ماذا يفعل هؤلاء داخل وطني يا دولة رئيس الوزراء …؟!!

19 مارس 2023
ماذا يفعل هؤلاء داخل وطني يا دولة رئيس الوزراء …؟!!

د. مصطفى التل

نائب السفير الألماني في المملكة (فلورين رايندل) قال : إن دولته تشجع الحكومة على اتخاذ قرارات صعبة تعد حرجة للحكومة في قطاع المياه، ومن بينها إصلاح تعرفة المياه من أجل ضمان الاستدامة المالية.

مديرة البعثة الأميركية للتنمية الدولية في الأردن (شيري كارلين ) شددت على ضرورة استعادة الكلفة المالية للمياه المقدمة للسكان وتخفيض كلفة الطاقة المستخدمة في توزيع المياه , ورأت أن المياه في الأردن رفاهية لا يستطيع الجميع الحصول عليها في ظل شح مصادرها.

المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الأردن (شيري ريتسيما-أندرسون) قالت خلال حفل – دورة الحادية عشرة من فيلم المرأة – : إن حقوق المرأة ليست رفاهية يمكن تأجيلها لحين حل أزمة المناخ، أو القضاء على الفقر, أو إيجاد عالم أفضل، بل يعتبر الاستثمار في النساء والفتيات الوسيلة الأضمن لتحقيق أجندة 2030 للتنمية المستدامة، داعية للعمل معاً للوصول إلى أردن أكثر شمولية وازدهاراً للنساء والفتيات، والرجال والفتيان، في جميع أنحاء المملكة.

وسفراء لدول صديقة وشقيقة , يجوبون الأردن من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه , يجتمعون مع أصحاب النفوذ في الاردن , يناقشون , يستمعون , يستمزجون , يركزون , يحللون , يبنون شبكات مختلفة على مختلف الصعد والطبقات , ذات تأثير نافذ لعمق الدولة الداخلي , على المستوى الهرمي والأفقي .

دولة الرئيس , السيادة الوطنية لها مظهران :
الاول: السيادة الداخلية: وهي السلطة الشرعية المطلقة والحصرية للدولة على جميع الأفراد والجماعات داخل اقليمها، وحرية الدولة في ادارة شؤونها دون تدخل خارجي مع حرية اختيار شكل الحكم داخل اقليمها والحكومة كذلك، مع ادارة الاقتصاد بالشكل الذي تريده داخل اقليمها دون تدخل أي جهة خارجية كانت.

الثاني : السيادة الخارجية : أي ان الدولة صاحبة السلطة المطلقة في ادارة علاقاتها الخارجية دون الخضوع لاي سلطة عليها, مع عدم الاخلال بقواعد القانون الدولي العام .

وعليه يا دولة الرئيس , أكّدت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه ليس لأي دولة الحق في التدخل في الشؤون الداخلية ولا الخارجية لأي دولة أخرى . ومن مظاهر التدخل الداخلي للدول والتي نصت عليها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة:
– استعمال اجراءات اقتصادية وسياسية أو من طبيعة أخرى لإكراه دولة ما على ممارسة أعمال خارجة عن ارادتها.
– التدخل في الصراعات الداخلية لدولة ما , وهذا يرتبط بحرية الدولة أو الجماعة داخل الدولة في اختيار النظام السياسي والاقتصادي داخل هذه الجماعة .

– حق الشعب في اختيار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي , فللدولة ان تختار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي دون اجبار من أخرى أو بمجرد التلويح بعصى وجزرة لها , تدفعها في اختيار هذه النظم داخل اقليمها , وكذلك لها حرية التغيير في هذه النظم دون اجبار او تلويح بالإجبار من أي قوة خارجية .

دولة الرئيس , لا ننكر أن الدولة محكومة بالقواعد العامة للقانون الدولي , وبالمعاهدات الخارجية , والاتفاقيات الثنائية على المستوى نفسه , وبعلاقات دولية متشابكة , ليس أولها الرضوخ للدول الكبرى , من باب أن بيدها أن تصوغ العلاقات الدولية والقانون الدولي نفسه , بحكم وضعها الاستثنائي الذي ضمنته لنفسها في هيكلة مؤسسات القانون الدولي وليس اوله مجلس الأمن الدولي وحق نقض الفيتو الذي يبيح لها السيطرة المطلقة على دول العالم من باب الاستثناء الذي أعطته لنفسها .

ولا نختلف يا دولة الرئيس على أن هذه الدول الكبرى أعطت لنفسها الامتياز بالتحكم بمجريات العلاقات الدولية وقواعدها , بعد حق النقض الفيتو في مجلس الامن الدولي , ليمتد الى مؤسسات دولية كبرى مهيمنة , مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي , بحكم القوة التصويتية للدولة والذي ارتبط بمدى حجم مساهمة هذه الدولة في هذه المؤسسات المالية العالمية من مجمل موازنتها العامة , أي انه يعطي الدول الغنية ما لا تتمتع به الدول الفقيرة في هذه المنظمات الدولية المالية .

ولا نختلف معك يا دولة الرئيس أن المساواة بين الدول , هي مسألة شكلية على الورق من جانب , ومن جانب آخر أن التدخل في شؤون الدول الاخرى الأكثر فقرا , والاكثر تأثراً بقرارات هذه الدول الكبرى بمختلف مواقعها في القانون الدولي ومؤسساته المالية الكبرى , هو أمر يتنافى مع مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول للأمم المتحدة , ولكنه امر حاصل لا مفرّ منه .

ولا نختلف معك يا دولة الرئيس , أن الأردن دولة موضوعية في نهجها العالمي والداخلي , أي انها تعرف ان التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لا بد منه , وان مبدأ المساواة بين الدول , غير موجود إلا على الورق فقط , وموضوعية الاردن في التعامل الخارجي على مستوى القانون الدولي , جنّبه الكثير من الويلات , ومن الكوارث , وعليه بنى الاردن طريقه العالمي والداخلي ضمن توازنات خاصة به .

دولة الرئيس , ماذا يفعل هؤلاء في وطني ؟! الجواب لا يخرج عن ثلاثة تيارات لا رابع لها , حسب المستمد من منظري الرسمي وشبه الرسمي في الأردن:

الأول : التيار الذي يعتبر أنه لم يعد هناك مبرراً لتطبيق مبدأ السيادة المطلقة في الحالات التي تمارس فيها الدولة دوراً سياسيا واقتصاديا ضمن معاملات تجارية واقتصادية , أي هي السيادة المقيدة والذي بدأ في نهاية القرن العشرين , فالجغرافيا السياسية هي التي تتحكم وتنظم العلاقات الاقتصادية الدولية وتراجعت السيادة المطلقة لصالح حرية التجارة وازالة القيود بين الدول , مما يعني تراجع الدولة لصالح القطاع الخاص .
ولكن لا زلنا بحيرة يا دولة الرئيس : فالتي تريد رفع سعر المياه في الاردن هي حكومة الولايات المتحدة الامريكية مع حكومة المانيا , أي ان الامر يأتي من دول لا من قطاع خاص , وبتوجيه مباشر من حكومات خارجية لحكومة المملكة الاردنية الهاشمية وعلى أرض المملكة الأردنية الهاشمية ..!!! حسنا لعلّ التيار الثاني للأجوبة يسعفنا في هذا.

الثاني: لعلّ المؤسسات الدولية المالية فاقت قدرات الدولة من حيث التأثير على مستوى السيادة الخارجية والداخلية , حيث أنها صاحبة اليد العليا في القرارات الداخلية الاقتصادية , فتنامي المصالح المشتركة للدولة ذات البعد العالمي قلل من دور الدولة التقليدي في هذا العالم , فتراجع لصالح هذه المؤسسات العالمية المالية , فصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات متعددة الجنسيات , هي صاحبة الحظوة في القرارات الداخلية الاقتصادية والكلف وارتفاعها وغيره .
ولكن الذي يطلب هو حكومة الولايات المتحدة الامريكية وحكومة ألمانيا , وليست مؤسسات دولية مالية …!!!
هذا التيار للأسف لم يسعفنا يا دولة الرئيس على الاجابة: ماذا يفعل هؤلاء يا دولة رئيس الوزراء داخل وطني ؟! قد يكون التيار الثالث حاضراً للإجابة.

ثالثا: الدولة تغيّرت من حيث الوظيفة في ظل العولمة , وهذا التغيّر مرّ بمراحل ومحطات مختلفة بدأ من عام 1929 وليس انتهاءً بزمننا الحاضر , فالكساد العظيم الذي ضرب العالم عام 1929 , ارغم العالم اجمع على اعادة النظر بالمسلمات الاقتصادية الكلاسيكية , وبدأ بإنتاج آليات جديدة للاقتصاد , مما يعني لزاما تغيّر جذري لوظيفة الدولة العامة , ومنها تغيّر مفهوم السيادة الوظيفي ان جاز التعبير حسب طبيعة هذه التغيّرات المتلاحقة , وبالتالي أصبحت السيادة تتبع النظم الاقتصادية العالمية من حيث انفتاحها او انغلاقها . واصبحت السيادة مهمشة امام المفهوم الاقتصادي بكل تعقيداته وتجلياته واحداثه العالمية والمحلية التي لا تهدأ .

حتى هذا التيار يا دولة الرئيس لم يجيب حتى اللحظة : ماذا يفعل هؤلاء داخل وطني ؟!

هل تعتقد دولة الرئيس ان الامر يتعلق بسياسات التكيّف واعادة الهيكلة ؟!!

هذه أتركها للمقالة القادمة لعلني اجد جواباً على السؤال المعلّق : ماذا يفعل هؤلاء يا دولة رئيس الوزراء داخل وطني ؟!!!