منصور أبو كريم – باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية – المركز الديمقراطي العربي
على الدوام أرتبط مستقبل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كونها تتأثر سلباً وإيجابًا بالسياسات الأمريكية التي تتبعها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعد خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أدت إلى تبني الولايات المتحدة الأمريكية توجهات جديدة للتعاطي مع المنطقة، ساهمت بشكل كبير سواء عبر القوة الصلبة أو القوة الناعمة في إحداث تحولات عميقة في المنطقة، تجاه العديد من القضايا الجوهرية وخاصة تجاه القضية الفلسطينية، والعلاقة مع إسرائيل.
لقد بات من الواضح إن مستقبل المنطقة ودولها أصبح مرتبط بشكل كبير بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، كون أن معظم دول المنطقة والعالم انقسمت لفرقين مصالحهم وقضاياهم أصبحت مرتبطة بشكل كبيرة بنتائج الانتخابات الأمريكية. الفريق الأول يريد بقاء ترامب في البيت الأبيض، ويعمل على ذلك من خلال التوقيع على اتفاقيات سلام بشكل مجاني مع إسرائيل لتقديم دعم انتخابي لترامب في جولة الانتخابات القادمة لضمان نجاحه في الانتخابات، كون أن سياسات إدارة ترامب التي ترتكز على مواجهة إيران وفرض عقوبات قاسية عليها، وعدم التعويل على حركات الإسلام السياسي التي تشكل بديل لكثير من أنظمة الحكم في المنطقة، تتوافق إلى حد بعيد مع مصالحها، وهذه الدول لا تريد عودة الديمقراطيين للحكم، بما يعني العودة لسياسة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتعويل على حركات الإسلام السياسي، والتوافق مع إيران كما حدث خلال الاتفاق النووي بين الدولية وإيران عام 2015.
بينما الفريق الثاني لا يريد استمرار ترامب في البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة، ويرغب في نجاح جوزيف بايدن المرشح الديمقراطي ليس لأنها دول ديمقراطية بل لأنها لا تريد أربع سنوات قادمة من سياسات ترامب. الفريق الثاني تقاطعت مصالح دول مشتركة كثيرة بدون أتفاق، كون أن إيران وتركيا وقطر والسلطة الفلسطينية والصين ودول الاتحاد الأوروبي لا ترغب في بقاء ترامب في السلطة لأسباب مختلفة. هذا الانقسام دفع كل طرف يعمل بطريقته الخاصة على إفشال ترامب ونجاح بايدن، مثلا دول الاتحاد الاوروبي لم تحضر حفل توقيع الاتفاق في البيت الأبيض واكتفت ببيانات خجولة عن أهمية السلام، لعلمها أن هذه الخطوة تأتي لدعم ترامب في الانتخابات، بينما الفريق الأول يقدم الهدايا المجانية لترامب للبقاء في السلطة لأربع سنوات قادمة.
من أجل دعم ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة في ظل التقدم في استطلاعات الرأي لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن على ترامب بفارق 12 نقطة تعمل إدارة ترامب وإسرائيل لدفع مزيد من الدول العربية للدخول في مسار التطبيع، أهم هذه المحاولات تتركز على دولتين ذات أهمية كبيرة على المستوي السياسي والاقتصادي، وهما قطر والسعودية، فهناك محاولات أمريكية وإسرائيلية جادة لدفع قطر للدخول في مسار التطبيع العلني بدل التطبيع السري لإعطاء انطباع أن مسار التطبيع لا يشمل فقط محور الاعتدال بل يشمل كل المحاور.
قطر رغم صغر مساحتها إلا أنها دولة مؤثرة في الإقليم فقد استطاعت أن تبني لها مكانة كبيرة في المنطقة من خلال الوسائل المادية والإعلامية حتى أصبحت لاعب مؤثر في معادلة الشرق الأوسط، كما أن قطر تتحرك في إطار محور يغلب عليه الطابع الإسلامي (السلام السياسي أو الإسلام الحركي) وهناك تحالف بين الإمارة وجماعة الإخوان المسلمين وفروعها في المنطقة، بدعم ومساندة تركيا أردوغان، وحزب العدالة والتنمية وهو حزب ينتمي للتيار الإسلام السياسي، وكان أحد النماذج التي رأت فيه الولايات المتحدة مثال يمكن تعميمه على المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
الحوار الاستراتيجي الأمريكي القطري الذي عقد في واشنطن خلال الأسبوع الماضي وصدر عنه بيان مشتركة يؤكد دعم البلدين لرؤية الرئيس ترامب لتحقيق السلام في المنطقة، بدون الإعلان عن تطبيع العلاقات الإسرائيلية القطرية بمثابة حل وسط بين رفض قطر الدخول في هذا المسار في الوقت الحالي وبين إصرار إدارة ترامب على دفع قطر تحديدًا للإعلان عن تطبيع علاقاتها لأسباب مختلفة.
بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل هناك أهمية كبيرة لدخول قطر مسار التطبيع في الوقت الحالي، كونها دول لا تمثل نفسها فقط بل تمثل محور كامل، ودخولها مسار التطبيع قد يدفع دول أخرى للدخول في هذا المسار، كما أنه قد يخفف الضغوط الإعلامية والسياسية والجماهيرية عن الدول التي وقعت اتفاقيات مع إسرائيل، لكن أمير قطر تمسك خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالمبادرة العربية وحل الدولتين وأكد على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967.
أما على مستوى السعودية، يبدو أن هناك تردد سعودي في الدخول في مسار التطبيع المجاني مع إسرائيل في هذه المرحلة، هذا التردد السعودي رغم سماح السعودية بفتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية في طريقها للإمارات العربية، يعود لعدة أسباب أهمها الخشية على المكانة الدينية التي تتمتع بها المملكة في الوجدان العربي والإسلامي كونها تحتوى على الأماكن الأكثر قداسة لدي العرب والمسلمين، كما أن لدى السعودية مخاوف من عدم نجاح ترامب في الانتخابات، ناهيك أن السعودية هي صاحبة المبادرة العربية التي اطلقها الملك عبد الله في اجتماع القمة العربي في بيروت عام 2002 والتي تربط بين جهود التسوية السياسية والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وبين التطبيع، وكسر السعودية للمبادرة العربية في هذا التوقيت الحساس لن يكون في صالحها.
وعليه يمكننا القول أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية سوف تحدد خط سير الشرق الأوسط الجديد، فإما مزيد من سياسات ترامب التي تبتعد عن القانون الدولي والمواثيق الدولية، على المستوى الإقليمي والدولي، عبر سياسة فرض حقائق جديدة بالقوة على المستوى الإقليمي من خلال دفع مزيد من الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وتقويض أسس النظام الدولي والتجارة الدولية عبر سياسات الحمائية والرسوم الجمركية، أو عودة لسياسات الديمقراطيين التي ترتكز على فكرة التعاون الدولي وحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، على المستوى الدولي والإقليمي، والعودة إلى مبدأ حل الدولتين وأسس التسوية مع ممارسة ضغوط على دول المنطقة في مجال الحريات العامة والديمقراطية، ما قد يؤدي لحدوث تحولات جديدة في منطقة الشرق الأوسط في حالة فوزه.