المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام

2 فبراير 2023
المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام

زيدان كفافي

قدمت قبل مدة تقريراً  لهيئة تنشيط السياحة في المملكة العربية السعودية حول “زرقاء اليمامة”، وحيث أنني تطرقت في أوله لمعلومات حول وضع المرأة في الجزيرة العربية قبل الاسلام ووجدت أنها ذات فائدة وربما تهم بعضاً من الناس، لذا قررت أن أقتبس منه هذه الخاطرة مع إضافات بسيطة على ما ورد فيه. خاصة أننا نتعرض في الوقت الحاضر لهجمة غربية تخرجنا عن ثقافتنا العربية حول وضع المرأة والمطالبة بحقوق لها كانت المجتمعات العربية قد أعطتها لها قبل آلاف السنين. ولن ألج إلى داخل هذه المتاهة الغربية، لأنني أرى أنهم يلهثون وراء إفراغنا من ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وللأسف هناك من قلب ظهر المجن لقوانين اجتماعية تربينا عليها، وكذلك أجدادنا منذ آلاف السنين. 

اختلف وضع المرأة العربية ومكانتها في شبه الجزيرة العربية في فترة ما قبل الإسلام عن وضعها بعد الإسلام، إذ أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد أصّلت وثبتت حقوق المرأة، وأٌسس التعامل معها. أما في الفترة السابقة للإسلام فقد اختلفت مكانة المرأة حسب المجتمع والمكان والزمان التي ظهرت فيه. وعلى الرغم أنه لم يكن هناك وضع قانوني أو قاعدة عامة لكيفية التعامل مع المرأة في مجتمع ما قبل الإسلام، وأنها كانت تعامل حسب العرف القبلي، إلاّ أننا نرى أن هذا الوضع اختلف من مجتمع لآخر. ونحسب أن المرأة العربية كانت لها مكانتها سواء في مجتمع الحاضرة أو المجتمعات البدوية. وإذا أردنا أن نضرب مثالاً على هذا فلا أفضل من مثال السيدة خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم التاجرة، وهي التي عرضت الزواج على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). 

وحتى قبل دخول مجتمع الجزيرة في الإسلام، فقد عثر على تماثيل ودمى أنثوية في مناطق متعددة من بلدان شرقي المتوسط بشكل عام، والجزيرة العربية بشكل خاص،  وهي تعكس مدى احترام وتبجيل هذه المجتمعات للمرأة  حتى منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الحاضر. ولدعم قولنا بإثباتات علمية ذهبنا إلى ما عثر عليه من آثار تخص المرأة في أوضاع مختلفة. إذ عثر في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية على عدد من التماثيل والدمى  والرسوم والمخربشات والمنحوتات الحجرية والمعدنية على الصخور تمثل المرأة في مراكز اجتماعية مختلفة (شكل 1). وحتى قبيل الإسلام، وبالتحديد من القرن الثالث الميلاد، عثر في اليمن على تماثيل ودمى أنثوية تظهر مدى اهتمام العرب بالأنثى بإظهار صفاتها الجمالية ( شكل 2 ). ولو أردنا أن نذهب بعيداً في دراستنا لاتطعنا أن نقدم أمثلة أقدم وأكثر مما نذكره في هذه الخاطرة.  فمثلاً لوذهبنا إلى مصر، لوجدنا أن الحكم فيه وقبل آلاف السنين قد آل إلى ملكات، ونذكر على سبيل المثال حتشبسوت من الأسرة الثامنة عشرة. وأما في العراق، فحدث بلا حرج، من يقرأ حول موجودات مقبرة أور من الألف الثالثة قبل الميلاد وقلائد الذهب وغيرها من المجوهرات، وكيف أنه كان للملكة محظيات يقمن على زينتها، بل شربن السم حتى يخدمنها بع الموت، يرى قيمة الأنثى. في هذه الأثناء كان الغرب يعيش في عصور ما قبل التاريخ، ويطالبوننا بأن نعطي المرأة حقوقها.

                                      

شكل 1 أ: تمثال أنثى عمره حوالي عشرة آلاف عام من موقع عين غزال.

شكل 1 ب: نحت على الصخر في جبل ثائر لمتعبدات أو آلهات ربما يمثلن آلهات الخصب والحب

(عن Khan 2010: Fig. 16, 163)

شكل 2: دمية أنثوية من البرونز من جبل اللوذ/اليمن ربما تعود للقرن الثالث الميلادي

(عن Glanzmann 2002: Fig. 164)

 كما كان للأنثى مدلولات عقائدية إذ أطلق العرب في شبه الجزيرة على أصنامهم أسماء أنثوية،  مثل اللات والعزى ومناة (شكل 3).

شكل 3: منحوتة حجرية للمعبودة اللات وجدت في الطائف (عن الويكيبديا)

وبالإضافة بأن المرأة العربية في فترة ما قبل الإسلام كانت تاجرة، وتم نحت التماثيل لها وإظهار محاسنها ومدى جمالها، سمّى العرب بعضاً من معبوداتهم بأسماء أنثوية، كان هناك ملكات حكمن على ممالك ودول عربية، وأسمائهن مكتوبة وموثّقة في المصادر التاريخية، ومنهن العرّافات أيضاً. حيث تذكر المصادر الآشورية أنه حكم على مملكة أدوماتو  أو مملكة قيدار في عاصمتها (دومة الجندل) في منطقة الجوف بشمالي الجزيرة العربية خلال القرن الثامن قبل الميلاد ملوك وملكات ثاروا على ظلم الآشوريين ورفضوا دفع الجزية لهم، فتعرضوا للهجوم والسبي (شكل 4). ويعود أقدم ذكر لهم في عهد الملك الآشوري تيغلات- بلاسر الثالث (745- 727 قبل الميلاد). وضمت قائمة اسماء الملكات القيداريات كل من:  “زبيبة، وشمسة، ويثيعة، وتلهونه، وتبوعة، وعطية” (Brian 2019: 24-67)  . 

شكل 4: نحت آشوري بارز يمثل إمرأة عربية تقود قافلة جمال أسرها الملك الآشوري تيجلات -بلاسر الثالث خلال حملته على مملكة قيدار أثناء حكم الملكة شمسة على مملكة قيدار

(اللوحة محفوظة الآن بالمتحف البريطاني بلندن (عن Potts 2010: 73)

كما كان للمرأة النبطية شأن اجتماعي كبير بدلالة أن الملوك الأنباط ابتداء من حكم عبادة (30-9 قبل الميلاد) وتبعه الحارث الرابع (9 ف.م. – 40م) قد وضعا صور الزوجات والشقيقات إلى جانب صورتهما على قطع العملة النبطية  (الفاسي 1993: 112).  كما يجب ألاّ يفوتنا أن المرأة لعبت دوراً في الحروب والغزوات، فهي من تحمس الرجال وتشجعهم في بذل النفس من أجل رفعة وسمعة القبيلة، وتضمد جراحهم في المعركة. ومن الأمثلة على مشاركة النساء في الحروب، ما فعلته هند بنت عتبه من عمل شنيع في غزوة أحد، كما أنها كانت سبباً في عددٍ من الحروب بين القبائل العربية. وترى هتون أجواد الفاسي (1993: 105- 113) أن المرأة كانت ذات وضع متميز خاصة في المجتمع العربي في منطقة شمالي الجزيرة العربية، إذ سمح لها بتقديم النذور، وبناء القبور والتضرع للآلهة، كما خدمن كاهنات في معبد الإله “ود” وغيره من الآلهة المعينية في مملكة ددان. كما أشارت بعض النقوش إلى تملك إمرأة لحيانية مزرعة نخيل بتيماء.

هذه صورة مضيئة عن وضع المرأة في مجتمع عربي ساد شبه الجزيرة العربية في مرحلة ما قبل الإسلام، لكن في المقابل لا ننكر أن المرأة كانت تباع عن طريق ولي أمرها في سوق النساء، كما لم يكن لهن حق بالميراث حتى مجيء الإسلام. 

اختلفت مكانة المرأة بين الناس حسب الطبقة الاجتماعية، فعند السادة كان لها احترامها ونفوذها وامتلكت الأموال، وتتمتع بحقوق لا تتمتع بها المرأة في المجتمعات الفقيرة. وكانت المرأة في هذا المجتمع هي مدبرة المنزل ، لكن يساعدها خدم يقمن على خدمتها وأهل بيتها. وضربنا مثالاً على هذا من السيدة “خديجة بنت خويلد” والتي عاشت في مجتمع نصراني. وحيث أن شبه الجزيرة العربية شهدت تعدداً في الديانات في فترة ما قبل الإسلام (المسيحية، واليهودية، والصابئة، والمجوسية، والوثنية، والحنيفية)، فهل حددت هذه الديانات حقوق المرأة في فترة ما قبل الإسلام؟ وهل اختلفت مكانة المرأة من دين لآخر؟ وهل كان هذا سبباً في الإختلاف والتعدد في مكانة المرأة لدى المجتمعات العربية التي عاشت في هذا الحيز الجغرافي. كذلك كان للملائة المالية عامل كبير في تحديد ومكانة المرأة الاجتماعية، إذ كانت المرأة في المجتمعات الفقيرة أقل حظاً من نساء الطبقة الاجتماعية الراقية، فالمرأة هي التي تربي الأطفال، وتعد الطعام، وتحضر الماء، وتحلب الحيوانات، وتغزل الصوف، وتجمع الحطب، إضافة لوظائف أخرى متعددة. ويذكر جواد علي (1980 ج5: 526-568) في مناقشته للأحوال الشخصية في الجزيرة العربية قبل الإسلام أنه كانت هناك أحكاماً وحقوقاً حددت العلاقات والمعاملات بين الناس، ومنها حقوق المرأة في الزواج والمهور.

زيدان كفافي

عمّان في 2/ 2/ 2023م

مراجع لمن يريد

علي، جواد 1980؛ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. الجزء الخامس. الطبعة الثالثة. بيروت: دار العلم للملايين.

الفاسي، هتون أجواد 1993؛ الحياة الاجتماعية في شمال غرب الجزيرة العربية في الفترة ما بين القرن السادس قبل الميلاد والثاني الميلادي. الرياض.

Brian, Ulrich 2019; Arabs in the Early Islamic Empire. Edinburgh: Edinburgh University Press.

Glanzman, W. D. 2002; Arts, Crafts and Industries. Pp. 110- 141 in St. John Simpson (ed.), Queen of Sheba. Treasures from Ancient Yemen. London: The British Museum Press.

Khan, Majeed 2010; From Prehistoric Art to Nomadic Art: Thought on the History and Development of Rock Art in Saudi Arabia. Pp. 159- 165 in Ali Ibrahim Ghabban, Béstrice André- Salvini, Françoise Demange, Carine Juvin and Marianne Cotty (eds.), Roads of Arabia. Paris: Musée du Louvre.

Potts, Daniel 2010; The Story of the Origins. Pp. 71-78 in Ali Ibrahim Ghabban, Béstrice André- Salvini, Françoise Demange, Carine Juvin and Marianne Cotty (eds.), Roads of Arabia. Paris: Musée du Louvre.