‏أربعة دروس من أزمة الإضراب

19 ديسمبر 2022
‏أربعة دروس من أزمة الإضراب

حسين الرّواشدة
الأزمة ، أي أزمة ، مدرسة يمكن أن نجلس في صفوفها كتلاميذ ، لنتعلم فيها الدروس ، ويمكن، أيضا ،أن نقفز من شبابيكها لنهرب من مواجهة اسئلتها وامتحاناتها الصعبة، مهمة الكاتب ،هنا، أن يدقق بما حدث في واقعة الاضرابات الاخيرة ، وأن يتعامل معها بمنطق الكشف والتحليل ، لا بمنطق القبول أو الإدانة ، أو إصدار الأحكام على أي طرف .

أشير إلى أربعة دروس كانت لافتة ، أضعها بين يدي القارئ الكريم ، الأول : حضور القبيلة ، فبعد 100 عام على تأسيس الدولة يطرح مثل هذا الحضور أسئلة متعددة ، لابد من الإجابة عنها ، أبرزها سؤال العلاقة بين الدولة والقبيلة ، وفيما إذا كانت الثانية ملأت فراغ غياب الأولى ، صحيح ان حضور القبيلة كان مفهوما باعتباره جزءا من تاريخ حركة المجتمع ، خاصة عند الأزمات ، لكن ما حدث في هذه الأزمة تجاوز المألوف ، فقد بدأ الحدث باسم القبيلة ، وحين وقعت جريمة الاعتداء على الشهيد عبدالرزاق الدلابيح ( رحمه الله) جاء الرد القوي والحكيم من القبيلة ، ثم حين انسدت الأبواب ،وتعمقت الأزمة اكثر ، لم نسمع إلا صوت القبيلة.

اما الدرس الثاني ، فهو هشاشة الوسائط الاجتماعية والسياسية المفترض أن تمثل الجسر بين الدولة والمجتمع ، معظم هذه الوسائط التي تم الاستثمار فيها ، من خلال التعيينات والإمتيازات والحظوات ، تبين أنها مقطوعة العلاقة مع حواضنها الاجتماعية، وليس لديها أي قدرة على التأثير ، او عقلنة الغضب الشعبي ، غياب الأحزاب كان واضحا ومعروفا، لكن غياب الروافع السياسية (لكي لا أقول رجال الدولة ) كان صادما ، هؤلاء يختفون تماما عند الأزمات ، ويختارون الصمت لكي لا تحسب عليهم مواقفهم ، وبحكمة متاخرة يمكن أن يقرروا انحيازهم بعد انكشاف معادلة الربح والخسارة .

الدرس الثالث : مقابل هشاشة اغلبية النخب والوسائط السياسية ، مازال الأردنيون يتمتعون بقدر عال من العافية والحكمة ،و الوطنية العالية، صحيح داخل المجتمع يوجد أزمة واحتقانات وحالة من اليأس ، وفجوة ثقة تتسع مع مؤسسات الدولة ، ويوجد هواجس ومصالح تبدو أحيانا متضاربة ، لكن الأهم من ذلك أن فرصة الاستثمار في وعي المجتمع وحيويته وعقلانيته متاحة تماما، لو أراد المسؤولون ذلك ، وهي فرصة ثمينة لتجاوز هذه الأزمة وغيرها ، فصورة الأردنيين ،كما عكستها تفاصيل الإضراب ،وما جرى بعده من تداعيات ، تؤكد أن معدن الأردنيين أصيل ، ونخوتهم حاضرة ، وانتماءهم لبلدهم غير قابل للمزاودة ، المشكلة أن البعض لا يريد أن يلتقط ذلك ، بل ويفعل عكس ما هو مطلوب .

الدرس الرابع : إدارة الأزمة تشبه تماما إدارة الدولة ، أو هي صورة مصغره عنها ، المقاربة هنا بين ما فعلنا على امتداد السنوات الماضية في إدارة الشأن العام ، وبين ما فعلنا خلال الأسبوعين المنصرفين في إدارة الإضراب واجبه و ضرورية ، لكي نفهم ونصحح مساراتنا ، لا أريد أن استعرض أين أخطأنا ؟ هذا يعرفه الجميع ، أريد أن أقول ، فقط : لابد أن نراجع كل ما فعلنا بأنفسنا وبلدنا، وإلا فإننا سنراكم أخطاءنا ، ونعجز في لحظة حرجة عن مواجهة مشكلاتنا وأزماتنا ، وعندئذ سنصطدم، لا سمح الله، بالجدار.رن