الدكتور عبدالمهدي القطامين
لم تعد الصحافة الأردنية هذه الأيام كما كانت في السابق موجها للرأي العام منحازة للوطن والناس ، واسعة الانتشار ، تغذيها أسماء صحفية وازنة واسعة الاطلاع ومن مختلف المدارس الفكرية ، بعد ان انحرفت بوصلتها جراء سياسات حكومية متعاقبة افقدتها ثقة الناس والجمهور وغدت شبه ابواق حكومية لا تخرج عن كونها ناطقا إعلاميا باسم السلطة المطلقة وان حدث وان شذت أي وسيلة اعلام او اعلامي او صحفي عن تلك القاعدة فهناك قانون المطبوعات والنشر وقانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات بالمرصاد لكل كلمة قد تفهم على انها انتقاد لتغول حكومي واسع يمارس في الساحة الأردنية صباح مساء .
الكثير يتساءلون لماذا لم تعد الصحافة الأردنية بكل اشكالها مؤثرة وفاعلة في قضايا الناس وقضايا الوطن المصيرية والجواب بعد خبرة في الصحافة الأردنية لمدة زادت على ربع قرن هو نتاج خطيئتين ارتكبتا بحق الوطن والصحافة كان أولهما الحكومات المتعاقبة التي عمدت الى سحب البساط من تحت اقدام الصحفيين عبر سياسة التنفيع التي كانت تمارسها تجاه الصحفيين والصحف وكانت تلك السياسة تتم وما زالت وفق اليتين اثنتين أولهما اغراء الإعلان الحكومي الذي هو بمثابة الجزرة التي تقدم للصحافة وللصحيفة لكي تبقى على قيد الحياة والأخرى شراء ذمم الصحفيين مباشرة عبر اعطيات ومنح مالية او وظائفية تمنح للصحفيين مقابل ضمان سكوتهم عن تجاوزات السلطات التنفيذية التي ترتكب في كافة القطاعات بقصد او بدون وعن نية مبيتة فاسدة او عن نية خاطئة وكلاهما لا يغتفر .
ما يلاحظ ان الحكومات المشكلة في المملكة في الآونة الأخيرة لجأت في عقاب الصحفيين الى سياسة العصى والسجن والتحويل الى محكمة امن الدولة لمعاقبة الصحفيين وفق تهم خطيرة معلبة وجاهزة للتلويح بها في وجه الصحفي الذي يغرد خارج سرب القطيع ومع ان محكمة امن الدولة غير ذات اختصاص في قضايا المطبوعات والنشر الا ان تحويل الصحفيين اليها يصب في خانة التهديد للجسم الصحفي وهو يعني رسائل موجهة من السلطة التنفيذية الى الصحفيين ان من يخرج على توجه الحكومة مصيره ليس السجن فقط وانما تلفيق تهم ترقى الى تهم الجاسوسية والخيانة العظمى التي هي من صلب اختصاص محكمة امن الدولة وليس المحاكم النظامية .
الخطيئة الثانية هي خطيئة لا تغتفر وهي تأتي من الجسم الصحفي نفسه فقد برزت العديد من الأصوات الصحفية التي تسبح بحمد الحكومات وترى انه لا يأتيها الباطل من امامها ولا من خلفها ولا عن يمينها ولا عن شمالها فهي منزهة خالية من كل عيب والحقيقة تقول غير ذلك والناس يقولون غير ذلك والرأي العام يقول غير ذلك لكن أولئك الصحفيين يصرون على ان الدنيا قمرا وربيع وهم صحفيون تم تدجينهم عبر سنوات طوال للتسبيح بحمد السلطات التنفيذية ومحاربة أي زميل يخالفهم الرأي فيما يجري وهو تماما ما ينطبق عليه المثل الشعبي ” دوده من عوده ” فقد أصاب العطب الجسم الصحفي فيما توارت النقابة والتي من المفترض ان تكون المدافع عن الجسم الصحفي في صراعات انتخابية كان اخر هم لها الدفاع عن رفاق المهنة وتركهم في مهب رياح الحكومات يقابلون مصيرهم وحيدين الا من صوت يأتي من هنا او من هناك على خجل واستحياء .
السؤال المر هنا هو ما الذي تجنيه الحكومات من محاربة الصحافة الحرة وهل يعني وجود صحافة ضعيفة ان هناك حكومة قوية الجواب بكل تأكيد لا ….. فلا حكومة قوية ان لم يكن هناك صحافة حرة وقوية ، ولا حكومة قوية ان لم يكن هناك معارضة حقيقية واقعية تقف لكل أخطاء الحكومات بالمرصاد تكشف مواطن الخلل وتشير الى المنجزات ، وتنور الرأي العام وتكفيه عناء متابعة الكثير من الغثاء الذي يبث من الخارج ، وفي اغلبه هراء تلامسه بعض الحقيقة لكن يتم تحويرها لتخدم مصالح هي ليست وطنية على اية حال .
على الحكومات الأردنية الحالية والقادمة ومن تليها ان تدرك ان الوطن يحتاج الجميع وان الصحفي حين يشير الى أماكن الخلل لا يستهدف التشهير انما يستهدف التصحيح والنقد المباح والمطلوب لكي لا يتم تغول أي سلطة على اخرى كي لا تتحول البلاد الى سلطة حاكمة منفردة تماما مثل الذئب المنفرد الذي يملأ الدنيا جواحا وليس امامه سوى فريسته يلتهم منها على مهل وبتلذذ .