وطنا اليوم – يرى العديد من المراقبين والمحللين في كيان الاحتلال أنّ عملية تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو السادسة أكّدت لكلّ مَنْ في رأسه عينان أنّ الواقع تفوّق على الخيال، فرئيس الوزراء المُكلّف يقوم بعملية تصفية لما تبقّى من مؤسساتٍ في دولة الاحتلال وبيعها بالمزاد العلنيّ للشركاء العنصريين، الفاشيين، المُتدينين، الذين لم يخفوا شراهتهم للحصول على المكاسب حتى قبل تشكيل الحكومة، لعلمهم أنّ الحديث يدور عن رجلٍ كذاّبٍ، أيْ نتنياهو، لا يُقيم وزنًا لتعهداته، وتكفي في هذه العُجالة الإشارة إلى أنّه عشية الانتخابات الأخيرة، والتي جرت في الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، بثت القناة الـ 11 بالتلفزيون الإسرائيليّ الرسميّ تسجيلاً لرئيس حزب (الصهيونيّة الدينيّة)، بتساليئيل سموتريتش وهو يصِف نتنياهو بالكذّاب ابن الآلف كذّاب.
وفي هذا السياق شدّدّ محلل الشؤون الحزبيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، يوسي فارتر، على أنّ شركاء نتنياهو العنصريين، الذين يبحثون عن حروب، وخلافات وشقاق، والمتزمتين حتى المسيحانيّة، ليسوا هم المشكلة، بل أنّ الخطورة تمكن في شخص ومواقف وأفكار نتنياهو ليس إلّا.
المحلل تابع قائلاً إنّ الحكومة الجديدة التي تتشكّل هي حكومة متزمتة جدًا، ظلاميّة وخطيرة، وللتدليل على ذلك، أضاف، يمكن الاستعانة بالإنجازات التي حصل عليها الشركاء في الحكومة من متزمتين منتشين من القوّة ومستوطنين يبحثون عن إثارة المشاكل والخلافات وعنصريين، ولكنْ هؤلاء على عواهنهم، ليسوا هم القصّة، إنّما هم بمثابة القصّة الفرعيّة لما يحدث، ذلك أنّ الخطر الحقيقيّ يبقى من رئيس الوزراء، الذي اجتاز كلّ حدود الممكن، وداس على كلّ القيّم، ودنّس كلّ قاعدة، على حدّ وصف المُحلِّل.
ومن المفارقات العجيبة الغربيّة أنّ أقطاب الحكومة الجديدة لم يخدموا في جيش الاحتلال، لا بلْ أكثر من ذلك، فإنّ الأحزاب الدينيّة المُشاركة في الائتلاف الجديد، تدعو أتباعها علنًا، جهارًا ونهارًا لرفض الخدمة بالجيش، الذي يعتبر بقرةً مقدسةً في كيان الاحتلال، ونتنياهو وافق على شروطهم ووقّع على اتفاقياتٍ معهم تزيد من رواتب اليهود الذين يدرسون الدين في المعاهد الدينيّة، عوضًا عن الخدمة بالجيش، وذلك على حساب دافع الضرائب الإسرائيليّ، الأمر الذي أثار حفيظة العلمانيين واللبراليين في الكيان.
أكثر من ذلك، من المُهّم الإشارة إلى أنّ قُطبيْ الحكومة الجديدة، سموتسرتش وزميله إيتمار بن غفير، زعيم حزب (القوّة اليهوديّة) لم يخدما في جيش الاحتلال، وكانا دائمًا تحت رقابة القسم اليهوديّ في جهاز الأمن العّام (الشاباك الإسرائيليّ) لخطورتهما الأمنيّة، وتمّ اعتقالهما عدّة مرّاتٍ بتهم محاولة تنفيذ عملياتٍ إرهابيّةٍ، خصوصًا خلال تنفيذ خطّة فك الارتباط عن قطاع غزّة في العام 2005، مع العلم أنّهما يسكنان في المستوطنات الإسرائيليّة بالضفّة الغربيّة المُحتلّة، ويؤمنان بأنّ إسرائيل الكبرى يجِب أنْ تكون دولة الشريعة اليهوديّة، وطبعًا طرد العرب من فلسطين التاريخيّة.
وعلى الرغم من خطورتهما الأمنيّة، فقد وافق نتنياهو على منح سموتريتش منصب المسؤول في وزارة الأمن عن تنسيق أعمال الحكومة في الضفّة الغربيّة، وهو الأمر الذي يراه العديد من المراقبين موافقة ضمنية من نتنياهو لفرض السيادة الإسرائيليّة على الضفّة الغربيّة، أيْ أنّ سموتريتش، الذي كان هدفًا للشاباك الإسرائيليّ بات اليوم مسؤولاً عنه.
أمّا بن غفير، فقد استطاع أنْ يبتّز نتنياهو أكثر، حيث أجبره على منحه وزارة الأمن الوطنيّ وتغيير القانون بحيث تكون الشرطة وحرس الحدود تحت إمرته، وليس تحت إمرة المفتش العام للشرطة، كما كان متبعًا، الأمر الذي يسمح له بإثارة وافتعال المشاكل في تفعيل القوّة بالمناطق الحساسة مثل المسجد الأقصى المبارك وأماكن أخرى من طرفيْ ما يُسّمى بالخّط الأخضر.
وبما أنّ نتنياهو، على ما يبدو، قرر منح القط مهمة حراسة الحليب، فقد وافق على مطلب بن غفير بمنحه حقّ النقض (الفيتو) على كلّ قرارٍ يُتخّذ بالحكومة، وأكثر من ذلك، بن غفير، الذي اعتقل من قبل الشاباك والشرطة 53 مرّةً بتهمٍ أمنيّةٍ وتهم إخلالٍ بالنظام العام، وأُدين عدّة مرّاتٍ بالتماثل مع تنظيم إرهابيٍّ وعنصريٍّ، تحوّل بفضل نتنياهو إلى الرجل الشرعيّ وبحسب طلبه، تمّ ضمّه إلى إحدى أكثر اللجان الحكوميّة سريّةً، وهي اللجنة المسؤولة عن مراقبة أعمال وتصرفات وأنشطة الشاباك، أيْ أنّ الشخص الذي كان مطلوبًا للتحقيق من قبل الشاباك بات مسؤولاً عنه، وبتعيينٍ حكوميٍّ صادق عليه رئيس الوزراء نتنياهو بنفسه.
أمّا القّط الذي يحرس الحليب فهو وزير الماليّة القادِم، آرييه درعي، وهو لص مُدان في المحاكم الإسرائيليّة وقضى سنوات طويلة في السجن بعد إدانته بعدّة تهم من الرشاوى وحتى خيانة الأمانة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه لم يخدم بالجيش من دوافع دينيّةٍ.
درعي، قائد حزب (اتحاد اليهود الشرقيين) عاد للحلبة السياسيّة بعد سبع سنوات من إطلاق سراحه، ولكن في كانون الثاني (يناير) الماضي أُدين بحسب اعترافه بسرقة أموالٍ من سلطات ضريبة الدخل، وتعهد أمام القاضي بترك الحياة السياسيّة، الأمر الذي دفع المحكمة إلى التخفيف بالحكم الذي فُرِضَ عليه. درعي، الصديق الصدوق لنتنياهو، عاد قبيل الانتخابات الأخيرة وحصل الحزب بقيادته على 11 مقعدًا وهو مرشح الآن لعدّة مناصب وزاريّة أهمّها وزارة المالية، علمًا أنّ نتنياهو نفسه ما زال يُحاكم بتهم تلقّي الرشاوى، النصب والاحتيال وخيانة الأمانة.
وفي الخلاصة، يُمكِن الاستعانة بما قاله مصدرٌ رفيعٌ جدًا في حزب (ليكود) لصحيفة (هآرتس):” بالنسبة لنتنياهو لا شيء أهّم من إلغاء محاكمته، فلتحترق إسرائيل، كما قالت زوجته ذات مرّةٍ، بشرط أنْ يحصل على البراءة بطرقٍ ملتويةٍ.. نتنياهو لا يأبه ببيع جميع الوزارات والمؤسسات، الغاية تُبرر الوسيلة، والغاية هي تملصه من المحكمة وعدم الدخول للسجن عدّة سنواتٍ”، على حدّ تعبير المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه. رأي اليوم