أساطير الدكتور (مهند العزة) في محتسبة شهر رمضان وشبيحته

12 أبريل 2023
أساطير الدكتور (مهند العزة) في محتسبة شهر رمضان وشبيحته

 

د. مصطفى التل

(يبدو أن مقولة “تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين» باتت بلا طعم لكثرة ما لاكتها أفواه أفراد هانت عليها كرامتها وحرياتها فاستهانت كرامة وحريات غيرها، فما بالك إذا كان الافتئات على حرية الآخرين مدعوم بغطاء رسمي من خلال تشريعات وقرارات وتصريحات رسمية وممارسات مؤسسية تكرس الإقصاء وتخالف الدستور، أو بغطاء شبه رسمي يغض الطرف عن التنمر والعنف الذي يسعى ويسعد باقترافه محتسبة رمضان وشبيحته وعَسَسِه.)

بهذه الخاتمة ختم الدكتور مهند العزة مقاله المعنون بــ(محتسبة رمضان وشبيحته وعسسه ) , ويحمل على الصائمين في الشهر الفضيل أنهم يشكلون حاجزا مانعاً لمن يريد الإفطار علانية , ويدرج قصة ( المجاهرة بالإفطار العلني ) في الشهر الفضيل تحت باب الحريات الشخصية التي يجب ان تصان , واستطرد الكاتب في مقاله في كثير من الجزئيات التي هي بمقام التكرار , وضرب مقارنة واضحة بين الصيام والصلاة , والتشدد في الصيام بينما هناك تهاون من الصائمين في التفتيش عن المصلين .

الدكتور مهند العزة لم يأتِ بجديد في مقاله , وهو عبارة عن تجميع لشبهات متعددة من مصادر مَن يقولون ( انهم أحرار في عبادتهم ) , يؤدونها أم لم يفعلوا , وهي علاقة بربهم فقط , ولا علاقة للمخلوق بذلك , وكما أن الصائم حر في صيامه , فالمفطر له كامل الحرية في افطاره ولو جهارا نهارا .

حقيقة لن أخوض في الأدلة الشرعية , ولن أخوض في الأصول العامة لعبادة الصيام , لأنها أشهر من أن يُخاض بها , ولكني سأتماشى مع الدكتور مهند من باب تخصصه القانوني .

الرجل متخصص بالقانون العام والخاص , كما اطلعت على سيرته الذاتية , وهو عين من الأعيان , أي انه فرد من أفراد السلطة التشريعية في الأردن , كما انه ينظم لكثير من المؤسسات الحقوقية العالمية وليس أولها منظمة هيومن وتش .

مشكلتنا مع أمثال هؤلاء عندما يسطرون كلماتهم , لمهاجمة خصيصة للشعب الأردني من باب الشريعة الإسلامية , والمجتمع الأردني في نظامه العام وآدابه وقيمه , أنّهم ينسلخون عن تخصصهم الدقيق , ويتناسون ما درسوه في هذا التخصص , وكأنهم لم يجلسوا يوماً على مقعد دراسة , أو أنهم لم يمسكوا قلماً ليخطون به ما درسوه وطبقوه في حياتهم العملية .

بل الأدهى من ذلك , عندما يبدعون في إهانة مجتمع بأكمله ورميه بوصف ( الشبيحة ) , لانّ هذا المجتمع لا يستسيغ بمجموعه العام المجاهرة بالإفطار في الأماكن العامة , بل ان فعله هذا برأي الدكتور هو تشبيح على المفطر المجاهر الكاسر للنظام العام وآدابه في المجتمع .

من الثابت أن النظام العام يعني مجموع القواعد الآمرة التي لا يحوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها , ومَن يخالفها توقع عليه عقوبة زاجرة , ومصادر النظام العام كثيرة ليس أولها ( الدين ) في المجتمعات الإسلامية , فلا يجوز الاتفاق على إباحة القتل على سبيل المثال , ولا يجوز الاتفاق على إباحة الزنا ولا على اباحة تعطيل الحياة العامة في المجتمع .

للنظام العام أهداف متعددة لا يد من العمل على تحقيها صيانة لهذا النظام , من ضمنها : الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع , و الحفاظ على السكينة العامة ,فكل ما يؤدي الى خرق هذه الأهداف هو مخالف للنظام العام , وخارق لأهدافه , عابث بالمجتمع .

النظام العام يختلف من دولة لأخرى , فهو يشكل هوية الدولة ومجتمعها , والتي تختلف من دولة لأخرى , فلا يحق لمن هو بدولة ما أن يخالف نظامها العام بحجة أنها تتصادم مع مبادئه الشخصية , وهنا إعترف الإسلام بهذا النظام العام للدول , وشرّع وأوجب على المسلم الذي يتصادم مع نظام الدولة العام , ان يهاجر من تلك الدولة الى دولة أخرى يستطيع فيها الاندماج مع مبادئه العامة , او المسايرة تحت كنفها في تطبيق الحد الأدنى من مبادئه العامة.

بعد هذه المقدمة اللازمة. نتوجه لمناقشة ما جاء بالمقال من أساطير الآخرين، من شبه وغيرها.

– هل يوجد معارضة بين تجريم الإفطار العلني في رمضان وبين الحريات التي كفلها الدستور الأردني ؟!

القانون الأردني لا يجرّم الافطار في شهر رمضان الفضيل بحد ذاته , ولكنه جرّم المجاهرة بالإفطار في شهر رمضان المبارك , فحرية الافطار للفرد كحرية ذاتية لم يتعرض لها القانون الأردني , وحفظها للفرد , ولم يعترض على الأكل والشرب للفرد في نهار رمضان ان كان هذا الافطار بمنأى عن المجاهرة أمام المجتمع , بما يحفظ نظامه العام .
وهذا ما اتفق به القانون مع القانون الجزائي الإسلامي , الذي يشترط ثبوت الجرم الذي يهدد النظام العام بشكل يؤثر على مباديء المجتمع بشكل علني , ويظهره في الأماكن العامة .

فتجريم الجهر بالإفطار يتماشى مع النصوص الدستورية التي تنص على ان الاسلام هو دين الدولة وانه المصدر الاساس للتشريع، وهذا يؤصل اسمى معاني الحرية لأنه اباح الافطار خارج اطار الاماكن العامة كحرية فردية , ولا قيد على غير المسلمين او حتى المسلمين في ذلك.

– هل القانون الأردني لم يدرج تفاصيل وانواع جريمة المجاهرة بالإفطار وفصّلها ؟!

يعترض الدكتور مهند العزة على الوعد والوعيد للحكومات بانتهاك حرمة الشهر الفضيل بقوله (أن غياب هذا الكتالوج ليس سببه الكسل أو التراخي لا سمح الله، وإنما لأن «جريمة انتهاك حرمة الشهر» تتحقق عند سادتنا وأسيادنا العارفين بظواهر الأمور دون بواطنها ولا عواقبها فقط بتناول الطعام أو الشراب أو التدخين علنا ) .

القانون عندما جرّم المجاهرة بالإفطار , راعى في الجريمة الركن المادي والركن المعنوي , فلم يجرّم الفعل لأنه وقع مجاهرة , بل لا بد من التحري عن ركني الجريمة حتى تكون معتبرة قانونا .

اذن يوجد استثناءات قانونية لحالات الجهر في الإفطار برمضان , بحيث يوجد تخلف لأي ركن من اركان الجريمة كتخلف الركن المعنوي وهو القصد الخاص بالمجاهرة , والركن المعنوي هو توافر العلم بأن هذا الفعل يُعد جريمة , وأن تتجه الارادة لارتكاب ذلك الفعل المجرم , ومثال لانتفاء الركن المعنوي اذا جهر شخص بالإفطار لظروف صحية طارئة تقتضي ذلك , فإفطاره ليس بقصد المجاهرة وتحدي القانون والنظام العام بالمخالفة , انما للمحافظة على الصحة , ودرء المرض وتقدير ذلك العذر مرجعة القاضي الذي ينظر الدعوى , اذن القانون ليس كما وصفه الدكتور ( مهند العزة ) بأنه ابوي , وجامد , وليس فيه استثناء او تفصيل .

وبنهاية مناقشة هذه الشبهة لا نجد تعارض بين تجريم المجاهرة بالإفطار ونصوص الدستور الاردني بل الامر على النقيض نجدهم متوافقين لأن دين الدولة الاسلام , وشعائره محل حماية واحترام , وبما ان صيام شهر رمضان الركن الرابع من اركان الاسلام , فقد افرد له المشرع قوانين تحميه لما فيه من قدسية, وليس في ذلك قيد على الحرية لأن القانون لا يجرم الافطار في نهار شهر رمضان المبارك , فهذا امر شخصي متروك لدين الشخص ووازعه الديني ومقتضى حاله , لكن القانون يجرم المجاهرة بالإفطار, فيما يخدش المظهر السائد للصيام وهو الامتناع عن الاكل والشرب نهارا لدى المسلمين، فان مما يؤذي مشاعرهم الخروج على هذا المظهر حتى لو كان ذلك ممن لا يدين بالإسلام ، لذا فان على المواطنين والمقيمين في البلاد من غير المسلمين المحافظة على احترام مشاعر المسلمين بعدم المجاهرة بالأكل او الشرب او التدخين في المحلات العامة , وفي الشوارع وأماكن العمل ولا يعفيهم كونهم غير مسلمين، وذلك تمشيا مع قانون البلد , ومراعاة لمشاعر المواطنين , فضلاً عن ان تجريم المجاهرة بالإفطار يؤصل اسمى معاني الحرية لأنه اباحها سراً , فلا قيد على غير المسلمين او حتى المسلمين في ذلك , ولكن القيد على المجاهر بالإفطار حفاظاً على مشاعر المسلمين ولمراعاة النظام العام , وهذه الثمرة المرجوة قمة بالرقي الخلقي للمشاعر الانسانية.

– نلزم العباد بالصيام بينما لا نلزمهم بالصلاة، اليس هناك مفارقة .؟!
يقول الدكتور مهند العزة :

(التناقض في المواقف المفاهيمية عند جمهرة دعاة التنكيل بالمفطر المجاهر ليس غريباً على بلطجية التطرف، حيث لا يؤيد معظمهم إكراه الناس على الصلاة في المساجد وإدخالهم فيها عنوةً حال رفع الآذان وإجبار التجار على إغلاق محالهم حال الإقامة… مع أن هؤلاء يعلمون أن حكم ترك الصلاة أوضح وأشد من حكم الإفطار..)

الشبهة التي اثارها الدكتور ( مهند العزة ) ليست جديدة ولا مستحدثة , بل كل عام يتم اثارتها , وهنا لا بد من وقفات :

1- الصيام واجب مُضيّق , والصلاة واجب موسّع , بإمكان المرء أن يصلي في أي وقت أو مكان شاء , سواء في المسجد أو في بيته أو مكان عمله، وأمّا الصيام فإنّه واجب مُضيّق معروفة حدوده من الفجر الصادق إلى غروب الشمس , في شهر واحد من السنة .
2- لم نؤمر لا قانونا ولا شرعاً بالتفتيش عن تارك الصلاة سرا, كما لم نؤمر بالتفتيش عن المفطر في رمضان سراً , ولكن امرنا بالتفتيش عمن يمنع الصلاة جهارا نهارا , من باب أن المنع العام من الصلاة للمجتمع هو من تهديد للنظام العام .
3- المقصود بالصيام هو المنع والكف والترك , بينما الصلاة هي العمل والأداء , من لم يؤدي ويعمل بشكل خاص قد لا ينتبه اليه في المجتمع العام وخاصة انها واجب موسّع , بمعنى وقت ادائها متسع وكبير , بينما ا الاتيان بعكس الكف والترك مجاهرة وبالأماكن العامة في وقت مضيّق , هو اعتداء صريح على النظام العام للمجتمع وتهديده بمقتل .

وبما ان الدكتور متخصص في القانون العام والخاص , ألفت نظره الى ان المحاكم الأردنية , تأخذ بمبدأ الترك العام للعبادة وبشكل مباشر ومتعمد في مجاهرة للمجتمع ومصادم لنظامه العام , بأنها قادح من قوادح الشهادة , أي أن عدالة الشاهد في المجتمع لا تقوم وتكون مجروحة , لأنه تعمّد مخالفة النظام العام في المجتمع , وبالتالي هو غير حريص على العدالة التي تؤهله للشهادة , ومن ذلك قرار محكمة الاستئناف الشرعية الذي يحمل الرقم 348/2014- 91838، وصدر في الثالث من شباط لعام 2014 , مفاده رد شهادة امرأة غير محجبة , وحاسرة الرأس , لأنها عاندت النظام العام للمجتمع , بوجوب اتباع والخضوع لعبادة الحجاب للمسلمة , وأستغرب ممن هو متخصص بالقانون ألا يكون مطلع على هذه المباديء القضائية في بلده , ويقول ان المجتمع لا يأخذ تارك الصلاة على محمل الجد ..!!! كيف كنت تمارس عملك القانوني في الاردن ؟!

– هل يوجد عقوبة شرعية لتارك الصيام جهارا، وهل يوجد أي مستند شرعي لذلك؟

يستمر الدكتور مهند العزة في أساطيره حول عقوبة تارك الصيام جهارا بقوله :
(أما في فقه السنّة، فليس من حكم ثابت يقرر أن المجاهرة بالإفطار للمعذور أو لغيره تعتبر جريمةً تستوجب العقوبة…) ويصل فيه الأمر الى اتهام المجتمع بأنه بلطجي التطرف في منعه للجهر بالافطار , حيث يقول : ( التناقض في المواقف المفاهيمية عند جمهرة دعاة التنكيل بالمفطر المجاهر ليس غريباً على بلطجية التطرف) ..!!

أستغرب ممن هو متخصص بالقانون أن يصدر عنه هذه الاقوال والتنظيرات , حيث أن دراسة وتطبيق القانون عمليا , تغنيه عن كل هذه التنظيرات الهلامية .

قالقانون لم ينص على جميع الجرائم نصاً , بل اكتفى بالوصف والأركان , وترك التكييف القانوني لرجال القانون في كثير من الجرائم , لا بل ترك بعض العقوبات للقضاة , وحدد لهم حد أدنى للعقوبة وحد أعلى , وترك حرية للقضاة في تطبيق الأصلح بالردع العام بين الحد الأدنى والأعلى للعقوبة , بل اطلق يديهم في بعض الجرائم الى العفو عن المجرم إن رأوا صلاحه وعدم عودته للجريمة وتهديد المجتمع بها .

من هنا القانون الاسلامي لم يختلف كثيرا عن هذا المبدأ , فعلى سبيل المثال : حد الزنا , لم يطبقها القضاء الاسلامي في تاريحنا إلا بحدود ضيقة جدا , وعدد من المرات لا تخرج عن أصابع اليد الواحدة حسب ما وصلنا من تقريرات قضائية اسلامية موثقة علميا .
وذلك أن الزنا من الجرائم التي ترتكب سرا , فلم تظهر الجريمة في المجتمع الاسلامي بشكل علني , ومهددة للنظام العام , لذلك لم يثبت الجرم بركنيه المادي والمعنوي , الا مرات قليلة جدا , استلزمت تطبيق العقوبة .

وقلة وقوع جرم الزنا في المجتمع الاسلامي بشكل علني , لا يعني انها تفتقد للمستند الشرعي في التجريم والعقوبة , هذا وحد الزنا محدد شرعا , في طرق اثباته القضائي وطرق اقامة الحد , وطرق تنفيذه . فما بالك بالأحكام الجنائية المتروكة للقاضي ليوقعها حسب المصلحة العامة للمجتمع ؟!!

ومع ذلك , وحتى لا نترك الامر على غاربه , فقد وقعت عقوبة للمفطر في رمضان في النظام القضائي الاسلامي , منذ عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم , ولكن الظاهر ان الدكتور غير مهتم بالتشريع الجنائي الاسلامي , وغير مطلع عليه مطلقا .

ومن ذلك : أنّه أُتيَ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – برجل شَرِب الخمر في رمضان، فلمَّا رفع إليه عثر الرجل، فقال عمر: على وجْهِك، ويْحَك! وصبيانُنا صِيام! ثم أمر به فضُرِب ثمانين سوطًا.

وثبت في سنن البيهقي أنّ علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – جلد شخصاً شرب الخمر ثمانين، وفي اليوم الثاني زاده عشرين سوطًا.وحين سئل لِمَ زاد العشرين سوطاً قال علي بن أبي طالب: لِجُرأتِك على الله، وإفطارِك في شهر رمضان.

أكتفي الى هنا , ولنا عودة مع اساطير الدكتور ( مهند العزة ) في الصيام والافطار .