وطنا اليوم:تفوق أسعار تكلفة المعيشة الرواتب في بلجيكا، على الرغم من الزيادة التلقائية للأجور والمعاشات التقاعدية بما يتماشى مع ارتفاع التضخم في البلاد، بناء على ما يُعرف بنظام “مقايسة الأجور” Indexation، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
ويعد “مقايسة الأجور” أحد الأنظمة التي تخلت عنها كثير من الدول بعد صدمة ارتفاع أسعار النفط في السبعينيات، لكن بلجيكا استمرت في حماية أجور العمل بهذه الطريقة.
أعلى معدل تضخم منذ عقود
لكن توقع جان لوك فانيوينهور، الخبير القانوني في خدمات الموارد البشرية بشركة SD Worx البلجيكية، أن تزداد نفقات مقايسة الأجور زيادة هائلة، على نحو يشبه “موجات التسونامي”، بسبب ارتفاع معدل التضخم، الذي بلغ 12.27 % في أكتوبر/تشرين الأول، وهو أعلى معدل تضخم تشهده البلاد منذ عام 1975.
ومع أن الغالبية العظمى من العاملين في بلجيكا لديهم حماية من التضخم بموجب نظام مقايسة الأجور، فإن ذلك لم يخفف من مخاوف الجميع بشأن ارتفاع تكلفة المعيشة.
إذ قالت “أبي جايل أوربان”، وهي عاملة نظافة تبلغ من العمر 31 عاماً وتربي 4 أطفال، إنها تبحث في أرفف السوبر ماركت عن عروض الخصومات الخاصة، وإنها قللت استهلاك التدفئة إلى 3 ساعات في اليوم، ومع ذلك لا يزال يصعب عليها الوفاء باحتياجاتها في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة.
وتابعت أوربان: “أسأل نفسي كل يوم: هل سيكون لديَّ ما يكفي من مال لإطعام أطفالي في نهاية الشهر؟”، “نواجه كل ذلك ودرجات الحرارة لم تقل عن الصفر حتى الآن، فماذا سنفعل حين يحل الشتاء بزمهريره؟”. وأشارت إلى أنها تلقت زيادة في أجرها بموجب نظام المقايسة، لكنها وجدت أن الأسعار لا تزال تفوق ما تجنيه من أجر.
نظام مقايسة الأجور غير كافٍ
يأتي ذلك في وقتٍ كشف فيه استطلاع رأي أجرته شركة “إبسوس” Ipsos ونشرت نتائجه صحيفة Le Soir البلجيكية في 5 ديسمبر/كانون الأول، أن 73% من البلجيكيين يرون أن الزيادات المترتبة على نظام مقايسة الأجور غير كافية لتعويضهم عن ارتفاع الأسعار. وقال أكثر من ثلثي المشاركين في الاستطلاع إن قوتهم الشرائية قد تناقصت خلال العام الماضي.
يستثني نظام مقايسة الأجور السلع “غير الصحية”، مثل البنزين والسجائر والكحول. لكن استثناء البنزين خصوصاً يضر بكثير من الناس، مثل أوربان، ممن يعتمدون على سياراتهم للسفر إلى زبائن العمل في الريف.
وقد تكون المشكلة الأكبر أن أسعار الطاقة ترتفع بوتيرة أسرع بكثير من وتيرة زيادة التضخم العام: فقد كان سعر الغاز الطبيعي في نوفمبر/تشرين الثاني أعلى بنسبة 64% من نظيره في الشهر نفسه من العام الماضي، وارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 42 %. ومن ثم فإن انخفاض أسعار المشتريات العرضية في سلة التضخم، مثل أجهزة التلفزيون والهواتف الذكية، لا يخفف من الأزمة في هذا السياق.
من جانبه، قال فيليب ليدنت، الخبير الاقتصادي في شركة ING للخدمات المالية، لصحيفة Le Soir: “المشاركون في الاستطلاع على حق في القول إن نظام مقايسة الأجور عاجز في الواقع عن حمايتهم من ارتفاع الأسعار وما يترتب على ذلك من انخفاض في القوة الشرائية”.
دعوات للتظاهر
وخلال العام 2022، نظَّمت النقابات في بلجيكا إضرابين ويخططون لمظاهرات كبيرة في 16 ديسمبر/كانون الأول، حيث قالت اتحادات النقابات العمالية الثلاثة الكبرى في بيان لها: “منذ الأزمة المالية، لم يعد هناك زيادات حقيقية في الأجور (بما يتجاوز نظام المقايسة القائم على معادلة التضخم)”.
وتعترض النقابات على قانون صدر عام 1996 بشأن معايير الرواتب، لأنه يحدُّ من نطاق الزيادات الحقيقية في الأجور بالقياس إلى دول أخرى، مثل فرنسا وألمانيا وهولندا.
في المقابل، دعا أرباب العمل في بلجيكا إلى تجميد نظام مقايسة الأجور، بدعوى أن هذه السياسة تضعف قدرتهم على منافسة نظرائهم في الدول المجاورة الذين لا يواجهون زيادات تلقائية في نفقات الأجور.
وفي غضون ذلك، قال بول دي غراوي، الخبير الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد، إنه لا توجد أدلة كثيرة تؤيد المزاعم بأن البلاد مقبلة على دوامة من ارتفاع الأجور والأسعار.
وأشار إلى أن مستوى التضخم في بلجيكا قريب من المتوسط الأوروبي. ومع ذلك، فقد تكون مقايسة الأجور صعبة على بعض الشركات.
ويعارض دي غراوي دعوات النقابات العمالية في بلجيكا إلى إضرابات كبرى في المصانع، مشيراً إلى أن “العامل البلجيكي العادي، والشخص العاطل عن العمل، والمتقاعد” لم تنقص القوة الشرائية لأي منهم بقدر نقصانها في بريطانيا على سبيل المثال، حيث “تغيب آلية مقايسة الأجور غياباً تاماً”