نحن وآثارنا: قطع الآثار الأردنية في المتاحف العالمية

6 فبراير 2023
نحن وآثارنا: قطع الآثار الأردنية في المتاحف العالمية

 

زيدان كفافي

دار خلال السنوات الماضية حديث طويل حول آثار الأردن في المتاحف العالمية ، وأدليت بدلوي في هذا الشأن في محاضرة القيتها في المؤتمر الدولي الثالث عشر الذي رعقد في جامعة الأميرة سميّه برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله، وأدام عليه موفور  الصحة والعافية، عام 2016م. ونشر  هذا البحث  في أعمال المؤتمر  تحت عنوان:

Kafafi, Zeidan 2019; Who Owns the Past: Jordanian Archaeological Masterpieces at the International Museums. Studies in the History and Archaeology of Jordan XIII: 627- 640.

وحيث أن  كثيراً من الزملاء لم يطلعوا على ما كتبت، رغبت في أن أشير إلى أهمية الموضوع مرة أخرى على نحو خاطرة تلقي الضوء على ما رميت إليه في بحثي المنشور.

على الرغم من  تأسيس دائرة الآثار الأردنية  في عام 1923م إلاّ أن الكوادر الأردنية المدربة لم تتوافر إلاّ خلال ستينيات القرن الماضي، أي بعد تأسيس الجامعة الأردنية. كما أن أولى الحفريات الأثرية المنتظمة  التي قامت بها مؤسسات أردنية خالصة كانت من قبل دائرة الآثار العامة الأردنية  والجامعة الأردنية مع اطلالة السبعينيات  من القرن الفائت، فكانت حفريات سحاب، وجرش، وتل المزار.  أما قبل هذا التاريخ وبعده فلا تزال البعثات الأثرية الأجنبية عاملة في الأردن، وأنا أنظر لهذا العمل الذي تقوم به البعثات الأجنبية والأردنية المنفردة أو المشتركة من منظار إيجابي لما له من أهمية في إبراز تاريخ الأردن الحضاري وتقديمه للعالم سواء من خلال الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات عالمية وإقليمية ومحلية، او من خلال عرض القطع الأثرية المكتشفة في المتاحف العالمية.  وكان لمدير دائرة الآثار الأردنية البريطاني (لانكستر هاردنج) فضل في تأسيس متحف الآثار الوطني (جبل القلعة) وإصدار  حولية دائرة الآثار العامة الأردنية  عام 1950-1951م. الهدف من هذه المقدمة الموجزة هو القول  هو قول المرحوم جلالة الملك الحسين، أدخله الله فسيح جنانه، : “الآثار ملك للإنسان وليس لإنسان”.

نعود للحديث حول موضوع خاطرتنا المعنون “نحن وآثارنا: قطع الآثار الأردنية في المتاحف العالمية”، ونسأل سؤالاً هو: كيف خرجت ووصلت هذه القطع إلى خارج الأردن؟  وللإجابة على هذا السؤال نقول:

  1. كانت الأردن كغيرها من بعض البلدان العربية جزء لا يتجزء من الإمبراطورية العثمانية  خلال الفترة بين  أعوام 1517 – 1918م. تم خلال هذه الفترة  إهداء وشراء مجموعة من الآثار الأردنية من قبل  العثمانيين لملوك وقناصل ومتاحف وعلى النحو أدناه:
  1. واجهة قصر المشتى: إهداء من الخليفة العثماني عبد الحميد للقيصر الألماني  فيلهلم الثالث. وهي معروضة الآن بمتحف “البرغاموم” ببرلين.

  1.  مسلة الملك المؤآبي ميشع: شراء من قبل القنصل الفرنسي كليرمونت -غانو من أهل ذيبان

وهي معروضة الآن بمتحف اللوفر بباريس.

صورة لمسلة ميشع (متحف اللوفر)

  1. مسلة محارب شيحان: تم اكتشاف هذه المسلة البازلتية في عام 1851م في منطقة تقع بين ذيبان وشيحان من قبل مكتشف ورحالة فرنسي اسمه “F. de Saulcy” الذي وصفها في كتابه Voyage en Syrie, Vol. I”” . وبقي الحجر في مكانه حتى  عام 1864م، حين أخذه السيد Duc de Luynes”” لمتحف اللوفر.

 

  • من خلال الاتفاقيات:

يمكن تقسيم الاتفاقيات  إلى قسمين، وعلى النحو أدناه:

  1. أتفاقيات موقعة مع المنقبين عن الآثار في الأردن: سمح قانون الآثار الأردني وحتى عام 2000م للمنقبين من غير الأردنيين باقتسام القطع الأثرية المكتشفة مع دائرة الآثار العامة الأردنية، وبناء عليه خرجت مجموعة من الآثار الأردنية بشكل رسمي وموافقة الحكومة الأردنية وتعللرض الآن في المتاحف العالمية. وهناك قطع مميزة منها، مثل:

  1. علبة مجوهرات عثر عليها في موقع  تل السعيدية، وهي معروضة في المتحف البريطاني بلندن:

علبة مجوهرات على شكل سمكة من تل السعيدية في الأغوار/ معروضة بالمتحف البريطاني.

  1. اتفاقيات  إعارة طويلة الأمد : 

عقدت دائرة الآثار العامة الأردنية  اتفاقيات مع متحف اللوفر بباريس، ومتحف لوفر أبو ظبي بإعارة المتحفين تمثالاً لكل منهما من تماثيل عين غزال حسب اتفاقية موقعة حسب الأصول وبمعرفة الحكومية الأردنية.

تمثال من موقع عين غزال معرض بمتحف اللوفر

  • قطع أثرية من مواقع أردنية تركت في المتحف الفلسطيني نتيجة لحرب 1967م:

كانت مسؤولية الآثار المكتشفة على ضفتي النهر تحت سلطة المملكة الأردنية الهاشمية بعد وحدت الضفتين في عام 1950م. وبناء عليه، كانت الآثار المكتشفة في الضفتين تخزن إمّا في عمّان أو القدس. وبعد حرب 1967م بقيت هذه الآثار في المتف الفلسطيني “متحف روكفلر” والذي أممته الحكومة الأردنية قبل الحرب بعام وأصبح تحت سلطتها المباشرة. وللأسف وعند مباحثات السلام التي عقدت بين الأردن وفلسطين، ونتج عنها اتفاقية “وادي عربة” ، لم تؤخذ هذه الأمور بعين الاعتبار. وبناء عليه استولت عليها اسرائيل على الرغم من أن معظمها مكتشف في مواقع تقع في الأردن (الضفة الشرقية)، أما الجزء الآخر فقد تكفلت الدولة الأردنية بالبحث عنه مع البعثات الأجنبية بل وشكلت لجان لدراسته ، مثل مخطوطات البحر الميت التي دفعت الحكومة الأردن المبالغ الطائلة للكشف عنها أو شرائها من أيدي التجار خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ونضرب أدناه بعض الأمثلة:

  1. رسم جداري على شكل نجمة عثر عليها في موقع تليلات الغسول الذي يبعد حوالي 5 كم إلى الشمال الشرقي من البحر الميت، تعود بتاريخها للفترة بين حوالي 4500 – 3500 قبل الميلاد.

 

رسم جداري من  تليلات الغسول  (المتحف الفلسطيني/ القدس ؟)

  1. مخطوطات البحر الميت: اكتشفت هذه المخطوطات الهامة جداً لأنها تتحدث حول الفترة المعاصرة لظهور المسيحية في المنطقة. اكتشفت عن طريق الصدفة في كهوف بمنطقة قمران، تكفلت الحكومة الأردنية بالعثور عليها وشكلت لجنة دولية لدراستها. سقطت بيد اسرائيل عند سقوط القدس وأول ما دخل موشيه  ديان القدس بحث عنها. قامت اسرائيل بعد الاستيلاء عليها ببناء متحف خاص اسمه (Shrine o the Book)، وهي الآن قيد العرض فيه. أما المخطوطات النحاسية فهي معروضة الآن بمتحف الأردن بعمان.

كهوف قمران ونماذج من المخطوطات

 

  1. تماثيل موقع رزقة/ منطقة العقبة الآدمية:

اكتشفت الباحثة البريطانية ديانا كيركبرايد خلال نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن الفائت موقع يقع بالقرب من مدينة العقبة، ووصفته بأنه مزار ديني مبني على شكل دائرة ، وعثرت فيه على عدد من التماثيل البشرية الحجرية المنحوتة بأشكال  متعددة. وحيث أن  مركز معهد الآثار البريطاني في المملكة الأردنية الهاشمية ذاك الوقت كان في القدس، فقد شحنت الباحثة هذه التماثيل وعددها يقارب أو يزيد على الأربعين إلى القدس  ووضعتها في “المتحف الفلسطيني”.  وذكرت الباحثة أن هذه التماثيل تعود بتاريخها  لنهاية العصور الحجرية (حوالي الألف الخامس قبل الميلاد). وللأسف بقيت هذه الآثار مع غيرها من الآثار الأردنية في القدس.

بعض تماثيل رزقة  الأردنية  في المتحف الفلسطيني/ القدس

  • قطع أثرية مسروقة ومهربة دون إذن رسمي من الدولة الأردنية:

كما يعلم الجميع أن هناك مجموعة من الأشخاص الذين يقومون بإجراء حفريات خاصة بهم بحثاً عن الكنوز، وخلال حفرياتهم غير الشرعية يعثرون على قطع أثرية ويهربونها إلى خارج الأردن ، خاصة إلى دولة الاحتلال الاسرائيلي. وذكر لي أن مجموعة من الأواني الفخارية من مواقع في منطقة البحر الميت معروضة للبيع في دور المزادات العالمية، خاصة في اسرائيل.

ما رأيكم دام فضلكم؟ :

يطالب كثير من الإخوة بحس قومي وبحماس وطني بضرورة إعادة جميع القطع الأثرية الأردنية الموجودة خارج الأردن للبلاد. لكني أقترح على حضراتكم ما يلي:

  1. تبقى القطع الأثرية الأردنية المعروضة في المتاحف العالمية، غير اسرائيل، في متاحفها للأسباب الآتية:
  1. أن تقدم تاريخ الأردن لزوار هذه المتاحف وعددهم بالملايين.
  2. تستطيع هذه المتاحف العالمية المحافظة على كينونة هذه الآثار لقدرتها المخيبرية والعلمية.
  3. أقترح على الحكومة الأردنية أن تعقد اتفاقيات مع هذه المتاحف مطالبة بضرورة تحقيق منفعة أكاديمية أو علمية أو مادية مقابل عرض هذه القطع في متاحفها. مثلاً، أن تحصل الأردن على نسبة من رسوم الزيارة لهذه القطع سنوياً متفق عليها مع المتاحف العالمية.
  1. المطالبة باستعادة االآثار الأردنية التي استولت عليها اسرائيل نتيجة لاحتلالها  للضفة الغربية عام 1967م.

 

زيدان كفافي

عمّان في 6/ 2/ 2023م

 

مراجع للقراءة لمن يرغب:

Cameron, D. O. 1981; The Ghassulian Wall-Paintings. London: Kenyon-Deane.

Clermont-Ganneau, C. 1870a;La Stèle de Dhiban. Revue arhéologique N.s. 21: 184-207, 257-286.

Clermont-Ganneau, C. 1870b;La Stèle de Dhiban. Paris: J. Baudry.

Grissom, C. 2000; Neolithic Statues from ‘Ain Ghazal. American Journal of Archaeology 104/1: 25-45.

Koeppel, R. 1940; Teleilat Ghassul II. Compte rendue des fouilles de l’Institut Biblique Pontical 1932-36. Rome.

Kirkbride, D. 1969a; Ancient Arabian Ancestor Idols. Part I: the Discovery of the Sanctuary at Risqeh. Archaeology 22/2: 116-121.

Kirkbride, D. 1969b; Ancient Arabian Ancestor Idols. Part II: the Interpretation of the Sanctuary at Risqeh. Archaeology 22/3: 188-195.

Mallon, A., Koeppel, R. and Neuville, R. 1934; Teleilat Ghassul I. Compte rendue des fouilles de l’Institut Pontifical 1929-32. Rome: Biblical Institute Press.

Pritchard, J.P. 1985; Tell es-Sa’idiyeh:Excavations on the Tell, 1964-1966. University Museum Monograph 60. Philadelphia: The University Museum.

Pritchard, J. B. 1980; The Cemetery at Tell es-Sa’idiyeh, Jordan. University Museum Monograph 41. Philadelphia: The University Museum.

Rast, W. E. and Schaub, R. T. (eds.) 1981, The Southern Dead Sea Plain Expedition: An Interim Report of the 1977 Season. Annual of the American Schools of Oriental Research 46. Cambridge M.A.: American Schools of Oriental Research.

Schaub, R. T. and Rast, W.E. (eds.) 1989, Bab edh-Dhra´: Excavations in the Cemetery Directed by Paul W. Lapp (1965-1967). Reports of the Expedition to the Dead Sea Plain, Jordan, Volume I. Eisenbrauns: American Schools of Oriental research.

Schmandt-Besserat, D. 1998; ‘Ain Ghazal’s Monumental Figures. Bulletin of the American Schools of Oriental Research 310: 1-17.

Tubb, J. N. 1991; Preliminary Report on the Fifth Season of Excavations on Tell es-Sa’idiyeh. Annual of the Department of Antiquities of Jordan 35: 181-194.

Tufnell, O. 1953; The Shihan Warior. Iraq 15: 161-166.

Wise, M. O 1997; Dead Sea Scrolls. Pp. 118-127 in E. M. Meyers (ed.), The Oxford Encyclopedia of Archaeology in the Near East, Vol. 4. New York: Oxford University Press.

المراجع العربية:

العابدي، محمود 2010؛ مخطوطات البحر الميت. الطبعة الثانية. مراجعة وتقديم عمر الغول. إربد: جامعة اليرموك.