الدكتور محمود المساد/ خبير تربوي.
شاركت بالأمس، ورأيت واندهشت حينا، وفرحت أحيانًا ، في أثناء اجتماع المجلس المركزي الأول لحزب التيار الوطني بعد مؤتمره التأسيسي ……. وبدا لي جليا في هذا الاجتماع التغير الواضح المفرح في النهج القيادي، والتغير الأوضح في سلوك الأفراد فيما عرض ودار من حوار بكل رحابة صدر من جميع أطراف الحضور؛ لينتهي للقبول أو التعديل أو التبديل ………. كما أدهشني وأحزنني بعض الأعضاء في المجلس الذين تغنوا بصوت عالٍ مسموع وهم يتذمرون فيه من حرية التعبير والاختلاف في الرأي ( وليس الخلاف ) ، ويقولون: رحم الله العهد السابق، كان الوضع مختلفا – ترمي الإبرة تسمع صوتها- على الرغم من أن عدد الحضور كان يصل إلى الآلاف أحيانا، ولم يكن من أحد -كان من كان – أن يتحدث أو يرفع صوته………
إنها يا سادة- أخوات وأخوة – مفارقة عجيبة، هل نفضل الكبت على الحرية، وقمع الرأي على التحرر من الخوف والوجل في طرحه، أو التعبير عنه، وهل حقا نرغب ونسعى ما زلنا إلى من يقتلنا أو يقمعنا، أو يصادر رأينا، مع أننا ننتسب إلى حزب وسطي وليس أيدلوجيّا . .
وما لمسته بقوة حقيقية هو غياب الفهم العميق لمعنى الحزب الوسطي، وما يميز هذه الأحزاب الوسطية عن غيرها من أحزاب أيدلوجية يمينية، أو يسارية، وخاصة فيما يتصل منها بالتعدد والتنوع الفكري بين أعضائها القائم على الجغرافيا، والدين والأصول والنوع الاجتماعي …..إلخ ، هذا التنوع الذي يعطي هذه الأحزاب مسوغات الحوار والاختلاف، وتعدد الأفكار وتعدد الحلول، والمسارات وضرورتها لحياتها، وتجدد برامجها وثرائها ومرونتها، لا أن نحاسبها على عدم انصهارها في بوتقة واحدة ورأي واحد، ولون واحد والتي هي ميزة الأحزاب الأيدلوجية . بمعنى أن قوة الأحزاب الوسطية تكمن في تعزيز هذا التنوع، لا صهره وتعظيم الجذع المشترك الذي يشكل مسار التوافق القائم على تقديم مصالح الوطن العليا، وتهيئة كل ما يلزم لثورة الإصلاح البيضاء وفق خصوصية برنامج كل حزب وسطي على حدة، أو مجموعة الأحزاب المتحالفة معا لغايات انتخابية ومشاركة في الحكم .
إننا سيداتي وسادتي نتغير ببطء ورويّة مع حنينا للدكتاتورية والقمع، واستساغة التنفيذ دون صوت. وعليه أقول مؤكدا حاجة هذه الأحزاب الوسطية إلى جهود مضاعفة في التوعية والتثقيف الحزبي على ما يعزز الحوار ويعمقه، ويجوده مستفيدين من التنوع والتعدد الفكري بين أعضائه من جانب، وتعظيم الجذع المشترك بين الأعضاء في التوافق على رأي الحزب إزاء القضايا المهمة ذات الصلة بالوطن وقوته ومصالحه العليا، من أجل إعداد قادة حكم مسلحة بالفكر، والبرامج الناضجة القابلة للتطبيق، حيث نتجاوز بها وزراء الصدفة والمكافأة التي ركز عليها الدكتور ذوقان عبيدات في مقاله الأخير أمس في موقع وطنا اليوم الإخباري …. ……ولكن بشروط:-
– إتقان متطلبات الحوار من لغة اتصال إيجابي وصوت أكثر تهذيبا وأقل انفعالا.
– قبول الرأي الآخر واحترامه وتقديره.
– ضمان المشاركة الواسعة من أعضاء الحزب المتخصصه أحيانا، والعامة أحيانا أخرى في صياغة برنامج الحزب وإنضاجه ووعيه.
– تعدد أشكال الحوار وأساليبه وتغييب التصنيفات الهيكلية للحزب في أثناء هذه الحوارات ودرجة قبول الأفكار والبناء عليها.
– الإعلان عن عناوين البرنامج الإصلاحي للحزب، والاحتفاظ بتفاصيل البرامج والمبادرات سرية بوصفها الميزات التنافسية للحزب.
وتبقى فسحة الأمل قائمة.