الدستور في عيدها … الرمح والدرع !

28 مارس 2023
الدستور في عيدها … الرمح والدرع !

محمد داودية

يبهجني أنّه يتم النظر المنصف إلى صحيفة الدستور، مثلما يتم النظر إلى الدفاع المدني. وإلى قوات الحجاب على الشريعة. وإلى قوات حرس الحدود ضد ميليشيات الكبتاجون والسلاح. وإلى المركز الوطني لمكافحة الأوبئة. وإلى الناقل الوطني لمياه الشرب. والناقل الوطني- الملكية الأردنية … الخ.
فقد أسهمت الدستور على امتداد أكثر من نصف قرن، في حماية اليقين الوطني، وفي صيانة الإنجازات، والذود الباسل عن نمط الحياة الأردني، وإشاعة روح الأمل والرضى، ومكافحة اليأس والتطرف والإرهاب، والذود عن النظام السياسي، وعن حقوق شعب فلسطين العربي، وعن قضايا أمتنا العربية العظيمة.
وأشهد أنه يتم دعم الدستور وشقيقتها الرأي الغراء قلعة الصحافة الوطنية، بلا مِنّةٍ وبلا توقف.
انا ابن الدستور. عملت فيها منذ منتصف الثمانينات كاتب مقالة يومية، حتى شهر آب 1992، حين توليت موقع “مدير الإعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي”.
عدت إلى الدستور رئيساً لمجلس إدارتها عام 2017، في ظروف لم يعرف أبناءُ الدستور والرأي مثلَ قسوتها. أما بالنسبة لي، فكانت ظروفاً يمكن تذليلها، إذ عشت أضعاف قسوتها، وهو ما أفصحت عن شئ يسير منها في كتابي “مِن الكسّارة إلى الوزارة” !!
قدّر جلالةُ الملك دورَ الدستور ووجه لدعمها دعماً حاسماً مؤثراً، وكذلك فعل فيصل الفايز وفايز الطراونة وعاطف الطراونة وعبد الكريم الدغمي وجعفر حسان وأمجد العضايلة وفهد الخيطان مدير إعلام الديوان الملكي.
وأسعفنا الدكتور هاني الملقي ووزراؤه الدكتور محمد المومني وعلي الغزاوي وعمر ملحس وبسام التلهوني وعز الدين كناكرية.
وأسعفنا إسعافا إنقاذيا، الدكتور بِشر هاني الخصاونة ووزراؤه علي العايد وفيصل الشبول ومحمد العسعس. وساندنا بقوة أمين عام وزارة المالية عبد الحكيم الشبلي. وتعاون معنا بكل شهامة المهندس هاشم المجالي وفارس العجيلات صاحبا أكبر مؤسستين إعلانيتين أردنيتين.
ولعبت قُدرةُ صحافيي الدستور على التحمل والصبر والتضحية، دوراً مهماً في الصمود، مكنتنا من عبور الدهاليز إلى فضاء الطمأنينة على أن بلادنا العظيمة تعتبر الدبابة والطيارة والصحيفة والإذاعة والتلفزيون والمواقع الإعلامية الوطنية “طول بعض” !!
حملت الدستور قضايا الوطن والنظام الهاشمي، عقوداً مديدة مريرة، وكان صحافيوها “قوات الحجاب” في التصدي للهجمات الإعلامية الشرسة والظالمة، التي تعرّض لها الأردنُ على امتداد قيامته.
لقد دفع الصحافيون ورؤساء التحرير اثمانا فادحة من أجل حرية الرأي والحريات العامة، تفاوتت في قسوتها، بين المنع من الكتابة، والفصل من العمل، وإقصاء رؤساء التحرير وعزلهم وإغلاق الصحف وسحب ترخيصها … الخ. وتلك حقبة الماضي التي يجب أن تُحكى قصصُها بما لها وما عليها.
وكما فاقمت “كورونا” معاناةَ بني البشر، ومعاناةَ الوطن، فاقمت معاناةَ الصحافة وضربت مواردَها ومعاشات أبنائها، لكن دون أن يمس الروح المعنوية العالية لأبناء الدستور.
يقول الإمامُ الغزالي “أخبرتني الخادمُ بنفاذ الطحين وكان في رأسي ألفُ مسألةّ ومسألة نسيتها كلها” !!
تعكف الأممُ نحو عقدٍ من الزمان، على صياغة وإنتاج وفرز كاتب أو فنان، فالأثرُ الذي يخطه الكاتبُ والفنانُ، يخلدُ إلى الأبد، كما في الإلياذة والأوديسة، وجلجامش، ولوحة الجرنيكا، ونهج البلاغة، والقانون في الطب، وكليلة ودمنة، وأغاني الاصفهاني، ومقامات الهمذاني، وطوق ابن حزم، ونبي جبران، وأم غوركي، وبؤساء هوجو، والحرب والسلام لتولستوي، والدون الهادئ لشولوخوف، وصمت البحر لفيركور، وثلاثية نجيب محفوظ، ورجال في الشمس لكنفاني، وقواعد العشق الأربعون لشافاق، والزمن الموحش لحيدر حيدر، والاقدام العارية للطاهر عبد الحكيم، واللاز للطاهر وطار، ونجران تحت الصفر ليحيى يخلف، وشرق المتوسط لعبد الرحمن منيف، والقلعة الخامسة لفاضل العزاوي، وحين تشيخ الذئاب لجمال ناجي، وثلاثية سهيل ادريس، وقوقعة مصطفى خليفة.
نحمد الله أن المسؤولين في بلادنا يقون شعلةَ الصحافة، ويتفهمون دورَها الثقافي والتنويري والحداثي والتقدمي، وأنهم يواقون على آمالها.
واجه صحفيو الدستور التحديات الكبيرة على الدوام، فمنذ متى كانت مهام الصحفيين خفيفة، وأجسامهم رهيفة !! واستشهد في هذا المقام بمحمود درويش وهو يقول: “يا إلهي أنا لا أسألك عبئاً هيناً، اعطني ظهراً قوياً”.

غادرت الدستور كرئيس لمجلس الإدارة في شهر 12 العام 2022 وانا مطمئن كل الاطمئنان إلى الاستقرار والاستمرار. فقد تم دفع راتب شهر 12 في بدايته لا في نهايته !!
وتقتضي النزاهةُ أن اشير إلى من اسهموا في صناعة النجاح: سهير العلي وخلود السقاف، وأعضاء مجلس إدارة الدستور، ومحمد التل والدكتور حسين العموش والمحامي الدكتور إبراهيم الطهراوي وأيمن العدينات ومصطفى الريالات.
وفي الطليعة أبناء الدستور الذين على مدى الأعوام الخمسة التي عملتها معهم، لم يمارسوا حق الاعتصام والاحتجاج و”تقليعة الخِيم”، رغم ما عانوا من مشاقٍ وصعاب.
لا أدعي شيئاً، فالذي عملته هو أنني “وقفت على المارس”، وكرست طاقتي وجهدي للدستور، وأدرت فريق العمل بمتابعة يومية تامة، واحترام كامل، وتنسيق محكم بين اجنحتها.
واذا كان من تقصير فعليّ وِزرُه، أما النجاح فهو من صنع نشامى الدستور كافة، أقول قولي هذا، لأن للنصر 100 أب والهزيمة يتيمة.