ومادية وعلمية تُبنى على هذه الفروقات .

الفرد عندما يندمج بالجماعات المختلفة ضمن بيئته المهنية والاجتماعية والعلمية التي ينتمي اليها , يصبح مدركاً لكل ما يحيط به من جماعات خارجية بصورة سلبية وقاتمة , ويتم استيثار دلالات ” نحن , هم , أنا , هو ” وما يتبعها من استثارة شعور التعالي والشعور بالنقص , تبعاً للحكم الذي يطلقه الفرد على تلك المجموعات الخارجية , وحكمه شبه المطلق على كل ما هو مضاد مخالف لما يتصوره وان كان تصوره فاسد .

التعميمات تبدأ بمظاهر التصنيفات المفرطة للأفراد والمجموعات الخارجية , وتتطور الى التجريح اللفظي والانتقاص , بهذا يكون المتعصب يؤدي وظيفة افراغية التي يمكن ملاحظتها في النقاشات العامة والمتخصصة , فبمجرد بدء النقاش والحديث عن موضوع معين او جماعة او فرد او رأي علمي تتبناه مجموعة معينة , يبدأ الفرد بتنفيس الشعور السلبي باقحام فلان او علان أو رأي بالنقاش , ثم تأتي الطرف والنوادر والضحك امعانا في الانتقاص من الآخر ورأيه , وما يشكله بمفهوم خارج عن رأي المتعصب , بدون النظر الى اسس الرأي او موضوعيته أو علميته .

انعكاسات هذه المظاهر على المستوى النفسي للفرد , ستظهر بشكل استجابة عنيفة تجاه مواقف الحياة الاجتماعية والعلمية والبينية التي تتصادم مع رأيه , وبالتالي يفرض على نفسه عزلة اجتماعية وعلمية , مما سيدخله في أزمات تتمثل بالصدام والتفاعل العنيف مع محيطه , مما سيولد في نفسه مزيدا من شعور الكراهية والعداء , وهي ركيزة قامت عليها جميع الشرور في هذه الحياة نتيجة تراكم جميع المظاهر السابقة التي رسّختها الأحداث بمفاهيم العدوان والتمييز وحب الذات وتفضيلها على الأقران.

لكن الأمل لا زال موجود بعلاج هذا السلوك , دراسته مهمة جدا في فهم السلوك الانساني بشكل عام , ويمكن عكس هذا النوع من التفاعل الى الايجابية في ضوء علاج ودلالات منطقية ومعرفية , فتشجيع الاختلاط مع المجموعات الخارجية المختلفة , وتنشيط وتفعيل القيم الايجابية وتعزيز السلوك النفسي والاجتماعي للفرد , والتفكير المنطقي المحايد , يحقق توازن نفسي واجتماعي لدى الفرد المصاب , الذي يكفل له تحقيق هدفاً هو يسعى اليع في قرارة نفسه ولكنه لا يدركه للسوداوية المعتمة التي تحيط بفكره المتعكس على سلوكه الفكري والعلمي والاجتماعي .