الخيل والخيّالة في مدينة “عمّون”

1 ديسمبر 2022
الخيل والخيّالة في مدينة “عمّون”

 

أ.د. زيدان كفافي

قبل الدخول بموضوع الخاطرة “الخيل والخيّالة في عمّون” نود أن نلفت أحبائنا متابعي الخواطر بأننا قد كنا قد تحدثنا حول أصل العمونيين وحدود مملكتهم وأسماء ملوكهم  في الخاطرة رقم “26”. وعلماً أن الباحثين اتفقوا على أن حدود هذه المملكة امتدت بين واديي الزرقاء شمالاً والموجب جنوباً ونهر الأردن والبحر الميت غرباً والبادية شرقاً، إلاّ أن هذه الحدود لم تكن ثابتة.  ومن المعلوم أن أراضي العمونيين خصبة جداً وصالحة للزراعة ولا أدل على هذا منطقة حوض البقعة/ أم الدنانير.

منظر عام لحوض البقعة وتظهر بلدة أم الدنانير في الأفق  ، كما أحيط هذا الحوض بعدد من الأبراج العمونية

(تصوير يوسف الزعبي)

ما دفعني لكتابة موضوع هذه الخاطرة ثلاثة أمور، هي: 

أولاً: أرفق الأستاذ الدكتور محمد خير ياسين، أطال الله عمره، على الصفحة رقم 6 في كتابه المعنون ب: “العمونيون . سلسلة تاريخ الأردن. العصر الحديدي 1200 – 500 قبل الميلاد. عمان: دار ورد للنشر والتوزيع” ، طبعة لختم عموني  “لم يذكر مصدره” وعنونها ب” ملك عموني في رحلة صيد”، أنظر  الصورة أدناه:

عن  كتاب الأستاذ الدكتور خير ياسين

والناظر للصورة يستطيع أن يرى أن الملك يمتطي صهوة حصانه بصحبة كلب للصيد يطارد غزالاً، ورأى الدكتور خير أن هذا المنظر يمثل الصيد في الصحراء.

ثانياً: عثرنا أثناء الحفريات الأثرية المشتركة مع متحف لايدن في موقع “تل داميا” / غور الأردن على عدد من الدمى البشرية والحيوانية، خاصة  تلك التي تخص إناثاً وخيولاً يمتطى صهوة بعضها خيّالاً وتعود بتاريخها للقرن السابع قبل الميلاد. إضافة لهذا فقد عثر في عدد من المواقع الأردنية الممتدة بين حوضي الزرقاء شمالاً (جبل القلعة/ عمّان، وتل المزار وتل دير علا) والموجب جنوباً (مديّنة الثمد) على عدد من الدمى البشرية والحيوانية المتشابهة والتي أزعم أنها جميعاً عمونية.

ثالثاً: يرى الأستاذ الدكتور خير ياسين أن العمونيين وخلال العصر الحديدي الثاني (حوالي 900 – 586 قبل الميلاد) كانوا أغنياء جداً لعملهم بالتجارة والزراعة، وأنهم ربوا الجمال فاستطاعوا بذلك اختراق الصحراء بتجارتهم، خاصة تجارة المعادن، كما أنهم سيطروا على الطرق التجارية. ويستدل على أهمية الجمل في ازدهار الدولة العمونية في ذلك الوقت أن المصادر الآشورية المكتوبة أشارت إلى أن الملك العموني أرسل للملك الآشوري ألف  جمل (دفعها جزية سنوية). وكانت بلاد الشام وخلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد خاضعة للآشوريين وتدفع لهم الجزية السنوية.

 

خارطة توضح أهم المواقع في عمّون

وإذا كان الجمل/سفينة الصحراء هو من أهم أسباب استقرار وثراء المملكة العمونية بسبب أنه ساعد على نقل البضائع عبر الصحراء، إذن ما هو دور الخيل في هذه المرحلة؟ ولماذا عثرنا على العديد من دمى الخيل، ونادراً ما عثرنا على دمى للجمال؟

صورة من الانترنت

تتسم الخيول العربية أن رأسها طويل، وجبهتها عريضة، وأنوفها واسعة، وفمها صغيراً، وذيلها مرتفع قليلاً، وأذنيها صغيرتين، ويظهر وكأن جسمها مقعّر. كما أن لكثير من الخيول العربية حدبة بسيطة بين عينيها يعتقد أنها تساعد الخيل على التعايش مع الطقس الصحراوي القاسي. كما وتتصف الخيول العربية عن غيرها من الخيول بأن عنقها ذا شكل مقوّس، وأن لها قصبة هوائية كبيرة (هذه الصفات منقولة عن الويكبيديا).  ولننظر أدناه دمى الخيول  العمونية والتي عثرنا عليها  في عدد من المواقع الأثرية الأردنية، خاصة موقع تل داميا:

ثلاثة من الخيول العمونية من القرن السابع قبل الميلاد من تل داميا

(تصوير يوسف الزعبي)

رسم للحصان في وسط  الصورة السابقة 

(رسم موفق البطاينه)

المدقق للنظر يستطيع رؤية الشبه الكبير بين هذه الدمى والوصف أعلاه، كما أن الدمية في الوسط جاءت مزخرفة بخطوط سوداء اللون ، ربما تمثل الرسن والسرج. مما يدل على تدجينها.

دمى لخيّال فوق حصانه من تل داميا من القرن السابع قبل الميلاد

(تصوير يوسف الزعبي)

أعتقد أن الصورتين أعلاه توضحان وظيفة الخيل والخيّال العموني، ففي الصورة الأولى خيّال يمتطي صهوة حصان ربما يكون خارجاً للصيد أو لمبارزة سباق خيل مع شخص آخر. أما الدمية الثانية فتمثل خيالاً فوق ظهر حصانين، وربما يشير هذا إلى مهارة الخيّال أولاً في القدرة على السيطرة على حصانين في آنٍ واحد، أو أن الحصانين يجران أو يسحبان ثقل ما…والله أعلم.

كذلك لو دققنا في شكل الخيّال لوجدنا أن الفنان لم يهتم كثيراً في وضع الأرجل أو شكل اليدين، إنما نسطيع رؤية غطاء الرأس وأن هناك فرقاً بين غطاء رأس الخيال الأول وغطاء رأس الثاني. فالأول يغطي رأسه كاملاً وأما الثاني فهناك ما يشبه العصبة حول الرأس.

وإذا كان لنا من قول بهذه المناسبة، فإننا نستذكر قول الشاعر المتنبي:

الخيل والليل والبيداء تعرفني            والسيف والرمح والقرطاس والقلم

يا رعاكم الله… على ظهورها يا إخوان

أ.د. زيدان كفافي

عمّان في  2/ 12/ 2022

مراجع للقراءة

ياسين، خير 2022؛ العمونيون . سلسلة تاريخ الأردن. العصر الحديدي 1200 – 500 قبل الميلاد. عمان: دار ورد للنشر والتوزيع.

Kafafi, Zeidan and Petit, Lucas 2018a; Recycling the Valley Preliminary Report: Tall Damiyah Excavations 2014. Annual of the Department of Antiquities 59: 317-329. 

 

Kafafi, Zeidan and Petit, Lucas 2018b; Recycling the Valley: Preliminary Report: Tall Damiyah Excavations 2015. Annual of the Department of Antiquities 59: 329-337 (with Lucas Petit).