ألا تستحق عمّان أن تكون خاطرتها طويلة ومزودة بكثير من الصور؟
(زيدان كفافي)
جبل القلعة عبق التاريخ (القصر الإسلامي والمسجد والسوق.
ألا تستحق عمّان أن تكون خاطرتها طويلة ومزودة بكثير من الصور؟
(زيدان كفافي)
حبى الله عمّان بماء وفير دعى إليه مجموعات بشرية لتأتي وتسكن على جانبي نهر سمّاه الناس (سيل عمّان) وينبع من رأس العين ، ويستمر بمسيرته حتى يصل مدينة الزرقاء فيتحول اسمه إلى (سيل الزرقاء) ويخرج من الزرقاء فيلتقي وادي الظليل بعد أن يكون قد سلم على السخنة وأهلها. يمر هذا النهر في طريقه للأغوار بعدد من العيون الذي يتزود بمياهها ، مثل عين غزال، وعين الرصيفه وغيرها. لم يكن نهر الزرقاء معبراً وموئلاً للمجتمعات البشرية عبر العصور فقط، لكنه الممر الذي ربط بين غور الأردن والمرتفعات الجبلية والبادية الأردنية.
يتجه نهر الزرقاء غرباً قاصداً السلام على نهر الأردن ، فيمر بوادي جرش ، ثم ينحدر مستعجلاً ، فيصل إلى الأغوار بالقرب من بلدة معدّي، ويوصي أهلها بالسلام على أهل بلدات الصوالحة ودير علا . وكنت تسمع مياهه تزغرد بأنها بدأت تشم رائحة نهر الأردن ، ويتنفس النهر الصعداء عند بلدة داميا وهناك يلتقي النهر فيسلم عليه بعد أن يكون قد قطع نحو 70 كيلومتراً. ويختلف عرضه من منطقة لأخرى ، إذ يتراوح بين 7 – 10 أمتار .نركز في هذه الخاطرة على المنطقة الممتدة بين منبع النهر (رأس العين) وحتى جسر عين غزال، فقط. لكن هذه المنطقة هي جزء من كل، فعمّان لها عمق حضاري وانتشار سكاني استقروا على ضفاف النهر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الحاضر.
أودية عمّان التي تصب في مجرى نهر الزرقاء
يزعم بعض علماء ما قبل التاريخ أن منطقة شرقي الأردن كانت منطقة سافانا قبل حوالي مليوني عام، وبناء عليه عثر في منطقة التقاء واديي الزرقاء والظليل على بقايا لنوع من الفيلة وأدوات صوانية تعود لحوالي 2.4 مليون سنة من الحاضر. كما أستقر الناس في حوضه قبل حوالي 10.500 سنة، وأسسوا قرى زراعية أقدمها وأكبرها ( حوالي 20 هكتاراً) حتى الآن موقع خريسان، بالقرب من بلد (القنية)، إضافة لمجموعة من القرى الأخرى مثل عين غزال، وأبو الصوان. وقد عرف أهل هذه القرى الزراعة وتربية الحيوانات، ومارسوا العقائد الدينية، فبنوا بيوتاً للآلهة، وجسدوها بدمى وتماثيل لا مثيل لها في العالم. من هنا يمكننا الزعم بأن فلاحي وادي الزرقاء الأوائل كانوا مخترعين ومبدعين. وبقي الحال على ما هو عليه من ازدهار وحياة رغيدة حتى حصل تحول مناخي قبل حوالي 8000 آلاف عام ، مما أثر على طبيعة الاستيطان وحياة السكان.
ناب فيل وجد تحت طمم كبير من الحجارة في منطقة التقاء واديي الزرقاء والضليل
يبدو أن الفترة الواقعة بين حوالي 4500 – 3600 قبل الميلاد شهدت تحولاً كبيراً في تحول الناس إلى مجتمعات أقرب إلى البداوة منها إلى المدنية، وتحولت القرى الكبيرة إلى مخيمات وسكن الناس في أغلب الحالات داخل الكهوف. وانتشر الناس بشكل كبير على ضفاف نهر الزرقاء وذلك بدلالة العثور على حقول لما يعرف باسم النصب الحجرية، أو ما يعرف باسم الدولمنز (Dolmens). وعندما زار الرحالة كوندر (Conder) عمّان في عام 1881/1882م سجل وجود العدد الكبير من الكهوف على ضفاف أودية عمّان ونعتقد أن الناس قد آووا إليها في هذه الفترة.
غير أن الحال بدأ يتغير تدريجياً مع بداية منتصف الألف الرابع قبل الميلاد ، حيث عثر على عدد كبير من المواقع المؤرخ للفترة بين حوالي 3500 – 2000 قبل الميلاد في حوض الزرقاء، ومن أهمها (خربة البتراوي/ على أطراف مدينة الزرقاء) التي وصلت إلى درجة من التطور في حوالي 2800/2700 قبل الميلاد حتى أصبحت مدينة محصنة بأسوار. لكن الآثار المكتشفة والمؤرخة لهذه الفترة في منطقة العاصمة عمّان لم تخرج عن كونها تجمعات صغيرة سكنت منطقة عين غزال / مقابل المسلخ، وجبل القلعة. بل إن المنطقة قد شهدت خلال الفترة من حوالي 2400 – 2000 قبل الميلاد تراجعاً سكانياً وتطوراً في أنماط المعيشة، وكل ما عثر عليه من هذه الفترة في عمّان كان عبارة عن مجموعة من القبور المنتشرة في أماكن متباعدة مثل قبر المدينة الرياضية، وأم البغال، وكان هذا حال جميع مناطق جنوبي بلاد الشام.
أما خلال فترة العصر البرونزي المتوسط (حوالي 2000 – 1550 قبل الميلاد) فقد شهدت المنطقة تحولاً كبيراً، إذ أن المدن الكبرى مثل خربة البتراوي وجبل المطوق قد هجرت، وعوضاً عنها انتقل التجمع السكاني إلى جبل القلعة بعمان. وقد كشفت الحفريات في جبل القلعة على أن الجبل كان محصناً بسور من النوع المسمى (Glacis) أي منحدر ترابي لا تستطيع العربات تسلقه. لكن من المواقع المهمة والمؤرخة لهذه الفترة هو موقع “خربة الرصيفة”، حيث أجرت دائرة الآثار العامة الأردنية تنقيبات واسعة في هذا الموقع.
وبقيت عمّان وما حولها خلال الفترة بين حوالي 1550 – 1200 قبل الميلاد مكاناً للقبائل الرعوية، إذ لم يعثر حتى الآن في المدينة، خاصة في جبل القلعة إلاّ على بقايا معمارية بسيطة أكتشفت على الكتف المطل على المدرج الروماني في عام 1968/1969م عن طريق الباحث الأمريكي دورنمان. كما كشف النقاب عن معبد في مدرج مطار ماركا أكتشف عام 1956م، وآخر في منطقة أبوعلندا ويسمى “المبرك”. وتخلو المنطقة المحيطة بهذين المعبدين من أية إشارات لوجود قرى أو مدن أم أماكن استقرار مما جعل المنقبون يعتقدون أنها كانت محجات للقبائل الرعوية المنتشرة في المنطقة. لكن من المستغرب أن يعثر في معبد مطار ماركا على أواني فخارية مستوردة من مايسينيا، وأختام أسطوانية ذات طابع رافدي.
انتهت في حوالي 1200 قبل الميلاد السيطرة الفرعونية على منطقة جنوبي الشام، كذلك وفي الوقت نفسه تحطمت الامبراطزرية الكاشية في وادي الرافدين والحثية في الأناضول، وهذا مما أتاح الفرصة للمجتمعات المحلية في بلاد الشام لتكون لها دولاً محلية اختلفت في قوتها من واحدة لأخرى. وظهر من بين هذه الممالك المحلية ثلاث منها في المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن هي: العمونية وعاصمتها ربة عمّون والمؤآبية وعاصمتها/ ديبون/ كير مؤآب والأدومية وعاصمتها بصيرة. والذي يهمنا بهذا المقام العمونيين .
على الرغم من أنه كان لهذه الدولة عاصمة مركزية موقعها فوق جبل القلعة/عمّان إلاّ أنه كان هناك مجموعة من البلدات والقرى والعزب الزراعية التابعة لها مثل: سيران، وأم الرجوم، وخربة سار، وخربة أم الصوينية، وجنينه، والمقابلين، وتل العميري. كما عثر على أواني فخارية في مواقع تمتد على طول نهر الزرقاء مثل دير علا، وتل داميا. تتمركز عاصمة العمونيين ربة عمّون فوق قمة مرتفع جبل القلعة الذي يأخذ شكل حرف “L” الإنجليزية وتبلغ مساحتة حوالي أربعين فداناً، ومحاط بالأودية من ثلاث جهات: الشرقية والغربية والجنوبية. ويطل هذا الموقع على مجرى سيل عمّان من جهته الجنوبية ، الذي يقطع العاصمة باتجاه شرق – غرب.
قد يسأل سائل من هم العمونيين؟، ذكرنا أعلاه، أنه وخلال العصر البرونزي المـتأخر سكن في المنطقة المحيطة بعمان مجموعة من القبائل الرعوية البدوية التي هي في الأساس من القبائل العربية التي كانت تجول في هذه المنطقة، ولا بد أن هذه القبائل لاحظت توافر المياه الدائمة وصلاحية الأرض للزراعة فقررت الاستقرار فيها فكانت الدولة العمونية التي وضعت الأسس لها في حوالي 1200 قبل الميلاد لكنها لم تزدهر إلاّ بعد القرن العاشر قبل الميلاد بسبب التوسع في الزراعة ومرور الطرق التجارية فيها.
كان للموقع الجغرافي للملكة العمونية الممتدة بين وادي الزرقاء شمالاً ووادي الموجب جنوباً تأثير كبير في علاقاته مع الممالك المجاورة. وكانت علاقاتها مع جيرانها بين مد وجزر، لكن اليد العليا في المنطقة كاملة كانت للآشوريين، حيث دفع ملوك العمونيين الجزية لهم. وخير دليل على هذا ما ورد في النصوص الآشورية من زمن الملك الآشوري تيغلات بيلاسر الثالث (733 قبل الميلاد) من أن الملك العموني شنيب (شانيبو) قد دفع له الجزية. وبعد سقوط الدولة الآشورية في عام 612 قبل الميلاد على يد التحالف الميدي- البابلي ، ورثت بابل أملاكها وسقطت منطقة جنوبي بلاد الشام في حوالي 586 قبل الميلاد تحت حكمهم. وللأسف وحتى الوقت الحاضر لا تسعفنا لا الإكتشافات الأثرية ولا الكتابات والنقوش حول عمّون في هذه الفترة.
يبدو أن ربة عمّون خلال الحكم الفارسي (539- 332 قبل الميلاد) قد واجهت المصير نفسه الذي كانت عليه إبّان سيطرة الدول البابلية الحديثة على المنطقة، إذ أنه لم تصلنا منها إلاّ النذر اليسير من المعلومات. يقودنا هذا الأمر للاعتقاد إلى تحول في طبيعة الاستقرار والحياة في الأردن عامة خلال هذه المدة. إذ كشفت الحفريات الأثرية التي جرت في عدد من المواقع الأردنية، خاصة في منطقة الأغوار النقاب عن بناء مستودعات وحفر حفرت في باطن الأرض لتخزين الحبوب والتبن فيها. وهذا يشير إلى أن الناس قد تنقلوا في المنطقة لكنهم تركوا قلّة من الناس عند هذه المستودعات. يقودنا هذا الأمر للاعتقاد إلى تحول في طبيعة الاستقرار والحياة في الأردن عامة خلال هذه المدة.
أما بخصوص ربة عمّون فيظهر لنا أن الناس قد انتقلوا إلى المنطقةالغربية من ربة عمّون، إذ عثر في منطقة أم أذينة، عمّان الحالية على مدفن عثر بداخله على مجموعة من اللقى الأثرية ، مثل الأواني الفخارية، وقوارير، ومصابيح، وأواني برونزية من أهمها مبخرة تعود لأواخر العصر الفارسي وبداية الهلنستي (أواخر القرن الرابع قبل الميلاد).
مبخرة أم أذينه
كما يبدو أن الفرس قد عينوا على منطقة ربة عمون حاكماً اسمه “طوبيا” العموني، وكان لعائلته اقطاعية في منطقة عراق الأمير/وادي السير الواقعة على بعد حوالي 24كم إلى الغرب من عمّان، وتأكد هذا الأمر من خلال نقش وجد منقوشاً عل واجهة أحد الكهوف في المنطقة. ويظهر أن هذه المنطقة ذاع صيتها واشتهرت في القرن الثاني قبل الميلاد في زمن البطالمة.
عراق الأمير (القصر والكهف وعلى واجهته الكتابة)
استطاع الاسكندر المكدوني هزيمة الفرس في معركة ابسوس في عام 332 قبل الميلاد واحتل بعدها بلاد شرقي المتوسط ومصر. لكن وبعد وفاته، تقاسم قواده امبراطوريته الواسعة بينهم، فاستولى سلوقس على بلاد ما بين النهرين وشمالي سوريا، وبطليموس الأول على مصر.لكن هذا الأخير سارع بالانقضاض على جنوبي بلاد الشام وفينيقيا واحتلالها في عام 301 قبل الميلاد، وخلفه بعد موته في عام 285 قبل الميلاد بطليموس الثاني وهو الذي سمّى ربة عمون باسم “فيلادلفيا”.
أعاد بطليموس الثاني بناء فيلادلفيا حسب مخططات المدن اليونانية، فخصص منطقة جبل القلعة (الأكروبول) للمعابد، بينما تركزت الأسواق التجارية والمسارح والحمامات على جوانب الشوارع الرئيسية والفرعية خاصة المحاذية لسيل عمّان. وكان يمر في وسط المدينة شارعان، الشارع الأول يتجه باتجاه شمال – جنوب ويسمى الكاردو (Cardo) وكان يمر في مكان شارع السلط الحالي، والثاني يتجه باتجاه شرق غرب ويسمى ديكيومانوس (Decumanus) وكان يمر في الشوارع الحالية ابتداء من شارع المحطة ثم شارع الهاشمي ثم إلى المصدار (زيادين 2004: 81). وكانت هذه الشوارع محاطة بالأعمدة الكورنثية ، كما أنها بنيت في بعض المناطق فوق قناطر أو أقواس.
جعل بطليموس الثاني من فيلادلفيا مركزاً إدارياً وزودها بحامية من الفرسان، كما وذكرت فيلادلفيا (عمّان) في برديات زينون المؤرخة للقرن الثاني قبل الميلاد والتي عثر عليها في الفيوم في مصر.
سيطر الروم على جنوبي بلاد الشام في سنة 63 قبل الميلاد، وكانت المنطقة قد شهدت عدم استقرار سياسي قبلها. إذ قامت ثورة محلية يهودية في فلسطين عام 167 قبل الميلاد سميت باسم الثورة المكابية، قام قوادها بمهاجمة “الطوبيين” في عراق الأمير، وبدأوا بتدمير المدن الهيلينية مثل جدارا، وبيلا، وجراسا. وتوقف هذا التدمير عندما استطاع الملك النبطي الحارث الثالث من هزيمة الاسكندر جنّايوس(حوالي 103 – 76 قبل الميلاد) في معركتين الأولى في منطقة الجولان، والثانية بالقرب من مدينة اللد في فلسطين وفرض عليه المصالحة في عام 82 قبل الميلاد. كذلك فقد استطاع الملك النبطي عبادة الأول أن يهزم السلوقيين ويقتل ملكهم انطيوخوس الثاني عشر عام 84 قبل الميلاد. نتيجة لهذا الأمر بدأت تظهر على الساحة في بلاد الشام مجموعة من الدول المحلية مثل النبطية والإيطورية.
بطبيعة الحال لم يعجب هذا الأمر روما، وكان قد ظهر فيها قائد قوي هو بومبي الذي استطاع أن يسيطر على منطقة حوض البحر المتوسط وأن ينشأ الولاية العربية وعاصمتها انطاكية في عام 64 قبل الميلاد، تبعها باسترجاع المدن الهيلنستية من قبضة اليهود والتي كان قد استولى عليها الاسكندر جنّايوس. وأصبحت هذه المدن تشكل نواة لرابطة المدن اليونانية العشر (الديكابوليس). ويعتقد الدكتور فوزي زيادين أن الهدف من انشائها هو نوطين جاليات يونانية ورومية فيها لمواجهة التعصب الديني اليهودي أولاً، والسيطرة على تجارة الأنباط، ثانياً. أي أن الصراع كان حضارياً واقتصادياً.
كما ذكرنا أعلاه بنيت فيلادلفيا خلال الفترتين الهيلنسية والرومية حسب مخططات المدن الكلاسيكية، فأصبحت تضم منطقتين الأكروبول حيث بنيت المعابد والمرافق الإدارية، والمنطقة السفلى حيث مراكز الحياة اليومية والعامة. ومن أهم المعالم المعمارية الرومية البارزة في عمّان:
- المدرج الرومي (الروماني):
بني المدج الرومي في عهد الامبراطور أنطونينوس بيوس (Antoninus Pius) 167 – 138 ميلادي كما يثبت ذلك نقشاً يونانياً منقوشاً على الجدار الخلفي. وقد أنشأ هذا المدرج في بطن جبل الجوفه بقطر يبلغ 102 متراً، ويضم ثلاثة أدوار من المقاعد تتسع لحوالي ستة آلاف متفرج، وله مدخليين رئيسيين وأربع بوابات بنيت في الجدار الخارجي لتسهل الدخول والخروج. كما بني في أعلى منطقة من الجزء العلوي منه حنية لوضع تمثال آلهة المدينة هرقل وأمه أستيريا. ومن الجدير بالذكر أنه وجد في حلبة المدرج تمثال من الرخام للإلهة أثينا. وكان يقام في هذا المدرج الحفلات والنشاطات الرياضية خاصة المصارعة.
الأوديون (Odeon):
يقع مبنى الأوديون في عمّان على مقربة من المدرج الكبير، إلى الشمال الشرقي منه، ويبلغ قطره 38 متراً وكان حين بناءه يتكون من دورين، لكن لم يتبق منه في الوقت الحاضر إلاّ دور واحد. تتواجد في الجدار المطل على ساحة الفوروم خمسة بوابات يضاف إليها مدخلان على كل جانب وثالث بني في الجدار الخلفي. كان الأوديون يستخدم للنشاطات الثقافية مثل الخطابة، إلقاء الشعر، والحفلات الموسيقية. ويجتمع فيه مجلس إدارة شؤون المدينة.
المدرج الرومي والأوديون
الأوديون
سبيل الحوريات (Nymphaeum):
بني سبيل الحوريات في فيلادلفيا في منطقة يلتقي فيها الشارع الرئيسي مع شارع فرعي في وسط المدينة الحالي. وكان عند بناءه يرتفع ثلاث طبقات بني فيها محاريب لوضع التماثيل. وأنشأ البناء على شكل نصف مثمن فوق عقود برميلية بنيت فوق مجرى سيل عمّان. ويعتقد الدكتور فوزي زيادين أن هذا المبنى أعيد استخدامه في الفترات اللاحقة للرومية.
سبيل الحوريات (النمفايوم)
اعترف الامبراطور قسطنطين في عام 324 ميلادية بالديانة المسيحية، وبهذا أخذ النصارى يدعون الناس لاتباع الديانة المسيحية جهراً نهاراً. كما أنهم بدأوا ببناء الكنائس والأديرة وغيرها مما يتصل بهذه الديانة من مباني. ولقد تم العثور في عمان على مباني لكاتدرائية وعدد من الكنائس التي انتشرت فوق مواقع شتى من العاصمة الحالية عمّان. ونقدم أدناه عرضاً لبعض منها:
– الكنيسة البيزنطية فوق المصطبة العليا لجبل القلعة:
عثرت البعثة الأثرية الإيطالية التي نقبت في عام 1938م في جبل القلعة على جزء من مباني كنيسة ودير يعودان للعصر البيزنطي في الجهة الشمالية الشرقية من المصطبة العليا لجبل القلعة. ولم يستكمل الكشف عنها إلاّ في عام 1975م على يد الدكتور فوزي زيادين عندما التعرف على مخططها البازيليكي، وبلغت أبعادها على النحو الآتي: 20،30 م X 12،30م. وكان للكنيسة أرضية فسيفسائية رسمت على شكل دوائر رسمت بداخلها وريدات بين أوراقها زهور حمراء اللون، كما تم التعرف على كتابة يونانية. ويعتقد المنقبون أن هذا المبنى كان أصلاً موجوداً في الفترة الرومية وأن أعمدة الكنيسة وقواعدها أخذت من مبنى معبد هرقل. ويتأرجح تاريخ البناء بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين. كما تم العثور في المنطقة على على بيوت ومعصرة زيتون ترجع لنهاية الألف الخامس وبداية السادس الميلادي.
وافقت دائرة الآثار العامة في عام 1987م لوزارة التربية والتعليم على إقامة مدرسة تبنى من الأبنية الجاهزة شريطة ألا يتجاوز عمق أساسات المبنى 70 سنتمتراً، لكن المتعهد خالف الشرط ووصل إلى عمق ثلاثة أمتار فكشف عن أرضية فسيفسائية بيزنطية كانت أرضية لغرفة من مجمع بنائي بيزنطي. كما عثر عدد آخر من الكنائس في مناطق أخرى من عمّان، إذ أشار كوندر إلى وجود كاتدرائية بالقرب من الجامع الحسيني، وهناك كنائس أخرى في الجبيهه، وخلدا، وياجوز وفي دارة الفنون في جبل اللويبده، وفي صافوط.
كنيسة جبل القلعة
عثر في عمّان، خاصة فوق جبل القلعة، على عدد من المباني الأموية التي تخص دار الإمارة، وإيوان الاستقبال، والساحة الكبرى والدكاكين، والمسجد الجامع، والبركة. وهذه كلها تتركز فوق المنطقة التي تطل على جبل الحسين ووادي الحدادة وجبل القصور. ويعدّ المسجد الجامع من أضخم المساجد الأموية في الأردن إذ بلغت أبعاده 41،40م X 90،30م وحفر في فناء المسجد بئر لجمع مياه الأمطار.
استمر الاستيطان في عمان خلال الفترات الاسلامية اللاحقة، لكن يبدو أن أهمية المدينة السياسية أخذت بالتراجع ابتداء من الفترة العباسية حتى اتخذها الهاشميون بقيادة الملك عبدالله المؤسس عاصمة لإمارة الشرق العربي.
صورة جوية لجبل القلعة
ختامها مسك:
ورد في كتاب “سيرة مدينة” للروائي عبدالرحمن منيف “ان عمان مدينة يخترقها نهر ينبع من رأس العين: سيل عمان وهو يتذكر السيل في أواسط الخمسينات ، عندما كانت المياه تصل المبنى القديم لأمانة العاصمة ، وهو مقر مكتبة أمانة عمان هذه الأيام ، وتمر من تحت جسر كان يطلق عليه اسم جسر فرعون ، نسبة إلى درج فرعون ، وهو الاسم الذي كان يطلق على المدرج الروماني آنذاك ، حيث يقول منيف في كتابه هناك كان بعض الشباب يستخدمون أتربة وبعض الحجارة لصنع حاجز تتشكل خلفه ما يشبه البحيرة الصغيرة ، حيث كان الأطفال يصطادون بعض السمكات الصغيرة التي كان بعضها يعلق في الماء المتجمع في البركة الصغيرة”.
أين النهر والسمك في الوقت الحالي؟ !
ليتنا نفكر بوضع خطة شاملة للتطوير الحضري Urban Plan لعاصمتنا الحبيبة عمّان قبل أن يكتمل تدمير آثارنا بحجة تطوير ديارنا، ويفوت الأوان.
زيدان كفافي
عمّان في 16/ 12م 2022
لمن يود معرفة المزيد عن عمّان:
زيادين، فوزي 2005؛ عمّان الكبرى آثار وحضارة. الطبعة الثانية. عمان: منشورات أمانة عمّان 2004.
غوانمه، يوسف حسن 2002؛ عمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية. عمّان: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.